الثلاثاء، 19 يناير 2016

لم نعد صغارا (2)

النوم رسول النسيان ، يقدم إلينا ويحمل فى جعبته الراحة مما نعانى والسلام والأمن مما نخاف ، يتسلل إلى داخلنا ببطئ حتى يتملك منا كليا فتستسلم له كل جوارحنا وفى أحيان كثيرة من شدة الاعياء والارهاق نسأل الله أن يعجل ببعثه إلينا وفى بعض الأوقات يكون أوان بعثته لم يحن بعد فيتأخر علينا لحين ولوج وقته ، يأخذنا إلى حيث هناك ، عوالم أخرى وشخصيات وأماكن ربما لم نلقها يوما وربما كانت معنا وفارقتنا وربما لازالت تحيا معنا وربما لم يخطر ببالنا يوما أن نلتقيهم وربما تكون مفاجآته لنا مع عوالم لم نشاهدها قبلا ، عوالم من الجن أو عوالم من الملائكة أو عوالم من الجماد وحكايات من الأساطير ، وحيوانات شرابها اللهب ومشاعر وقودها الندى ، محطات قديمة ومبانى مهدمة وألبسة غير التى نعرف ، أحداث ربما بعضها حدث فى التاريخ يوما فى أوقات غير التى نحياها وربما يكون بعضها لم يحدث بعد وربما بعضها هذا وقته وأحيانا تصادق رؤى النوم أحداث اليقظة ، زخم الكلمات والرؤى والأحداث ، الكل فى آن واحد ، بعض الرؤى نتمنى ألا تنتهى وبعضها نصحو من نومنا وقد نسيناه وكأن لم يكن وبعضها يترك فينا من آثاره الكثير.
أحيانا يعاندنا فلا يقرب ديارنا وكأنه يعاقبنا لطول سهرنا ومجافتنا له ، يجعلنا ننفق الكثير والكثير فى سبيل زيارته لنا ولو لوقت ضئيل ، كل ما يهمنا أن يأتى ، ألا يعلم أن دقائق قليلة منه كفيلة بتغيير كل الإعياء والمشقة التى كابدناها فى يومنا ، نختبئ فيه من أوجاعنا وخسائرنا ، يريحنا من آثام كثر اقترافها ويهون على الأخرين مغبة أفعالنا بهم .
نم يا صغيرى ، أقذف تلك الكرة بعيدا وهرول خلفها ، بيت المكعبات تهدمت أسواره ، الأميرة تتبعها الساحرة تبغى سرقة شعرها ، الأقزام يحيطون الجميلة يحمونها من كل من يكيد لها شرا ، جيرى وتوم يتصارعان فى حكايات جديدة ، الأيس كريم الذى تحبه فى الثلاجة ، مدرستك ترسم لك نجمه فى كشكولك وتلصق لك فى صفحة الكتاب ملصق سبايدرمان المفضل لك ، دراجة جميلة وبابا فى سباق سيارات مع الأخرين ، اصدمهم بابا ، هيا اسبقهم ، بسرعة ..بسرعة بابا .
يبكى الصغير فتصحو أمه من النوم متكدرة تلقمه ثديها عساه ينام ثانية ، يعلو صراخه فتنظر فى ملابسه وتغادر الفراش تنظفه وتبدل له الحفاضه ، تلاطفه وتلاعبه فيضحك بعلو صوته ، تطفئ الأنوار فيبكى مجددا فتلقمه ثديها مرة أخرى فيعاندها قليلا ثم فى النهاية يستسلم لرغبتها وينام مضطرا ، تفرد الأغطية التى سقطت من على ومن على صغيرنا الأخر ، تُقبل الصبى وتضم الرضيع إلى حضنها وتنام .
يصحو الصبى ويطرق على وجهى ببطئ يخبرنى أنه عطشان ، أمد يدى أحضر زجاجة الماء ، يشرب حتى يرتوى وأطلب منه أن ينام مجددا وأغطيه لكنه كعادته يكره الأغطية فيقذفها بقدمه فأعيد الكرة مجددا ، غطى نفسك جيدا حتى لا تبرد فليل الشتاء قاسى ، على مضض يقبل أن يغطى جسده ويحيط وجهى بكفيه الصغيرين ويبتسم ويطلب منى أن أشترى له بعض ما يحب فى الصباح فأعده بأن أفعل ..

تطرب مسامعى ابتهالات الفجر وينادى على رسول النوم ويشتد البرد فأتدثر فى الألحفة فتغفو عينى ثم أغالب شيطانى وأنزع الغطاء عن جسدى وأقوم الى الصلاة ، نسيم الفجر طيب خالى من الملوثات ، صافية هى الأجواء لم تكدرها بعد أثام الخلق ، الكثير غارق فى نوم عميق وبعض من اصطفاهم الله استيقظوا ملبين نداءه ، على عجلة يتلهفون لزيارته ، يطيب لهم ذكره ، وجوههم أسرجة منيرة تشق عتمة الليل ، "وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا " .

2 رأيك يهمنى:

كلمات من نور يقول...

جميلة يا محمد ...ربي يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته ومن أهل قيام الليل ومن المحافظين على صلاة الفجر دوما .

Unknown يقول...

نعم الله على الإنسان
لا تعد ولا تحصى
ومنها النووووووم