الخميس، 11 فبراير 2016

لم نعد صغارا 5

أنعطف يمينا فى طريق جديد عن يمينه مسطحات خضراء تطل من خلفها المبانى بحذر وعن اليسار فاصل الطريق ثم الشارع الموازى ثم صحراء ممتدة تقطعها بعض الأبنية على استحياء .
مسجد صغير يقف على ناصية طريق جديد ، اعتدت أن أرى سيارات الأجرة تصطف أمامها وقد استغل سائقوها اتساع المكان وخلوه من الماره إلا نادرا فيمسحون سياراتهم مما غشيها من أتربة ويستخدمون الصنابير المعدة لرى المسطحات الخضراء فى غسيل وتنظيف سياراتهم ثم يغادرون المكان وقد خلفوا وراءهم بقعة كبيرة من المياه فى أرض لا ترى المياه إلا حينما تهديها السماء غيثا .
عجيب أمر هذه المدينة رغم حداثة عهدها بالدنيا إلا أنها قد صبغت بحنتها سريعا فتجدها صنفت أحياء للأثرياء فى المناطق المميزة وبمساحات لا تصل العين الى منتهاها ، شاهقة فارهة ، وكهوف للفقراء لا تكفيهم مأوى دون زاد ، قصور فاحشة الزينة ومساكن شاخت وأهداها الصرف الصحى قناعه فتبدو للناظرين كعجوز شمطاء حالت عليها الأحوال وتخلت عنها الدنيا وتركت للديدان والقوارض لتلهو فيها كما يحلو لها ، لم تمر عليها سنوات عشر وأصبحت آيلة للسقوط بفعل نشع الصرف وفساد الخامات وجشع النفوس وخراب الذمم .
تسقط من عينى دمعة ، أتلقف منديلا من العلبة الساكنة أمامى ، دوران سريع لليسار ، على اليمين نادى تجرى به بعض الترميمات وأعمال الصيانة وربما إضافات أخرى لمبانيه ، تحيطه مساحة كبيرة لم تشغل سوى بالرمال الصفراء ، كثبان رمالية تتوالى وتتداخل وتتشاكل فى هيئات مختلفة ، أحيانا تجتمع وكثيرا تتفرق كقطيع فقد وجهته ، أقطع الطريق على عجل ، سوق تجارى ، محال لتجارة مواد البناء ، صيدلية ، محل لبيع المخبوزات والبقالة ، أقفاص خضروات وفاكهة ، شبكة كهرباء تتقدمها بوابة حديدية قديمة ، سورها متآكل سقط الطلاء عن بعض أجزائه ، صحراء تتلوها صحراء ، كثبان رملية ساكنة بلا حراك كجثة لفظتها الأرض فتركت لتذروها الريح معها حيث رحلت .
مركز تجارى متهالك رغم حداثة بنائه ، مكون من عدة طوابق ، الطابق الأرضى مكون من محلات والطوابق العلوية شقق للاغراض المختلفة ، هجره مُلاكه مؤقتا لكساد التجارة ، طريق يهجره الماره دوما ، إتخذه البعض سبيلا للقبلات العابرة ولمس الأيدى التى لا يستطيع النيل منها فى أماكن أخرى إلا خلسة ، بعض الذين اعتادوا اصطياد الفرائس ،الأماكن الخالية دوما ملاذا امنا للشياطين ،  نادى صغير ، خلوه من الرواد يمنح المتواجدين به تلك المساحة التى يحتاجونها لاختلاس النظرات واللمسات والقبلات فى غفلة متعمدة من العاملين به وربما لولا تلك المساحة لما أتوا إلى هذا المكان .
بناية صغيرة تعلوها لافتة تحمل اسم أحد البنوك ، على الجهة الأخرى بدأت البنايات تطل من خلف مسطحات خضراء ، أشجار وحشائش منبثقة تتوسطها تكسوها قطرات الندى ، المبانى تتوالى بارتفاعات متساوية فى أكثرها ، المنطقة الوسطى بين الطريقين تركت خاوية ، ربما يتم زراعتها مستقبلا ، سور يحيط مساحة كبيرة هذه المرة لنادى اخر ، يقولون أن رسوم الاشتراك به أصبحت ألافا كثيرة هذه الأيام .

مفترق طرق جديد ووجهات مختلفة والكل يسعى نحو رزقه ، الأحلام لا تولد مكتملة ولكنها تأخذ وقتا لتتشكل ويكتمل بنيانها فيصبح حلمك واضحا جليا وتصف اللبنات فى سبيل الوصول إليه ، مدرسة للتعليم الأساسى ، يقابلها منطقة يسكنها أثرياء هذه المدينة ، تبدو المدرسة عتيقة فى زيها القديم ومقابلها تبدو القصور آنفة من تلك الرؤى التى تفسد عليها مزاجها وتخدش رونقها وتطفئ بهجتها ، بالطبع أبناء الساكنين هنا لا يلتحقون بالمراحل التعليمية بتلك البناية أو شبيهاتها وإنما أماكنهم محجوزة مسبقا فى تلك البنايات التى تتقاضى أرقاما شهرية يصعب على الكثير من قاطنى هذه المدينة جنيها من عمله عاما بأكمله .