وصل صديقى فركبت معه سيارته وأخبرته أن صديقى
الذى سيواصل معى رحلتى سينتظرنى فى موقف البطحاء فى الثانية عشر تقريبا ولكن أود
شراء شريحة للهاتف أولا ، فانطلقنا إلى احدى شركات المحمول وقمنا بشراء الشريحة
وتشغيلها ثم أصر صاحبى أن يعزمنى على بعض الحلوى أثناء التجول فى الشوارع لدقائق
قليلة وبعدها انطلقنا الى موقف البطحاء وانتظرنا صاحبى الذى تأخر بعض الوقت حتى
وصل ثم ودعت صديقى عند هذه النقطة .
كل ما سبق كان عاديا جدا لكن ما سيأتى ابتداء
من هذه اللحظة مغاير تماما ، حياتى قبل هذه الفترة شئ وهذه الأيام حكايات أخرى لم
أتوقعها حتى فى أقسى مناماتى ...
فى موقف الحافلات بالبطحاء جلسنا ننتظر،
الحرارة تحمصنا كأننا حبات ذرة ملقاة فى فرن والعرق يتساقط منا كأننا قد خرجنا توا
من نهر ، نبحث عن سيارة تقلنا من الرياض إلى جدة ، مفاوضات كثيرة ومشاورات مع
السائقين والسماسرة وسعى بين الأزقة الخلفية والشوارع الجانبية ، أغلب الذين نتحدث
معهم من الهند وأجوارها ، استمر الأمر ما يقرب من ثلاث ساعات حتى هدى الله لنا
سائقا ووافق ثم قضينا وقتا طويلا أيضا حتى تزايد عدد الركاب وذلك كله بعد تجول
السائق فى الشوارع والأزقة بحثا عن مسافرين لنفس الوجهة يقبلون بالسعر الذى يطلبه ثم
هاتفه أحدهم فتحرك بنا إلى منطقة أخرى وهناك وجدنا سيارة بيجو متوقفة وبها أسرة من
الأفارقة ، تفاوض كلا السائقين ثم حاولا إقناع الأسرة للركوب معنا فى السيارة التى
تقلنا وكعادة المفاوضات تحتوى على الكثير من الشد والجذب والمناوشات والأصوات التى
ترتفع أحيانا وتهدأ أحيانا خاصة إن كانت الأسرة أكثرها نساء وقطعا نحن لا نفهم
حرفا مما يدور فالجميع يتحدث بلغات مختلفة ، تشكيلة مدمجة من الحروف من كل لغة
ويحاولون اصطياد الكلمات التى يفهمونها من هنا وهنا حتى يصل المعنى ، مللنا قطعا
من هذه المهاترات ولكننا ليس بيدنا غير الانتظار .
انتهى التفاوض واقتنعت الأسرة الافريقية
بالانضمام إلينا وتم وضع الحقائب فوق شبكة السيارة بالأعلى وشد السائق الأربطة
عليها جيدا ، انطلق بعض الركاب لمسجد قريب لحين انتهاء السائق من الاستعداد
للانطلاق ، دخل السائق الى السيارة وجلس على مقعده وبدأ يتحرك دون أن ينتبه فاصطدم
بعمود كهربائى ، أوقف السيارة وأسرع خارجا منها ليعلم حجم الضررالذى أصابها وظل
يدفع بيديه ويشد ويجذب ويدق ثم عاد الى السيارة مرة أخرى فقادها ببطئ إلى الخلف
حتى ورشة إصلاح بالجوار حيث تم استبدال الإطار الذى تضرر وضبط باقى الاطارات ثم
بدأت الرحلة .
غادرنا ورشة الاصلاح دون أن يجد السائق بها
نفس نوع الاطار الذى يستخدمه والأن نتحرك بالسيارة دون اطارات احتياطية لطوارئ
الطريق ، ومع اول دوران يدور السائق بالسيارة نحو الخلف ويفتح مسار السير أمامه
على الهاتف بينما يقطع الزحام بخطوات بطيئة شيئا ما .
ورغم ما حدث إلا أن السائق كان حسن الخلق
بشوش الوجه ولم تؤثر على ابتسامته ما تعرضت له السيارة من أضرار أو الوقت الذى
أهدر فى مناوشات ليس لها داعى ، تجاذب أطراف الحديث مع بعض الركاب ووضع سماعة
الأذن وتكلم عبر الهاتف أكثر الطريق ، و ثبت سرعة السيارة عند 120كم لا تتخطاها .
خلفنا الرياض وراءنا وسلكنا الطريق نحو
وجهتنا نشق الصحراء الممتدة من الجانبين ، الأفارقة فى حديث لا ينتهى والسائق
منتبه إلى الطريق وصوته مع هاتفه ، صاحبى أمال رأسه على النافذة وغفا ، عن يمينى
جلس أحد الاسيوين ، شغل بتناول الطعام ومطالعة هاتفه أكثر وقت الطريق ، فجأة هبت
عاصفة شديدة فأبطأ السائق السيارة ثم انعطف بها جانبا عند أول محطة وقود وصلنا
إليها ودخل إلى مراكز الخدمة الملحقة بالمحطة ليبحث عن نوع الاطار الذى يستخدمه
وليطمئن أكثر على السيارة مما منحنا دقائق للنزول من السيارة لإراحة أقدامنا بعض
الوقت لكن الأمطار باغتتنا وسقطت كأنها سيول ، الحرارة مرتفعة جدا والأمطار تسقط
على الطريق فتسمع لها أزيزا كأن زيتا يغلى ، فى هذا الوقت مرت بنا كل فصول العام .