ألتفت بالسيارة ناحية اليمين حيث تصطف
المصالح متتالية ، المبنى الثالث هناك هو الذى أقصده ، أركن السيارة فى الجهة
القصوى مثلما إعتدت دوما عندما أجدها خالية ، ألملم أوراقى وهاتفى ومفاتيحى ،
أغادر السيارة وأتجه إلى الطابق الثالث لأنهى بعض الأعمال والإجراءات مع الموظفين
هناك .
ساعات أقضيها متنقلا بين هذا وذاك ، يوفقنى
الله فتنجز بعض الأعمال وأخرى تتأجل إلى حين ، ألتقى كثيرا ممن أعرف وتحية باليد
وكلمات متعجلة تكون هى كل الحديث .
تمر الأيام ببطء مثقلة بأطنان من الذكريات
التى تتكدس أكواما فوق بعضها يوما بعض يوم ، مشقة يتبعها راحة وراحة تغلبها المشقة
ووجع يحمل بين جنبيه فرح وسرور يباغتك فى قدومه ورحيله ، تتغير الوجوه وتتبدل
الأماكن ومعها تتقلب المشاعر من حال إلى حال .
بعض النسيان يأتى على شيئا من الذكريات فيخف
حمل الأيام شيئا يسيرا يدفعها سرعة إلى الأمام فى انتظار ما يحمله لها الغيب .
حال المدينة يتغير وتزداد أعداد قاطنيها
وتصبح وجهة للكثير يصاحب ذلك غلاء فاحش فى الأسعار وتضخم فى قيمة كل شئ عدا البشر
.
أماكن ذات شهرة واسعه قدمت إلى المدينة فبدلت
طقوس ساكنيها ، اللافتات الاعلانية المنتشرة على واجهات المعارض التجارية والمقاهى
أخف دليل على ذلك .
تشتعل الحروب وتنتشر وتعلو الفتنة فى البلدان
المجاورة فيحل على المدينة ضيوف جدد ، جنسيات مختلفة وثقافات متنوعة غير الثقافة
المتأصلة فى بنيان هذا الشعب .
تتداخل الثقافات وتختلط الأنساب وينصهر
المجتمع فى بعضه ، يحافظ الضيوف على ثقافتهم بينما يتشبع شعبنا من ثقافتهم ويطليها
بصبغته الخاصة .
المبانى كقاطنيها شاخت بعد أن رحل عنها أول
من وضع لبنتها ، برحيله فقدت الكثير من بريقها رغم محاولات الخلفاء إخفاء ذلك ،
أمر عليها فأتطلع إلى وجوهها وأسمع أناتها ولا يسمعها سوى من عشقها وجرى حبها فى
شرايينه .
يتبدل مكان عملى من هنا لهناك فألتقى بأناس
جدد ، تتوطد علاقتنا فتستعد الذاكرة لتحمل المزيد مجددا .
ها نحن على أعتاب حقبة زمنية جديدة !
0 رأيك يهمنى:
إرسال تعليق