وكأنى أسير وسط منطقة غريبة عنى ، مزارع ، مجرى مائى ،
حقول زراعية ، الطريق منحدر ، أسير على غير هدى ، أسأل أول شخص ألقاه فيخبرنى أن
أمامى طريقان ، اسلك الطريق المقابل ولكنك لابد أن تمضى وقتا طويلا حتى تصل للطريق
الرئيسى ، وتستطيع أن تختصر المسافة مرورا ببعض الحقول والحظائر التى تواجهك ،
اخترت الطريق الثانى وبدأت السير ، كلاب ضاله تجرى متجهة نحوى ، يقشعر بدنى وأرتعد
قليلا ، يدركنى صاحبها قبل أن تعتدى على ، يخبرنى أنى لابد أن أستقل معدية أصل
إليها بعد قطع مسافة من السير على هذا البر ، المعدية تنقلنى الى البر الغربى ،
بالمجرى المائى ما يشبه السدود مصنعة من براميل رصت متجاورة وربطت بحبل يصلها كلها
مجتمعة ويحافظ على وجودها كى لا تسحبها المياه أثناء جريانها ، الحبل مجدول من
التيل ، الأشجار متناثرة ، كافور وصفصاف ، مجموعات من البامبو ، نخيل على مسافات ،
جميزة عتيقة ، قطع أخشاب ، أعواد جافة ، تراكمات وكتل من الطمى ، بعضها مكور يشبه
ثدى مكتنز وبعضها مترهل وبعضها صلد كصخر ، ومنها القاسى قلبه رغم لين ملامحه ، فى البر الغربى الطريق ممهد لكن طوال سيرى لم
ألمح سيارة واحدة تمر ، ولازلت أجهل السبب ، لا أعلم ماذا أتى بى إلى هنا ، كنت
نائما أو كنت غائبا أو كنت تائها أو أن عينى غفت وفجأة وجدتنى هنا ، لا أعلم متى
وأين البداية ، لم أرانى مستلقى تحت ظل شجرة ، وجدتنى وسط زروع ، ألتفت يمنة ويسرة
فلا أستطيع معرفة مكانى ، أواصل السير ،
يدعونى شيخ عجوز لتناول لقيمات معه ابتسم له واشكره ، يقسم أن أتناول ولو كوبا من
الشاى فألبى دعوته وأبر بقسمه ، يفرش الأرض ببعض أعواد القش ، يسوى ما بينها ،
أقترب وأجلس بجانبه ، يقدم إلى الطعام ، خبز وجبن وخضروات ، أشكره مجددا ، تناول
قدر استطاعتك حتى يغلى الشاى ، ألتهم الطعام وفجأة أشعر وكأنى ما تناولت طعاما منذ
أيام ، لا أعرفك يا بنى ، لم أرك هنا من قبل ، نعم لست من هنا ولا أعرف أين أنا
ولا كيف جئت هنا ، حكاية لا أعرف معالمها ، يتأملنى الشيخ العجوز ويحافظ على صمته
وبسمة تعلو وجهه ...
أشرد ثانية سابحا فيما حولى ، عشة قوائمها أعمدة صنعت من
جذوع الأشجار ، أربعة قوائم تتخلها عيدان الغاب ، جدلت فيما بينها بالخوص ، السقف
من ذات المكونات ، أعد فى شكل طبقات كل طبقة تعلو الأخرى ودعمت بحزم من القش ،
يقطع شرودى صوت الشيخ يقدم إلى الشاى ، أنتهى من شرب الشاى ، أشكره وأستئذن للرحيل
، يبتسم إلى وتتبدل ملامح وجهه فتسير سماته حائرة ويوصينى " انتبه لطريقك
فليس كل ما فى الصحراء سراب وفى الصمت خير وفى الغيب رحمة " .
أبتسم وأقبل رأسه شاكرا ممتنا وأواصل السير ، مواشى
بالزرائب وأغنام وماعز ، حمار مستلقى ممدا أقدامه ، بقرة غطى على عينيها وعلقت
بساقية مصنعة من صاج قديم تدور على ترس حول قطرها ومثبتة ، جذعى شجر أحدها وضع على رقبة البقرة
والأخرمن خلفها ، موصولة بحبل ، تدور البقرة فينهمر الماء من فتحات الساقية فيجرى
إلى قناة صغيرة شقت وسط الحقول ، طفل صغير يمسك بحبل بقرة أخذها ليسقيها الماء من
القناة الضيقة والبقرة قد حنت رأسها لتروى عطشها ، الأشجار هنا تبدو قديمة قدم
الزمان ، جفت جذوعها وأرهقتها الأيام والسنوات التى مرت عليها ،على الجسر سويت قطعة صغيرة وبنى من حولها سور
بارتفاع صغير وتركت فى السورمساحة فارغة أعدت كـباب للدخول ، فرشت بحصيرة قديمة
تحيطها أعواد القش ، ووسطها كهل يصلى ، بجانبها طلمبة لاستخراج المياه الجوفيه
وأمام الطلمبة بنى حوض جدرانه خضبت بالأسمنت ، بنى على مرحلتين ، الأولى مرتفعة بحيز ضيق والثانية أكبر وقاعها
أشد عمقا أعدت لسقيا البهائم والماشية ، ألمح المعدية على
مرمى البصر فأبتسم !
0 رأيك يهمنى:
إرسال تعليق