الوقت طويل سرمدى كأنه
لا ينتهى ، الليل هرم كشيخ عجوز أضعفته الفواجع والسنون ، الفجر ابتعد ، ولى وكأنه
فر من الزحف ، الوجع استقر كجبال راسيات ، الجروح واعرات ، يخترقن الجسد ويكسرن
الضلوع ، الوطن تائه ، حائر وسط الدروب ، ملقى به وسط الظلمات ، ظلمات متراكمة
طبقات فوق بعضها كأنهن موجات ..
ناى حزين ونحيب ينبع من
قلب أم كلمى وأب لم تحل شيبته بينه وبين البكاء كأنه طفل يصرخ طلبا لثدى امه ،
دموع تخط طريقها على ناصية وجوه اعتادتها فلم تضل يوما طريقها إليها ، وحدها
الدموع تحنو عليهم فى عالم اتخذ القسوة سبيلا ...
أتم الطريق سيرا أطالع
تلك الوجوه ، كل وجه وحده حياة ، حكاية سطرتها الأيام ، أثار الزمن بادية محفورة
فى كل جبهة وناصية ، شقوق تخللت أقدامهم كأنها شقت فى اجسادهم قنواتا للسفر ، جلود
جافة غليظة أشد قسوة من الصخر ، عيون بريئة تبتسم فكأن الدنيا كلها تضحك ، عيون
مكلومة تبكى فكأن العالم لم يرى يوما فرح ...
تمر كل يوم قبل الظهر
وقبيل الغروب ، تقلب فى صناديق القمامة ، تبحث فيها عن اى شئ تقتات به ، يصحبها
أطفال صغار وقد يأتى بدلا منها إحدى قريباتها ، أم أحسبها فى عقدها السادس ، ولم
يمنعها ذلك من السعى لاكتساب رزقها ، قالت لى ابنى وزوجته وأولاده وزوجى وعائلتى ،
الفقر يا ولدى هو ما يجعلنى أقلب فى صناديق القمامة ، أولاد الحلال يعرفوننى
فيضعون لى بعض الأشياء بجوار الصندوق فأتى لأخذها وأبحث بالصندوق عن بقايا الطعام
أو ما يمكن بيعه فنكتسب ما نعيش به ونستعين به على قضاء حاجاتنا ، عارف يا ولدى
بنت ابنى الصغيرة سلمتها لسيدة لتخدمها فى بيتها واشترط عليها ان تحسن معاملتها ،
تعيشن عندهم يا ولدى طول الوقت ، طلبت منها ألا تظلمها ، على الأقل أكون قد
أودعتها فى مكان نظيف تجد فيه مكانا لنومها ولقمة تسد جوعها وترفع عنى حاجتها
فأتفرغ لاخوتها ، أبيهم " ولدى " سقط أثناء عمله فأصبح قعيد وأنا نظرى
بيروح يا نضرى وليس لنا أى مصدر دخل ولا عمل ولا أحد ينفق ، ولدى فى حاجة إلى عمليات
كثيرة وعلاج مستمر لا نقدر على ثمنه ، ابنائه ايضا منهم المريض ومنهم الرضيع حتى
أنى لا أستطيع إلحاقهم بأى من المدارس ، أتعلم لا مأوى لنا ، فاعل خير تفضل علينا
ومنحنا غرفا فى بيته نعيش فيها ونحرس له بيته ، أولاد الحلال يعرفون مكاننا ،
يرسلهم الله إلينا دوما يا ولدى ....
الطفلة الصغيرة لديها
مرض فى قدمها ، أحب هذه الطفلة ، أعشق ابتسامتها ، كأنها ملاك مترب الوجه ، تحتاج
فقط أن تبدل الثياب وتغتسل فتصبح اجمل أطفال الدنيا ، تنظر لى الصغيرة بعيون فرحة
دامعة وكأنها تعاتب كل العالم بهذه النظرة فتخالط دمعتها دموعى .
1 رأيك يهمنى:
ماأقبح الفقر وما أقسي الحياة ولا أمر من قلة الحيلة ولله الأمر
إرسال تعليق