أجرى من هنا لهناك ، أسابق الزمن ، أشياء تتكدس فوق رأسى
، أكوام من المسئوليات ، أعمال كثيرة مطالب بإنجازها فى وقت قصير ، إلتزامات كثيرة
واجبة الوفاء قريبا ، الصداع يفتك برأسى ، أغادر الفراش ، أنُهى الشياء المعتادة
التى تفعل كل صباح غير أنى لا أفطر ، أسرع إلى وجهتى ، سبقنى الكثير ، أصعد الى
موظف الأمن ، يشير الى غرفة لها باب زجاجى ، موظف أخر يسجل الأسماء بخط ردئ ، لم
أستطع قراءة اسمى عندما سجله وتوقعت أن ينادى على بإسم خاطئ ، عرفت منه فقط رقمى ،
كراسى متفرقة صفت أمام المبنى فى هيئة غير منتظم ، أقيمت من فوقها مظلة ، تناثر
عليها بعض الأشخاص ، أختار مفعدا فى المقدمة ، أقضى عليه وقت الانتظار ، أجرى
العديد من المكالمات ، وقراءة سريعة ، تمر ساعة أو يجاوزها ، ينادى موظف أخر اسمى
بشكل خاطئ كما توقعت ، يشير إلى أن احصل على رقم من موظف أخر، أنتظر مرة أخرى ،
صالة كبيرة يبردها التكييف ، الموسيقى تعج ، معزوفات روتينية مكررة ، الناس مجرد
أرقام ، صوت مذيعة رتيب ، ينادى أرقاما ويشير الى أرقام ، ولافتات ضوئية تعلن
الأرقام ، اسمك وصفتك وكنيتك لا تعنى شيئا ، مجرد رقم ، يوزع على المكاتب ، انذارجرس
يعلو باستمرار ، أصوات الناس تتداخل ، الكاميرات تلتقط صورا لكل شئ ، من بينها
قطعا صورتى وأنا أكتب الآن ، مقعد فارغ يفصل بين كل شخص وأخر ، اجراءات احترازية ،
يترك هذا المقعد خاليا حفاظا على المسافة الآمنة ، هكذا كتب فى الملصقات على تلك
المقاعد يحفها لوجو الجهة ، كالعادة ليس دوما يلتزم الناس بتلك القواعد ، يسعدهم
دوما تجاهل الاجراءات وتجاوز القوانين .
يحين دورى ، أتوجه الى حيث رقمى ، أحداهن سبقتنى وجلست
على المقعد ، أنتظر بتعجب ، فيخبرها الموظف أن تنتظر بعض الوقت ، تغادر فأجلس فى
دورى ، أعطيه الرقم ، أخبره بالمعاملة التى أريد اجرائها ، يطلب بعض المستندات ،
أقدمه له وأوقع على بعض الأوراق ، ثم يطلب منى الانتظار مجددا لبعض الوقت "
عشر دقائق او ربع ساعة " حتى ينتهى من التوقيعات اللازمة ثم ينادى على مجددا
ليسلمنى إخطارا بتنفيذ المعاملة .. هكذا قال ولم يفعل بعد ..
المكان يعج بالناس ، كل مشغول فى شأنه ، نساء ورجال ،
شباب وشيوخ ، النساء تسعد بصحبة أطفالها معها لتلك الأماكن ، أسبابها كثيرة أو هى
هكذا دوما ، ولا يسعنا سردها هنا وإلا لنفدت الكتب وجفت الأقلام وانتهت الأوراق
وصرخت الصحف دون أن نتنهى من سرد تلك الأسباب ، عندما ترغب المرأة فى فعل شئ تفعله
، سواء وافقت أو .... وافقت والأفضل أن تتركها تفعل لسلامتك وسلامة من حولك ، حفظ
النفس واجب دينى كما تعلم ، محجبات ومسدلات شعرهن على أعناقهن ، لبس متسع وألبسة
إلتصقت بالأجساد كأنها مادة طلاء ، هواتف كثيرة ترن مضطربة .
أضع حاجاتى على المقعد المجاور ، حافظة بلاستيكية تحوى
أوراقى ، هاتفى ، محفظة جلدية سوداء بها
بطاقات التعريف الخاصة بى ، عملات نقدية ، رخص القيادة ، كمامة لوقت الحاجة ، أصص
الأشجار تفصل بين المقاعد ومثلها تفعل الأعمدة ، ألوان الجدران هادئة ، ثبت على
جوانب منها شاشات للعرض ، أتجول فى وسائل التواصل ، واتساب ، فيس بوك ، تليجرام ،
انستغرام ...
أتابع رسائل العمل ، اقرأ بعض مما كُتب ، الكثير متداول
ومكرر يجعلنى أمل ، أشياء كثيرة منزعة القيمة تتداول ، هكذا الناس أو أكثرهم
تشغلهم توافه الأشياء ، الحماقات دوما سوقها رائج والطلب عليها متزايد ، فيديوها
تيك توك ، اعلانات شقق ووحدات سكنية وشاليهات ومنتجعات ومقابر أيضا ، عروض مصايف
واسترخاء ، عروض مساج وتدليك ، مدربات محترفات ، ملابس ومساحيق تجميل ، عطور
ومحفزات ومقويات جنسية ...
الوقت فى الانتظار دوما يمر ثقيلا ، اوشكت الساعة
الثانية أن تنتهى أيضا ، طفل صغير يلهو فى المساحات الفارغة ، تلفت انتباهه أصص
الشجيرات ، يقترب منها وينزع بعض الأوراق ثم يعود للخلف ثم يكر عليها ثانية وثالثة
حتى انتبهت له أمه ، مالك ... تعالى هنا ، أدركت أمه النبتة قبل أن تدرك حتفها ،
ينادى على الموظف باسمى هذه المرة ، أتوجه نحوه ، توقيعات أخرى مجددا ، يعطينى
نسختى ، اشكره وأغادر .
1 رأيك يهمنى:
أبدعت فى وصفك الروتين الحكومى اليومى بطريقه رائعه رائعه ....وكانك تصف احوال كل المواطنين الذين يقصدون مثل هذه الأماكن ....حقيقى وقت مستقطع ....سلم الله قلمك
إرسال تعليق