يحدث كل شئ عندما تتخلى عن قناعاتك ، ببطئ وتدريجيا ،
على مهل دون أن تشعر ، كشعاع ضوء خافت يتسرب من تحت عقب الباب ومن بين فتحاته ،
تجد نفسك فجأة انزلقت فى منحدر يسقط بك بسرعة البرق ، تفقد إيمانك وشغفك ، تخسر كل
تلك النقاط وتلك الفرص التى قضيت كل حياتك تحاول تحصيلها واكتسابها بالعمل أكثر
الوقت ما استطعت ، لون الحياة يتغير ، البهجة تختفى ، رغم تلك المتع اللحظية التى
ما لبثت أن زالت وخلفت من بعدها كل تلك الآثار محفورة وكأنها صقلتها على سطح أحجار
صلدة ، الصور العالقة والمواقف الحرجة والنظرات فى تلك الأعين ، السقوط المفاجئ
ليس كنزول سلم على درج خطوة بخطوة ، تحاول التمسك بما قد تبقى لديك من إيمان
والتشبث بسابق عهدك ، تحاول أن تتوقف ثم تعود تواصل تتمة البناء الذى بدأته ثم
تسقط مجددا مع أول اختبار ، الضعف تملكك ، سيطر عليك ، تسرب داخل فكرك ، ملامحك ،
أطرافك ، لم تعد ذلك القوى ، لم تعد قادرا على المواجهة ، حتى أقرب الناس لك ،
تتجنب تلاقى النظرات ، تفرمنها مبتعدا وتهرب إلى أقصى ما يمكنك ، تعلم أنه لا سبيل
إلى التخلص من كل ذلك ، تملأ وقتك بأى شئ وكل شئ ، تسافر ، تتنقل ، تقوم بتلك
الأعمال التى توقفت عن القيام بها لسنوات ثم تخلو بنفسك فتعود الذكريات مصطفة تعرض
أمامك كشريط سينمائى مجرد أن يخفت الضوء يعمل تلقائيا ، فتعيش الوقت وكأنه الآن ، غير
أنك لا سلطة لك على تغيير أحداثه ، لابد أن تأخذ الجرعة كما هى دون زيادة أو نقصان
، غير ما يبقى عالقا بك بعد انتهاء العرض ، تعيش فى بث مباشر مع ما تمنيت منه
الخلاص ، يمدحك الناس وهم يبتسمون يظنون بك خيرا وفى داخلك يأكلك الوجع ، تعلم أنك
عكس ما يظنون ، تسأل نفسك متى سيأتى الوقت الذى سترتاح فيه من كل هذا ، الخطوات
التى مشيتها الآن تشهد ضدك ، الكلمات التى قلتها الآن تستخدم ضدك ، الخير الذى
وددت صنعه فى لحظة أصبح سوءا أصبت به ضرر للأخرين ولنفسك ، تعقد المحاكمة ، فيُشهد
بخلاف ما حدث ولا تجد أمامك سبيلا سوى الاعتذار لكل أولئك الذين خذلتهم ، ثم تعتذر
لنفسك على أن أهملتها حتى نُزع عنها رداؤها فانكشفت سوأتها ، الحكم أن الكل برئ
سواك ، أصبحت فى عزلة ، بعيدا عن الكل أو بمعنى أكثر صوابا الكل هم من قرروا
الابتعاد عنك وتركك لإثمك ، فى ركن بعيد تجلس ، تحتسى مشروبك ، تكتب وتسطر وتدون
فما بقى لك من صديق سوى الكتابة التى كنت أهملتها وتخليت عنها ويوم ابتعد الكل
بقيت بجوارك تؤازرك ، تقص ما حدث قتصدقك ، تحكى لها لحظات ضعفك وانكسارك فتواسيك ،
تترك الحروف تنساب أمامك تجترع منها ما تشاء ، وتلقى بالألوان إلى يمينك تقول :
اصنع بهجتك .
نزار قباني : الغاضبون : يا تلاميذَ غزَّة
قبل 3 أيام
0 رأيك يهمنى:
إرسال تعليق