أراجع سريعا ما تم
الفترة الماضية وأرتب معهم عمل اليوم ، أنظم المستندات التى أحضرتها وأضع كل مستند
فى مكانه ، أصف الجداول وأحدد بيانا بالأوراق التى نحتاج إليها ، أجرى عدة مقابلات
وأقوم بالعديد من الزيارات ، أجيب على الاتصالات التى تغافلت عن الرد عليها أثناء
سفرى وكعادة أخر الأسبوع ينصرف الجميع باكرا وأظل بمفردى برفقة أوراقى وحاسوبى
وملفات العملاء والكتب التى تؤنسنى دوما .
تستمر الأيام فى
تواليها المعتاد مقسمة بين عمل وقراءة وتعلم و ترحال من هنا لهناك ، تقترب من أناس
وتبتعد عن أخرين ، تبرم تعاقدات وتلغى غيرها ، يلقى على كاهلنا العمل بمشاق كثيرة تشغلنا
عن الكثير والكثير ونلقى أصعب منها فى شرح ذلك للعملاء .
تنقضى الأوقات ويأتى
رمضان ويرحل متعجلا ، تبتلى أختى بالمرض وندخل فى دوامة من الأدوية ولا مفر من
إجراء عملية جراحية كأنها ورثتها من أبيها وأمها ونقارن بين المستشفيات ثم نختار
وكالعادة أقابلهم على باب المستشفى ، تبكى أختى ويغرق وجهها الدمع ، احتضنها
واطمئنها وأخبرها بأننا سنغادر من هنا سويا ولن يحدث لها مكروه ، أنهى الأوراق
والتوقيعات ونصعد إلى الغرفة المخصصة لها ، يجهزها الطاقم الطبى ، تقبض على يدى
وتبكى ، لا تتركنى ، أستئذنهم وأنزل معها وينتهى دورى عند غرفة العمليات فيطلب منى
الأطباء الصعود .
أقف عاجزا أمام مرض
ينهش فى جسد ضعيف ، الجمال يخبو ، حمرة وجهها تبدلت إلى صفرة شاحبة ، الضحكة
انطفأت ، غيبها الألم وأخفتها الدموع .
الوقت ثقيل كسهم غرس فى
صدرك وأصفاد مكبلة بها يداك ومحقن دس فى عنقك ونزيف يأبى أن يكف وقلب ينبض ألما ،
كخلايا خاملة وعقل كسل عن عمله ، كضحكة مفقودة وبسمة غائبة ، كليل شتاء أسود وأرض
كساها الوحل ، كعين حاقدة ترفض أن ترى نعمة عند غيرها ، كضعيف سجن ظلما وفقير يبكى
شدة ومحتاج غلبته حاجته !
المرض كالليل ، كبرد
يناير ، كظلام صحراء ، كضفدع ماء ، كعواء ذئب ، كقلب نازف ، كحلم مستحيل !
أوقات الانتظار شاقة
والدقيقة فيها تعادل ألاف الضربات على رأسك من مطرقة ضخمة ، أخرج إلى الشارع أقضى
الوقت أتجول فى المدينة القديمة ، أقتنى مجموعة من الكتب من كشك قديم حاصرته
الفواكه والخضروات والأدوات المنزلية ، أعود الى المستشفى وأنتظر مجددا ، أسأل
مرات ومرات حتى أعادوها إلى الغرفة ومازالت لم تعد إلى وعيها بعد .
اطمئن من الطبيب على
نجاح العملية وأعرف منه الخطوات التالية والوقت الذى ستقضيه فى المستشفى ثم ينادون
على أن أذهب إلى الادارة المالية لانهاء المتعلقات المالية .
استئذن من ادارة
المستشفى بالبقاء برفقة أختى تصحبنى أختى الكبرى فيأذنون لى ، أرتب سيارة تعيد
أهلى إلى قريتنا وأطلب من زميلى العودة إلى المدينة بسيارتى ويتركها عند مسكنى ،
أتابعهم حتى أطمئن على وصول الجميع ، أشترى لها ما تحتاجه وأفتح كتبى وأقرأ فيها .
أقضى الليل أحدثها
وأضاحكها حتى تنام ، جرعات متتالية من الحقن والأدوية كل عدة ساعات ، تدثرت أختى
الكبرى بغطاء وغاصت فى نوم عميق ، ظللت أقرأ بجوارهم حتى نامت أعينهم ، أذن الفجر
فتوضأت وصليت وأطفأت مصابيح الغرفة واستندت بظهرى على المقعد ، طرقت الباب الممرضة
وحقنتها مجددا ، الشمس علت والنهار ملأ ضوءه الفضى السماء ، عمال النظافة يبدأون
عملهم تشرف عليهم سيدة بدينة .
كخلية نحل تدور كل
واحدة منهن فى مكان ، تنجز العمل المطلوب منها ، تنظف وتبدل الملاءات والأغطية
والفرش وتفرغ سلال القاذورات .
يأتى الطبيب فيطلب منها
القيام بعدة حركات ثم يأذن لها فى الخروج على أن تعاوده مجددا بعد خمسة عشر يوما
بعيادته ، أجرى اتصالا وأطلب من أخى أن يحضر سيارة ويأتى ، نجمع أشياءنا وأحضر
الأدوية اللازمة ونعود إلى قريتنا .
فى الليل علمت أن جدتى
قد لاقت ربها ، وجدت الناس فى انتظار الجنازة بجوار البيت ، نزلنا من السيارة ،
حملنا أختى إلى الداخل وأرحناها على السرير وجلست بجوارها أمى وأخواتى ، توضأت
وذهبت الى صلاة الجمعة تلتها صلاة الجنازة ومراسمها والعزاء عصرا فى المساحة
الفضاء خلف بيتنا .
انتهيت من ترتيب بعض
الأشياء فى البيت وكنت قد طلبت منهم قبل اجراء العملية بإعداد فراش جديد لأختى
ولما عدت ولم يعجبنى ما تم فاستبدلته بغيره واستئذنت أبوى فى السفر ، مشيت إلى
الطريق ومن هناك ركبت توكتوك حتى البلدة المجاورة ومن هناك سيارة الى عاصمة
المحافظة ثم سرفيس داخلى ثم سيارة الى مدينتى حيث وصلت ليلا .
1 رأيك يهمنى:
كالعاده ربنا يبارك ويكتب لك السعادة ولأهلك ....وجع أسأل الله العظيم أن لا يريكم مكروه فى عزيز لديكم
إرسال تعليق