تهجرك الكتابة فى أشد أوقات احتياجك لها ، تمسك بالقلم
تحايله ، تحاول معه ، تلاطفه ، تبكى أمامه ، تشتكى له حالك ، تخبره مشاعرك كل شئ
نيابة عنك ، الهموم قد اعتلت الصدر وثقلت عليه واصبح لا يقوى على حملها ، ترغب أن
تفرغها على سطح ورقة ، أن تطمسها بالحبر حتى تتلاشى فى أمواج زرقته أو تغرق فى
عمقه أو تتعثر بين شعبه ومرجانه ، ان تبحر مع تلك السفينة أوقات وأوقات ، تغرق
أيامها فى لياليها وتتلاشى لياليها فى أيامها حتى تستقر بك على شط رحب ، جزيرة
خالية سوى من اشجار وحيوانات أليفة ، ألقى بجسدى على الأرض ، يغلبنى النوم ، حتى
تملأ الراحة أطرافى وتروى ضلوعى وتتخلل مسامى وتجرى رفقة الدم فى شرايينى .
رحلة أبتعد فيها عن كل شئ ، عن المطامع والأنانية ، عن
الحقد والجشع والنفوس الخبيثة ، عن العيون الكاذبة والوعود الزائفة ، أنام حتى
يغيب كل ما حدث ، أشتهى خلوة كخلوة أصحاب الكهف ، ثلاثمائة سنين وفوقهم تسعا ،
ربما أطمع فى المزيد حتى يتغير الزمان ويتبدل ساكنوه ، حتى يكتسى الوقت فرحا وتضاء
بالسعادة أيامه .
السماء صافية ، خالية من السحب ، المياه هادئة ، تقضى
يومها تداعب حبات الرمل وتتحرش بجذوع الأشجار ، الشمس تنزع ثيابها وتقفز فى الماء
حتى تغيب ثم تطل برأسها فينسدل شعرها على كتفها ثم تقفز ، تتراقص فى حركات دائرية
، تتجه نحو مجراها ، أغصان الأشجار تحتضن عشش الطيور ، تلمع الأوراق ، تحجب رسائل
الشمس من أن تقع على الأرض .
تندفع نسمات الهواء ، تحمل رذاذ الماء تغسل به أوراق
الشجر ، تتقافز الدلافين على سطح الماء ، تلهو وتلعب ، تلقى التحية ، تغازلنى
بعينها ، يقطر من عينيها العسل ، خجولة كأنها القمر .
المياه نقية تماما ، تظهر ما تحتها حتى القاع ، تجلس
بالقرب تشاهد مخلوقات لم ترى مثلها قط ، أسماك كبيرة وأسماك صغيرة تتوارى خلف
الشعب ، كائنات لا تعرف اسمها ، نباتات وطحالب ، أزهار وعروق أخشاب ، جذور ممتدة
مغطاة باللون الأخضر الغامق .
تجلس تتأمل تلك الطبيعة النقية التى إن لم تدنسها تدخلات
البشر لصارت جنانا تبهج الناظرين ، زرقة السماء وزرقة المياه وخضرة الأغصان وبهاء
الزهور ، تغريد الطيور وضجيج الحيوانات وخرير المياه ورائحة الياسمين .
العالم مرهق بفطرته ، تحتاج بين وقت وأخر إلى خلوة بعيدا
عن كل شئ ، أعمالك ومسئولياتك واهتماماتك ، خلوة من المحيطين بك قريبين كانوا أو
ضد ذلك ، الحياة لن تتوقف إن ابتعدت عنها قليلا لكنك ستعود كأنك ولدت من جديد ،
بروح طفل وقلب طاهر نقى شغوف ، خلوتك لتجديد شغفك فإن تكرار الأشياء يفقدها لذتها
ويضعف همتك فى إنجازها .
يا عزيزى اخلو بنفسك جدد شغفك .
أن يهجرك قلمك حتى تبحث عما يبحث فيه الروح مجددا ، تبحث
عن شئ يستفزه حتى يخرجه من صمته ، يتلوى ويتراقص أمامه ويكأنه أفعى أو أمرأة لعوب
تجيد فعل الغواية ، الترياق الذى يثير شهوته ويحفز انتصابه حتى يخرج ما فى جوفه
ويهد جدران صمته .
الأفعال تستفزه ، الكلمات تستفزه ، الخذلان يستفزه ،
المواقف تستفزه ، كل شئ هو ذاته ما يجعله صامتا يجعله أيضا صارخا بصوت جهورى
وكلمات رنانة تطرق فى الأذان وكأنها طنين نحل .
يا عزيزى ... اخلو بنفسك جدد شغفك !
1 رأيك يهمنى:
السماء صافيه المياه نقية والطبيعة مبهجة ....ما أعذب كلماتك ما أرقها وانداها كم هى مريحة للنفس ولكن العالم مرهق بفطرته.... أتقنت فأبدعت حقيقى ما شاء الله
إرسال تعليق