البيت بارد ، أشعر بالبرودة تتسلل إلى أطرافى وكأنها
تسرى فى عروقى ، الجدران باردة ، الصمت جعلها أشد بردا ، الصور على الجدران باردة
أيضا ، صمتت فترة طويلة حتى علاها الغبار ، حتى الغبار الذى يعلوها بارد ايضا .
المدفأة رغم أنها تشتاط غضبا إلا أنها باردة أيضا ، أضع
يدى على جدرانها فتكاد تتجمد ، الأبواب تصطك يعلو صوتها كأنها أسنان تصطدم فى
بعضها، النوافذ تهتز يكاد زجاجها أن يسقط ، السلم الخشبى ، السقف الخشبى ، الستائر
البالية ، عروق أخشاب سوداء مدعمة بأعواد البوص مثبتتة بعجين من طين وتبن ، كل شئ
اهتز فجأة ، تحرك من موضعه ، تراقص يمينا وشمالا ، صوت الرعد يعلو ويعلو ، الأمطار
تتساقط ، تنهمر بقسوة ، صوت المزاليج يفتح ، المياه تزاداد ، قطرات ، كرات ثلج ،
حبات ملح ، دفقات دفقات .
أرتجف فى موضعى ، حتى كوب الشاى الذى اجتهدت حتى أعددته
لا أستطيع أن أمد يدى لألتقطه ، كل أطرافى ترتعش ، ضلوعى كأنها تادخلت فى بعضها
وكلما علا صوت الرعد تجمدت فى مقعدى أكثر ، أخاف الظلمة ، وتساقط الأشجار ، البرق
تكاد من هوله أن تشتعل الحرائق ، المزرعة كانت آمنة جدا ، كنت أحب البقاء هنا
لأطول وقت ، أقضى جل وقتى فيها ، أرعى أشجارى وأسقى ورودى وأزهارى ، ألاعب جيادى
وأضع للماشية والابل والأغنام والماعز طعامهم وسقياهم ، كل شئ الآن غاضب ، حتى
كلابى تنبح بصوت خائف ، أظنها ترتجف مثلى الآن .
أنتظر حتى تهدأ الزوبعة ، أتمالك أعصابى ، تهدأ دقات
قلبى ، أتحرك بخطوات بطيئة نحو النوافذ والأبواب لأغلقها جيدا ، أرى الكلاب ترتعد
فى الخارج فأفتح لها الباب لتدخل وأطلب منها أن تسامحنى أن أبقيتها تعانى وحدها
هذه الأجواء فلم أكون أقوى على الحركة ، تنظر إلى معاتبة يكاد الدمع يسقط منها ،
أقربهم من المدفأة فيضجعون أمامها ويفردون رؤوسهم على الأرض وعيونهم غرقى فى الحزن
، ألقى على ظهورهم بعض خرق بالية فلا أملك غيرها .
عاد المطر يتدفق بلا انقطاع ، تلاقت عينى مع أعين الكلاب
، جميعنا ذاهل ، لا يعرف ما يحدث ، الخوف يسيطر علينا ، نسمع أزيزا وارتطام ،
اتمسك بجانبى مقعدى ، أخشى الانزلاق أو الوقوع ، لا أعلم كيف سأنزلق ولا أين سأقع
ولكنه الخوف يبسط رهبته فى الصدور فتزوغ العيون ويضطرب القلب وترتعش الأطراف ويصير
الصمت موتا ! .
هدأت الريح لكن الأمطار مازالت محافظة على هطولها ، تدلت
أغصان الأشجار حول سيقانها فكأنها أشبه بأذرع متراخية لأجساد ماتت واقفة ، المياه
تنهمر وكأنها شلال متدفق ينزل من جبل عال ، المياه تجمعت بركا فى المساحات الخالية
أمام البيت ، تسقط فيها الأضواء فتلمع ، وتبحر فيها النجوم فتلهو ويبدو القمر
حزينا ! .
الليل يتسلل رويدا رويدا ، أهو الليل أم هى ظلم السحب
المتكدسة فوق رأسى أم هو الخوف يجثو ويجثو ، البرد يشتد قسوة والأمطار تشتد غلظة
وكرات الثلج تشتد تماسكا وكأن السماء تقذفنا بكرات بيضاء .
الكلاب غلبها النوم فنامت ، أكاد أحسدها على حالها ،
أحاول أن ألحق بهم لكن النوم يعاندنى وأصوات الرعد ولهيب البرق يزعجنى ، تدور فى
رأسى الدوائروالأفكار ، كأنى أسير أتخبط فى طريق وعر ، أقع من هنا وتصطدم قدمى من
هنا وتغرس هنا ، أسير متكفئ ، أحبو ، تنزلق قدمى من قمة عالية ، يهزمنى النوم فتقع رأسى بجوارى .
1 رأيك يهمنى:
رائع يا استاذ محمد بجد رائع رائع رائع ....كلماتك كعادتها ساحرة حقيقى متالق ومتفوق ما شاء الله عليك ....كعادتك رسام للمشهد والموقف فعلا أبدعت
إرسال تعليق