الليل فى هذه المدينة صاخب ، صاخب كـ ضجيج سوق العاهرات
، مفعم بالمتعة ، تفوح منه رائحة العفن ، الظلم أفسد كل شئ ، حتى تلك الزروع
الخضراء أصبحت تخشى أن ترى النور ، تختبئ فى باطن الأرض تستظل بأى شئ وكل شئ خشية
أن يصيبها الفزع .
الليل هادئ يا أبى ، يغلفه الصمت كـ سكون المقابر وصراخ
الموتى وأنين المفقودين ، كـ ألم الأسرى وقهر الفقراء وبكاء اليتامى ونظرات الجوعى
.
الليل أفسد بهجته الحمقى ، تركوا المنافقين يعيثون فى
الأرجاء فسادا ، المنافقون غمروا الدنيا صياحا وعويلا ، كذبا وافتراء ، حتى أضحى
لون كل شئ أسود برائحة بيض فاسد ، اختلط كل شئ حتى ضل النبلاء طريقهم .. والتاريخ
لا يسطره من صنعه .
الليل يا أبى كـ صحراء موحشة ، ألقيت وسطها وحدى ،
السماء تكشف سوءتها ، عارية خالية من الأقنعة ، متعثر الخطى ، مشتت التفكير ، تائه
، حائر ، عابس الوجه ، متبلد المشاعر ، صخب أبواق السيارات يصم أذنى ، ضجيج السفن
، صفير قطارات وأنين المكلومين ، من اين أتى كل هذا فى هذه البقاع الخاوية ،
الخالية ، أكاد لا أرى أناملى ، الظلام هو السيد الآن ، يحكم قبضته ، ضائع أنا تحت
أكوام مكدسة من الرؤى ، من المشاهد المقتطعة من أفلام رخيصة ، كــ نص غير مكتمل ،
تاهت ملامحه ، لا تعرف له بداية ولا نهاية ، لا تعرف سبب مهده ولا حقيقة وجوده ،
الظلم قاسى والوطن دوما هو الفريسة ، والنتائج يتحملها الضعفاء .
الليل محطم ، تدهور بشكل بالغ ، لأول مرة أراه يبكى ، وكأنه
لا يعرف ماهيته ، الظلم حطم كبرياءه ، جعل منه هشا احمقا لا يملك من امر نفسه شئ ،
كـ دمية فى يد أحمق غبى متغطرس ، يظن أنه يمتلك كل شئ ، يعرف كل شئ ، يحكم فى كل
شئ ، رغم أنه لا شئ ، هى فقط مرآة حمقاء كاذبة تزين للبعوض أنهن فراشات .
1 رأيك يهمنى:
أسلوب حضرتك أكثر من رائع طريقة الكتابة والوصف جميل جدا جدا
إرسال تعليق