أجرى ، أسرع وأسرع ، أفر مبتعدا ، من شارع لشارع ، أقطع
الطرق ، المنطقة خالية تماما ، لا أرى سوى أدخنة تتصاعد من بعض البنايات ، أين كل
الذين كانوا هنا ، سيارات فوق بعضها تتصاعد منها ألسنة النار ، دماء متناثرة حول
الزجاج ، أجرى بعين زائغة ، تعلو دقات قلبى ، خائفة متوترة ، صرخات مضطربة
داخلى ، ألتفت ورائى كثيرا ، أتعثر فأقع وأتكفئ
وأقوم ألملم ثيابى ، يسقط حذائى فألتقطه بيدى ، أسمع أصوات من بعيدة أخاف ، أفزع ،
أتسلل إلى محطة قديمة ، أختبئ خلف الأعمدة ، جماعات من الكلاب تنبح ، تجرى وأجرى ،
من منا يطارد الأخر ، ألمح حجرات فى جانب ، أجرى نحوها ، أجرى بمحاذاة السور ، تفر
الكلاب الى الجهة الأخرى ، أحاول أن لا أحدث صوتا يكفى ما فعلته الكلاب ، تنغرس
بقدمى قطعة معدنية فأسقط ، تتناثر منها الدماء ، أنزع القطعة الحديدية من قدمى وأتلوى
وجعا ، أحاول التماسك وأمشى ، أتكئ ، أدلف إلى الحجرات ، مخازن أبوابها موصدة ،
لكنها أبواب قديمة ، أحاول دفعها ، الأول ، الثانى ، الثالث ، أستعين بقضيب حديدى
، أجعله بين الباب والجدار وأضغط فينفتح الباب ، تتلقفنى أفواج من الفئران تتقافز
فى وجهى ، أرجع إلى الوراء ، ألتصق بالجدار ، فرت كلها إلى الخارج ، دواليب ومكاتب
متآكلة ، تغذت عليها الفئران حتى ثمن بطنها ، بقايا أوراق مبعثرة على الأرض ، روائح
عطنة ، بشعة لا أتحملها ، المصابيح لا تعمل ، الغبار وخيوط العنكبوت ، قطع معدنية
متكدسة فوق بعضها ، صناديق مختلفة الأحجام ..
ألتقط أنفاسى ، أغلق الباب ثانية ، أجلس مستندا إلى
الجدار ، أفرد قدمى أمامى وأضع يدى عليها ، أحاول كتم الدماء وايقاف النزف ، أمسك
ببعض الأوراق ، أضعها فوق مكان الاصابة وأضغط عليها ، أقبض على أسنانى وأغمض عينى
من فرط الوجع ، أمسح العرق عن وجهى ، مرارته مخلوطة بالتراب فى فمى ، أسحب نفسى
إلى الداخل قليلا ، أستلقى ، أبتلع ألمى ..
أسترق السمع إلى الأصوات بالخارج ، نباح كلاب ، طلقات
نارية ، تعلو حينا وتهدأ حينا ، أضع يدى على صدرى ، أعانق نفسى ، أخشى أن تتسرب
روحى من بين مسام جسدى ، يمر الوقت طويلا ثقيلا ، الأفكار كلها هواجس وهلاوس ، أشم
رائحة الموت ، أسمع صوت حركة فانتبه ، فأر يقفز فوق من صندوق بالأعلى ، أدفعه بيدى
بعيدا عنى فيعلو صريره ويختفى داخل الصناديق .
أصارع هواجسى وخواطرى ، أمنى نفسى بالفرج ، هذه الغمة
ستمر حتما ، عمر الشقى بقى ، لن أقتل فى هذه المرة أيضا ، أختبرت الموت فى مرات
عديدة وفى كل مرة أظنها النهاية ثم أجد قارب النجاة ألقاه الله فى طريقى ، أسمع
أصوات تقترب ، تفور دقات قلبى ثانية ، دب الرعب فيها بعد أن خمدت ، أسحب نفسى إلى
الداخل ببطئ ، أحاول الاختباء خلف الصناديق المتكدسة ، تفر مجموعة أخرى من الفئران
، تتسلل تاركة مكانها لى ، الأصوات تقترب أكثر ، وقع أقدام تخطو قريبة ، يكاد يقتلنى الخوف ، أسمع كلمات ، يبدو أن هذا
الباب مفتوح ، أزيزطلقات نارية ، الباب يدفع ، يتسرب الضوء .......
1 رأيك يهمنى:
يا لروعة هذا الوصف مطارد وكأننا نجرى معه حتى قطعت أنفاسنا حتى مرارة ألمه نتجرعها .....رائع فوق الوصف ماشاء على الإحساس رهيب رهيب فعلا .....مبدع مبدع مبدع كالعاده
إرسال تعليق