الأحد، 29 ديسمبر 2024

التأشيرة " 8 "

 

هناك وجدنا أعدادا كثيرة يفترشون كل مكان تقريبا والكثير منهم يتفاوض مع أصحاب السيارات على أن يقلهم إلى مكة ، أجرى السائق عدة اتصالات ثم نزل من السيارة وذهب إلى بعض الشباب وتفاوض معهم ثم قاد بنا وانطلقنا خلف الشاب إلى منطقة جانبية وهناك اتفق مع هذا الشاب أن يقلنا إلى مكة واتفق معه على المقابل ، هاتف الشاب شخص أخر فقدم إلينا بسيارته فركبناها وانطلق بنا عبر بعض الطرق الرملية وحاول تجنب الأكمنة والنقط المرورية من خلال السرعة احيانا والتوغل إلى مناطق رملية أو الانحدار داخل مناطق شوارع ضيقة ومظلمة إلى أن وصل بنا إلى بيت فى منطقة كأنها قرية ، للبيت بوابة كبيرة ، انطلق بنا داخله وهناك أوقف السيارة وقال سننتظر هنا قليلا إلى أن تأتى السيارة الأخرى التى ستقلنا جميعا إلى مكه .

توضأنا وصلينا ما فاتنا من صلوات طوال اليوم وكان قد انضم إلينا أناسا أخرين ، فتح لنا البيت لشحن هواتفنا ، جلسنا بعض الوقت فى غرفة واسعة على وسادات أعدت للضيوف فى هيئة المجالس العربية المتعارف عليها ، الفجر اقترب ، قدمت سيارة أخرى محملة عن أخرها بالأشخاص ، صلينا الفجر جميعا وتوزعنا فى سيارتين كل سيارة ضمت ما يقرب من عشرة أشخاص بخلاف السائق ودليل الطريق .

مرة أخرى الى سيارات الدفع الرباعى لكن هذه المرة كأننا نقل فى عربة ترحيلات ، أجساد مكدسة فوق بعضها ، العربة أصبحت كعلبة سالمون ، انطلق بنا السائق فى طرق وعرة والظلام لا شئ يشقه سوى محاولات باهته من إضاءة السيارة ، كنا فى مؤخرة السيارة أربعة أشخاص إذا رغب أحدنا أن يمد قدمه فلابد من المقابل له أن يرفع قدمه كى يترك له متسعا وكنا نتبادل ذلك طول الطريق .

نتمسك بأطراف الأمل ، نسأل الله أن ييسر لنا سبل الوصول إلى بيته وأن يكرمنا بإدراك المناسك ، سيارات أخرى كثيرة انضمت إلينا ودخل السائقون فى سباق ، لا أعلم ان كان سباق سرعة أم أنهم يعلمون أن اقتراب السيارات الأخرى منا نذير شؤم ، ازدادت السرعة وازدادت سخونة الأجواء وعلت الأتربة ، السائق يقفز بالسيارة من فوق الصخور ونحن نرتطم بعضنا ببعض .

أمس عشت نفس الأحداث فكان عندى ما يشبه اللامبالاة بكل تلك الارتطامات والانحدارات ، الذى اختلف فقط هو التوقيت والسيارة والمكان والمرافقين ، كان ممن معى فى السيارة من عايش ذلك قبلا أيضا ومنهم من كانت هذه مرته الأولى فأعجبه الأمر وأخرج هاتفه ليلتقط بعض المشاهد لتلك السباقات وما يشبه المطاردات التى لم نكن نراها سوى فى الأفلام فى صراعات العصابات ، السيارات من حولنا ازدادات ويدورون ويجرون هنا وهناك وكل منهم يأخذ طريق ونتقابل مجددا ، علمنا بعض ذلك أنهم كانوا يحاولون الوصول الى أماكن الأنفاق لكن الشرطة كانت قد سبقتهم وأغلقت كل المنافذ .

أشار دليل الطريق إلى من يصور أن أغلق هاتفك بسرعة لأنه يعلم أن الشرطة تتبع ذلك وان أخطأ أحد وشارك على صفحته أى شئ من ذلك فسيقبض على الجميع فى الحال فضلا عن كشف السائق ودليله ومن يعملون معهم ولصالحهم ، أغلقت الهواتف ، شدت الأعصاب ، بدأ الذين معى يشعرون بالقلق ، قال الذى عايش مثل ذلك قبلا ، كل الذى رأيتموه لا يساوى شيئا أبدا لو أدركتنا سيارة شرطة ، إن حدث ذلك حينها ستعايشون فعلا المطاردات التى أسأل الله أن ينجينا منها .

كان يغلبنى النعاس وعندما أستيقظ أجد رفاقى ينظرون إلى بتعجب فأجيبهم أن هذه الليلة الثالثة التى أواصل فيها الليل بالنهار مستيقظا دون أن أحصل حتى على دقائق من الراحة فضلا عن النوم ، لازال السائق يبحث ويجرى بأقصى ما يستطيع ويبدو أن أصبحنا على مشارف مكه ، نسير الأن فى طريق موازى للطريق الرئيسى ويبحث السائق عن منفذ يدخل من خلاله إلى الطريق الرئيسى ويحاول أن يتابع من خلال الهاتف تحركات الشرطة .

أخيرا وجد منفذا زلف منه إلى الطريق الرئيسى وعلت الفرحة وجوهنا لكنها لم تدم طويلا ، وجدنا عربات الشرطة تلاحقنا من كل جانب وكأن  الأرض انفجرت وأخرجتها من كل صوب وهنا تبدل السائق تماما وتحققت نبوءة مرافقى ، أصبحنا الأن فى مطاردة فعلية ، تدور حولنا السيارات من كل جانب وتحاول الاقتراب وتصدمنا من جانبى السيارة والسائق يحاول التماسك والافلات منهم ، يقفز بالسيارة من فوق أى مرتفع يكاد يصطدم بالسيارات الأخرى وكل يجرى من جهة ، لازالت الشرطة تطاردنا وكلنا مستسلمين تماما ومسلمين أمرنا لله ، ربما هذه تكون دقائقنا أو لحظاتنا الأخيرة فى هذه الحياة ، لا نعلم ان متنا الأن او أصبنا سيكتب لنا أجر الحج ، أم إن قبض علينا  فسنكون من الخارجين على القانون ويلقى بنا فى غياهب السجون ، علا صوت السيارة أكثر والأن فى مواجهة الشرطة ليس بننا حائل ولا مسافة ويضغط السائق على مقود السيارة ودواسة البنزين فى اتجاه عربة الشرطة والشرطة تفعل المثل ثم ينحدر السائق يمينا فجأة قافزا بنا من فوق طريق مرتفع إلى منخفض بعيد ، تقلبنا كلنا على أثر ذلك رأسا على عقب ، فوقعت نظارتى بعيد واصطدمت رأسى بجانب السيارة وهكذا حال كل من معى ، رأس مكان قدم وأجساد مكدسة واصابات خفيفة .

0 رأيك يهمنى: