الجمعة، 22 يناير 2021

لم نعد صغارا " 19 "

 

أسرع إلى مسكنى ، أتدثر فى فراشى ، فرائسى ترتعد وقشعريرة تسرى فى أطرافى ، أغيب فى نوم عميق ، أجرى فى السهل الممتد ، أفر من وحش يطاردنى ، أهرب من ظلام ذراعه تناطح السحب ، طريق طويل لا ينتهى وخوف ينشر جنوده .

أغادر الفراش متكاسلا ، أتوضئ وأصلى ، أغسل الإناء وأضع المياه فى السخان ، أُعِد مشروب الصباح ، أفتح باب البلكونة ، أبُعد الستائر ، تطل الشمس ، تتأرجح الستائر يداعبها الهواء ، تلاطف الشمس وجهى ويلامس الصقيع قدمى ، أزيل التراب الذى اعتلى الكرسى والمنضدة بقطعة قماش بالية ، أخرج حاسوبى من حقيبته ، وأوصله بالكهرباء ، اصف قلمى واراقى أمامى ، أحضر أجندتى من مكتبتى ، أطالع الفقرة التى انتهيت إليها فى الكتابة .

تشغلنى اخبار العمل ومستجداته فأغيب معها قليلا ثم يأخذنى الحنين مجددا إلى الكتابة فأحول بصرى عن مواقع التواصل وأمنح قلمى وقته ليمارس شغفه .

يغرق كل شئ فجأة ، الطموح ، الأمل ، الأمنيات ، كل شئ يسقط منك رغما عنك ، حاولت وجاهدت ولكن لحظات الضعف فاقت قوتك وإرادتك ، يا أبى  يعبثون بكل شئ ، أحلام البسطاء وابتسامة الطيبين ، الجشع سيد الموقف والضباع حاصرت الغابة ....

يا أبى علمتنى أن أكون طيبا ، أزرع الأرض ، أنشر الخير ، أعطى السائل ، أعلم كل ساع وأعين المحتاج وما علمتنى كيف ألقى هؤلاء ؟ .... صنائع المعروف تفعل يا ولدى ... صنائع المعروف تكفى ..... الخير حصنك والعلم سبيلك والتقوى زادك يا ولدى .

أهجر كل ذلك وأبحث عن راحة أخرى ، أقطع مسافة طويلة ، مئات الكيلومترات ، بين الجبال والرمال ، بحر يقترب حينا وتخفيه الجبال أحيانا ، خمسمائة متر فوق سطح البحر ، الهواء يلفحنى ، الجبال ترتدى ثيابا بألوان زاهية وألوان واهية وألوان بالية وألوان فرحة وألوان باكية .

الطريق يطول ، الطريق يطوى ، الصحراء تتسع ، الصحراء تضيق ، القلب يخاف ، القلب يرقص ، النفس تطرب ، النفس ترتعد ، الأزرق مريح ، الأزرق مخيف ، الأزرق خائف .

الطريق غريب ، يتلوى كأفعى ، يرتفع حتى تظنه لامس السماء ، ويهبط حتى تراه غارقا فى زرقة البحر ، ومع منتهى كل نظر تعانق الرمال السحب كعاشقين اجتمعا على الحب فذابا فيه ...

" اللهم يا ذا الطول ، بك أحاول وبك أطاول ، أن أخرج من هذا التيه ، من هذا اليأس ، أن أجد باب الخروج ، سبيل الرشاد " – الدعاء مقتبس من كتاب القرأن نسخة شخصية .