الخميس، 4 نوفمبر 2021

صد رد

 

الوقت عصرا لكن الشمس مازالت محتفظة بقوتها ، تصدم الوجوه وتحط على الرؤوس ، الموقف مكتظ بالمسافرين لكنه خلا من السيارات ، الناس تروح وتجيئ ، تجرى على كل عربة تقترب ، يغلق السائقون أبواب السيارات ويشيرون بأيديهم أنهم لن يحملوا ، أو أن وجهتهم مختلفة ، يمر رجل بجانبى يتحدث فى الهاتف مع أحدهم يبدو أنه امرأة ، يخبرها أنه سيتأخر وأن الموقف شديد الزحام وأنه اشترى لها "فايش "، تترجل من التاكسى مع أطفالها ، منه لله أبوكم ، لو كان جه خدنا مكناش ارتمينا فى الزحمة دى ، يزجرها طفلها فتقول هو السبب وتخرج هاتفها تحدثه تصف له الموقف وتدعو أن يسامحه الله ، مجموعة من الفتيات جرين نحو سيارة وزلفن جميعا إلى داخلها ، مجموعة أخرى يجبن الموقف يشغلن وقت الانتظار بأحاديث البنات التى تتجدد باستمرار كأنها طاقة لا تنضب .

يمر الوقت ويتزايد الزحام ، أفكر أن استقل سيارة لمدينة اخرى ومن هناك أستقل سيارة غلى وجهتى ، بعض الوقت فى التفكير وعندما قررت كانت عدة سيارات قد رحلت والسيارة التى نويت الركوب فيها امتلأت بالركاب ، عدت للخلف أبحث عن سيارة أخرى ثم إلتفت فوجدت سائق السيارة الأولى يشير إلى ان اركب معنا ، مراهقان فى المقعد الأمامى بجوار السائق يقولان لى " حظك تركب معنا " أحمد الله وأصمت .

السيارة محاطة من كل جانب ، يطلب السائق من زملائه أن يفسحون له مكانا للخروج ، يقضى بعض الوقت فى محاولات الرجوع للخلف حتى يتمكن من الاعتدال وتصويب مسار السيارة ، يشق الناس ويمر بينهم حتى يغادر الموقف وفى الخارج الأمر أشد من الداخل فكأن المدينة فى نفير عام ، يقحم السائق رأس السيارة وسط السيارات ، يزاحمهم ويزاحمونه ، يندس بين السيارات ويتفادى الاصطدام ، يقطع الطريق الصحراوى ، نوبات متتابعة من التكدس ، ينحرف يسارا يتخطى بوابة الرسوم ثم ينعطف يمينا فى طريق أقل ازدحاما .

على يمينه تنام البيوت والغيطان ، وعلى يساره صحراء مترامية تقطعها بعض البنايات ، بيوت معدودات تسكن وسط جنة خضراء ، الفلاحون مغروسون فى الطين ، تجرى المياه تحت أقدامهم ، يعملون فى الأرض معاولهم ، رائحة سباخ الأرض نفاذة وحقول الكرنب منتشرة هنا وأكوام التبن فى حافة الأرض وعشش على رؤوس الحقول .

ينحدر يمينا ثم يسلك طريقا ضيقا تحيط البنايات جانبيه ، يجرى العديد من الاتصالات ، أصالة تتألم كعادتها فدعا لها مطربى المهرجانات كى يخففوا من وطأة ما تعانيه من خيانة ...

المبانى أصبحت أشد فخامة وأكثر ارتفاعا والحقول غابت تماما وضجيج السيارات علا ، شارع ضيق لا يسع سيارتين متقابلتين ، تنحى السائق جانبا حتى مرت السيارة الأخرى ، ترجلت أحداهن من السيارة ، انخلع الباب فنزل السائق لاعادته .

واصل السائق سيره ثم غادرنا بعض الركاب ، أخبرنى السائق أن أبقى معه سيذهب الى المدينة التى أريدها فبقيت معه برفقة أخرين ، انضم إلينا ركاب جدد ، الطريق هذه المرة أفضل من سابقه تحاذيه سكة القطار ، يترجل المراهقان عند رأس قرية ، حل محلهما فتاتان لم يفارق هاتفهما أذنهما إلا لأعينهما ، ذراع إحداهن يصطدم بذراع السائق يبتسم ويشعل سيجارة وعندما يغادرن تنسى إحداهن اوراقها فينادى عليهما السائق فتجيبه التى كانت بجواره والأخرى مشغولة بهاتفها فيعطيه الورق ويخبرها أن تسلم على صاحبتها التى شكرته بإبتسامة .

يحل محل الفتاتين صديق للسائق هاتفه فى الطريق وطلب منه أن ينتظره فى هذا المكان ، مسافة قصيرة انزل من السيارة وأشكر السائق ، أجرى اتصالا لأعرف كيف أصل ألى وجهتى ، أسلم على بعض من وجدته هناك ويعلو أذان المغرب فاستئذن للصلاة .

أعود أجلس بعض الوقت وأؤدى المطلوب منى ثم استئذن فى الانصراف ، أمشى حتى نهاية الشارع ثم انعطف يمينا واتخطى الطريق ، اسأل عن السيارات التى تقل إلى الموقف يخبرنى أحدهم أنه لابد من المشى لمسافة طويلة فى الخلف هناك ، أمشى وأسأل السيارات المارة ، اركب سيارة بالخطأ فانزل منها وأواصل السير ، سيارات مصطفة فى جانب مظلم من الطريق ألمح في احداهن بعض الرؤوس خباها الظلام ، اسأل السائق فيخبرنى وجهته ، انضم الى الرؤوس الغائبة فى الظلمة ، ننتظر قليلا حتى تشغل كل المقاعد ثم ينطلق السائق ، أنزل عند الموقف ومن هناك أستقل سيارة اخرى تعود بى الى حيث أسكن ، أجلس فى المعد قبل الأخير بجوار النافذة ، يشغل المقعد الأخير ثلاثة شباب يعملون فى مصنع فى مقدمة المدينة علمت ذلك عندما نزلوا ، يجلس أمامى ثلاث بنات يتقدمهم رجل وأسرته وبجوار السائق شاب استقل المقعدين ، حل بجانبى رجل خمسينى وبجانبه جلست فتاة ووضعت بينهما شنطة بلاستيكية تحمل فيها حاجتها .

يلقى الرجل بجانبى كلمات فأصمت فيلتفت إلى الوراء يحدث الشباب ويمزح معهم ويمد خيوطا للحديث مع الفتاة بجانبه ، يلقى الرجل والشباب كلمات وتعليقات على كلمات السائق وتصرفاته ، أركن رأسى على الزجاج وأرقب الطريق حتى يغلبنى النعاس ...