الاثنين، 3 أغسطس 2015

يوم مولدى

رمضان فى هذا العام يوافق أغسطس ، تخطاه فقط بثلاثة أيام ، الشمس على أشدها والناس لا يجدون منها ملاذا ولا مهربا ، الفلاحون منغمسون فى نزع الحشائش الضارة من بين أعواد الأرز التى انتصف عمرها وأوشكت على النضوج ، سيقان الذرة تقف شامخة تتراقص أطرافها وبدأت التيجان تزين أوعية الثمار تخبر بأنها باتت على أبواب مهد جديد ، تتراقص أعواد الملوخيا اللينة بجوار تلك السيقان التى بدت لها شاهقة تلامس بعنقها السماء وفى مسافات تركت بين تلك السيقان لتسهيل السير وجريان الماء جلس شاب فى منتصف عقده الثالث يستظل بها من لفح الشمس وقسوتها ويتناول شيئا من الراحة تعينه على الصوم والعمل .
فى صحن البيت جلست سيدة فى عقدها السادس بالقرب من بناتها اللاتى شغلن بطهى وتجهيز الإفطار ، وطفلتين صغيرتين تلعبان بالجوار .
بيت يطل على ترعة صغيرة ، بينهما بساط من الفراغ ترك كحرم للمجرى المائى الصغير ، تحيطه أشجار النخيل وشجرة مانجو ومجموعة متلاصقة من أشجار التين الشوكى ، حظيرة صغيرة حوائطها من الخشب والطين ، تظللها سيقان العنب ، أمامها سيدة شغلت بملأ الأوعية بالماء وبناتها شغلن بعملهن بالقرب منها .
قطع شغلهم صرخة امرأة انتفض الجميع منها فأفزعتهم ....يبدو أن زوجة الإبن البكرى ستضع مولودها الثالث اليوم ....اليوم وهى صائمة وقبل حلول أوان الافطار ..
أرسلت السيدة ابنتها الى بيت الداية " السيدة عزيزة " رحمها الله ، لا تعودى قبل أن تحضر معك وساقوم بتسخين المياه لحين عودتك ، وأرسلت الابنة الأخرى الى بيت والد الزوجة ، أخبريهم أن ابنتهم تلد الآن ، وأرسلت الى الجد ليحضر من الحقل برفقة ابنه فربما نحتاج مساعدة ..يارب يقومك بالسلامة يا بنتى ...
تبدل مظهر اليوم وتغيرت أحوال الجميع وكل منهم سلك جهة معينة لأداء مهمة معينة صغيرة ربما ، كبيرة ربما ، لكن لكل منهم دوره وآثره ...
العرق يصطف مزاحما حباته على وجه الأم التى لم تتخطى منتصف عقدها الثالث وبالقرب منها جلست ابنتها الكبرى التى سنواتها الأربع بثلاثة أشهر فقط ، تمسح عن أمها العرق ، الزوج عاد من الحقل مهرولا فور سماعه الخبر تعلو عينه اللهفه ويغمر قلبه الشوق وكلمات الرجاء وأدعية الأمل غلبت نظراته الى السماء ..." رب هب لى من لدنك وليا " ...
إمتلأ بهو المنزل بالخطوات جيئة وذهابا ، الجميع كخلية نحل لا يكل أفرادها عن العمل ، الكل ينتظر أن تطمئنهم " الست عزيزة " ، الجميع ينتظر قدوم المولود الجديد ، لم يولد حفيدا ذكرا لهذه الأسرة بعد ويأمل الجد والجدة أن يكون مولودهما اليوم ذكرا يمتعون أعينهم بالنظر إليه فى حياتهم ، دعوات قبل الافطار تخترق أبواب السماء ..
صرخت الأم صرخة صمتت بعدها وصمت جميع من حضر وكأنهم نزلت عليهم سكينة زاغت بأبصارهم وأبكمت ألسنتهم ، صمت الجميع مانحين الفرصة لصراخ طفل صغير ان يعلو ليعلن عن قدومه الى الكون ومهد لحياة جديدة ....زغرودة خرجت عالية من فم الداية تلتها زغاريد كثيرة من عمات المولود وخالاته ...غالى الصغير خطى الى الدنيا ..
أسرع الأب فحمل المولود وعيناه كستها الدموع المغلفة بالبهجة والفرح ..الله أكبر الله أكبر ...لا إله إلا الله ..أنهى الأذان فى أذن المولود وقدمه الى جده وجدته ، حمدا الله على ما وهب ، اسمه محمدا وسيكون عند الجميع غاليا ..
كان ذلك قبل ثلاثون عاما زادت عليها سنوات ثلاث ...واليوم مبتدى رحلة جديدة ....

السبت، 6 يونيو 2015

صيف 1997

يقلب عينيه فى السقف الخرسانى ، يتذكر تلك الأحداث التى جرت والمواقف التى مر بها ، ربما لم تخطر فى باله يوما ولم يجول بخاطره أن يمر بمثل ما مر به رغم اعتياده تجرع المشاق .
يطرق كل الأبواب باحثا عن عمل يعينه على قضاء اجازته الصيفيه ويقتات منه رزق يومه ويعد لعامه الجامعى القادم ، يحتاج أن يشترى ملابس جديدة وأن يكون معه ما يكفى لسداد الرسوم وشراء الكتب الجامعيه وما قد يلزمه من مصروفات للتنقل والسفر فى رحلته اليومية الى الجامعه من قريته المختبئة وسط الزروع .
هناك فرصة عمل فى معارض الشريف بالمدينة القريبة ، وقت العمل يمتد من التاسعة صباحا وحتى الثانية عشر ليلا ، الراتب الشهرى مائة وعشرون جنيها ......بعملية حسابية بسيطة وجد ان ما قد ينفقه من مصروفات ربما يقضى على المبلغ ويحتاج الى بعض السلف لاستكمال الشهر .
تعالى نعمل سويا ، اكسسوارات نشتريها من بعض المحلات ونقوم ببيعها ، كل ما عليك هو التجول فى هذه المنطقة أما الثبات اسفل كوبرى الأميرية واعرض على الشباب بضاعتك ، تلك الاكسسورات تعجبهم ، لكنى غير مقتنع بها ولا ارى لها فائدة ، ليس المهم أن تعجبك ولكن المهم ان تبيعها ، ساعات طويلة وحصيلة البيع بضع جنيهات ، كم ستبلغ حصتى ..لا شئ ...ربما سأتحمل تكلفة العودة الى قريتى مما اكتنزته مسبقا .
هناك فرصة عمل فى شركة مقاولات ، قابلنى صباح السبت هناك ، الحمد لله على رزقه وفضله
تعمل مع هؤلاء الشباب ، تنفذون كل ما يطلب منكم ، وقت العمل من الثامنة حتى الرابعة وما يزيد عن ذلك يحسب لكم سهرات ، أجر اليوم ثمانية جنيهات والاضافى تحسب الساعة فيه بجنيه وخمس وعشرون قرشا ، الاجر هنا يتم تقاضيه عن المدة كل خمسة عشر يوما ، أحد مقاولى العمال مسئول عن اعطائك راتبك ، تستطيع زيارة اسرتك فى نهاية الاسبوع ان شئت ، استقل الحافلة المغادرة فى الرابعة والنصف من بعد ظهر الخميس وعد ثانية فى الحافلة القادمة فى الخامسة فجر السبت ،  المبانى أمامك متسعة وكلها خالية جهز لنفسك مكانا ونم فيه ، السوق قريب من هنا على مسافة عشر دقائق او يزيد قليلا ، من هناك اقتنى احتياجاتك ، هناك كافتريا بالقرب ،  تستطيع شرب الشاى ومشاهدة المباريات مساء ان شئت ليست غالية الثمن .
اليوم هناك صبة خرسانية فى العمارة المواجهة ولابد ان تعمل مع عمال الخلاطة ، قرب شكائر الأسمنت إليهم وناولهم أوعية المياه اللازمة لتشغيل الخلاطة ، اعمل بجد حتى لا تعطل العمل ..
قم من النوم مبكرا واصعد الى السقف الأخير ووصل اللى " خرطوم المياه " بالصنبور الرئيسى وأغرق ما تم صبه بالماء ولا تنسى ان تسقى المبانى كاملة ، لا اريد أن أرى قطعة لم تغرقها المياه ، عملك قبل مواعيد العمل يحتسب لك سهرات اضافية .  
يلتفت يمينا ويسارا لا شئ حوله سوى حوائط مشيدة من الطوب الأحمر وفراغ ترك لنافذة وحقيبة جلدية تضم ملابسه ، جمع قطعا من بقايا الأخشاب المستخدمة فى اقامة الأعمدة الخرسانية ونزع منها ما بها من مسامير وصف تحتها قوائم من الطوب فى أطرافها الأربعة  لكى تبدو على هيئة سرير مجهز للنوم ، غطى الأخشاب بعبوات الأسمنت الفارغة وجعل من حقيبة ملابسه وسادة يريح رأسه عليها .
أوشك الأسبوع على الانتهاء واقترب موعد رؤية الأهل بشوق من لم يعتد على فراق بيته يوما ، يعمل بفرح ويسرع لتنفيذ ما يطلب منه وفجأة ألم شديد ودماء تنهمر من قدميه ، قطعة من الخشب بها مسماران اخترقت باطن قدمه ، يجلس مكانه ، يقبض على فكه من شدة الألم ، يسرع اليه زميله فى العمل ينزع الخشبة فيخرج معها المسماران يصحبهما صرخته ، تشعل نيران فى قطعة خشبية ثم تكوى بها ساقه ويجذ على أنيابه من قسوة الوجع .
كهنة قماشية قديمة تقطع وتربط بها ساقه ، يرتاح قليلا ثم يعود ليكمل يومه  وعمله المطلوب منه .
اعتاد العمل بتوالى الأيام وتبدل لون جلده فاكتسى بلون الليل ، انقضت المدة الأولى وتأخر الراتب ، ذهب الى المقاول ليسأله عن راتبه فأمهله وتوالت الاعذار ، ان اردت مرتبك الأن فلن تأخذ سوى مائة وعشرون جنيها ...لكنى  لى أكثر ، لى أربعة ايام بخلاف الاضافى ، هذا ما عندى أو تستطيع الانتظار ليحين دورك فى المرتب ، ومتى يحين دورى ؟ عندما تصرف لنا الشركة المستخلصات المتأخرة ، ولتعلم أنى أقدم لك ذلك العرض وحدك لأنك رجل جامعى ومختلف عن زملائك ...حسنا أعطنى ما عندك ....سامحك الله .
تعالى معى الى سوق المدينة الرئيسى ، هناك يجلس الكثير من العمال ومن يحتاج الى عامل من قاطنى المدينة يذهب الى هناك وتتقاضى اجرا جيدا ، فى الصباح قطع مسافة تقارب الخمسة كيلو من المترات سيرا على الأقدام الى السوق الرئيسى وهناك جلس مع الجالسين ينتظر حتى اقترب النهار من الانتهاء دون جدوى فعادا مجددا وفى طريق العودة مرا بمنفذ بيع مصنع للبسكويت اشتريا منه ...
فى المساء صاحبه يخبره أن هناك شركة مقاولات أخرى والمقاول هناك يعطى العمال أجورهم كل اسبوع قبل عودتهم الى ديارهم والأجر اليومى اثنى عشر جنيها ، العمل هنا بين بين قد يكون شاقا فى يوم وقد يكون مريحا فى الأخر ومهمتنا هى إنهاء كافة الترميمات المطلوبة وتنظيف المبانى جيدا وتجهيزها للتسليم ...وفى ختام اسبوع العمل تقاضى راتبه دون نقصان وانصرف عائدا الى دياره بعد أن اغتسل جيدا وبدل ثيابه وحمل حقيبته التى أعدها فى المساء المنقضى ، السيارة تطرق اعتاب القرية واحداهن تقف أمام بيتها تلوح لها بكلتا يديها ويكسو وجهها ابتسامة .

الخميس، 4 يونيو 2015

طفولة

صبى صغير يحمل على كتفه شكائر الرمال فيصعد بها الى الطابق السادس حيث الشقة المطلوب ترميمها ، مرات متواليات ، رمال وأسمنت وطوب ، ينسال العرق على جبهته فيغطى عينيه ، يشعر بالتعب ، ينظر الى الوقت الذى انقضى فيراه وكأنه لا يمر ، النهار فى أوله ، الله المعين ، بعض الراحة قد تفيد ، رشفات من الشاى ، عليك التوكل يا كريم .
يواصل العمل ، ينقى الرمال جيدا من السن والزلط المختلط بها عن طريق الهزاز ، يضع الأسمنت على الرمال ويخلطهما ببعضها جيدا حتى تختلط ألوانهما فلا تستطيع التفرقة بينها ، يعدها فى شكل دائرى ويجعل فيها فراغا فى المنتصف يصب فى داخله الماء شيئا فشيئا ثم يلقى بأطراف الرمال والاسمنت المختلطة على المياه حتى يختلط الجميع ويمتزج بالماء جيدا ويعيد الخلط مرات ومرات حتى تصبح جاهزة للاستخدام .
يضع " المونة " ناتج مزج الاسمنت والرمال بالماء فى القصعة " الاداة المستخدمة فى نقل المونة " ويحملها الى البناء الذى يبدأ فى صف اللبنات متجاورات بعد أن أنهى تهيئة المكان وتنظيفه من الأتربة وصب عليه القليل من الماء حتى يسهل تقبله للمونة .
ينقل اللبنات ويضعها بالقرب من البناء وينزل الى الطابق الأرضى ليحمل الأسمنت والرمال ثانية ويصعد بالمتبقى منها مرات ومرات ، تسعون درجة سلم أو يزيد قليلا كان عليه تخطيها صعودا وهبوطا مرات ومرات حتى ينتهى من عمله .
يصعد الدرجات وتعلو الشمس فتنهمر قطرات العرق تغسل كده وتعبه وابتسامة مرهقة سكنت على ثغره ، ونبضات تسأل الله المعونة .
تعد المونة بالطلب فكلما أوشكت على الانتهاء جهز غيرها حتى انقضى العمل والآن أصبح عليه تنظيف مكان العمل جيدا وحمل بقايا الرمال وكسر الطوب وشكائر الأسمنت الفارغة الى الأسفل مجددا ، والأخير تنظيف الأدوات المستخدمة فى العمل وتجفيفها جيدا حتى لا يصيبها الصدأ .
ينظف بدنه بمهل فتتساقط بقايا الرمال والأسمنت وحنة الطوب الحمراء من تحت شلالات الماء وتسقط معها جزء من الوجع الذى صاحب يومه ، تتساقط حبات المياه من فوق رأسه وبدنه محملة بمزيج من الألوان التى خضبت بدنه ، يغمض عينيه ويفرغ كل ما لحق به ، يبتسم شاكرا لانتهاء اليوم  ، يبدل ثيابه ويخرج وكأنه ولد من جديد  .
رقبته تؤلمه وقد تركت فيها الأثقال بصمتها وكتفه مازال يشعره أنه مثقل بلبنات كثر ويده وكأنها مخدرة لا يقوى على تحريكها كثيرا .
الأسمنت بدل هيئة يده فأصبح جلدها يبدو شاحبا وأصبح ملمسها خشنا كغزل الصوف يخشى ان صافح أحدهم أن يجرح يده .
يتناول لقيمات بسيطة يتبعها كوب من الشاى ، قام إلى كتبه  فتصفحها وتأكد من عدم وجود واجبات لم ينتهى منها وأعد حقيبته بجدول اليوم القادم فى المدرسة ولم ينسى أن يضع ما حصل عليه من أجرة عن يوم عمله فى حقيبته ليدفعه الى المدرس نظير الدرس الذى حل موعد سداده .
جلس على اريكته مضجعا يشاهد التلفاز فغلبه النوم فاستسلم له .



الأربعاء، 13 مايو 2015

لماذا أكتب

إنما أكتب لأهدى للناس حياة ، أكتب لتقرأ نبضات قلبك ، أنقل مشاعرك التى تخشى البوح بها ليحمل معك غيرك المشقة وليساعدك محبوك فى تجاوزها ، لا لأفشى سرك فلست أعلمه قطعا وإنما أحاول قراءة ما تخفيه عيناك وما تكتنزه مشاعرك وما تفور به خواطرك ، أكتب لجعل المجتمع كله جسدا واحدا مترابطا متكافلا لا يخشى البوح بالنوائب والألام ، لا يخشى اعلان فرحه وسروره ، لا يخشى اعلان حبه وعشقه ، لا يخشى معاقبة على أفكار جالت بخاطره ، لا يخشى معاقبة على جرم لم يقترفه .
أكتب لأن الكتابة حياة ، روح وجسد ، يتداخلان فيتكاملان فيهبان حياة لكل من ذبلت فى داخله الحياة .
أكتب لترى قلبك فى مرآة مصنوعة من حروف غلفتها شرايين روحك فتعيش فيها وتحيا بها وترى ذاتك واضحة جلية امامك لا تقوى على انكارها ، أدفعك لمواجهة حقيقتك وبالطبع أفعل بالمثل مع نفسى وربما يزداد الأمر معى فأجلد ذاتى حتى اقوم مسارها وطريقها وأعيدها إلى وجهتها التى أجهد فى التفكير حتى أراها مقتربة من الاكتمال وحاشى لمثلنا أن يصل ولكن السعى للتذكية والتقويم واجب .
أكتب لأضع أمام أعين كل من يقرأ نبض مجتمعه الذى يحاول البعض تجاهله ولفت نظره بعيدا عنه ، لأدفعه رغما عنه لرؤية ما يفر منه فربما يحزن مما يرى فيعمل فكره فى إصلاح ذلك وتغييره للأفضل ، فرب حروف قليلة تقيم حضارات لا ينقطع ذكرها وآثرها .
كتبت يوما أنى "مازلت أحلم بأن أكون ذلك الكاتب الذى يترك بصمة عند كل من يقرأ كلماته ، أن أكون الانسان الذى يترك أثرا طيبا فى كل من يعرفه " ،  ولازلت أحمل حلمى فى صدرى وأسعى لبلوغه ما تبقى فى جسدى حياة ، فمعتقدى أنى لا فائدة لى إذا لم أترك أثرا ينتفع به من كتابة أو علم أو عمل أو غير ذلك مما يخلد ذكره وينتفع به . 
 قرأت يوما أن بعد كتابة " ماركيز " لروايته الرائعة " مائة عام من العزلة " أقيمت مدينة كاملة تحمل اسم المدينة التى بناها فى روايته ، تمنيت أن يحدث لى مثل ذلك يوما .
أكتب الواقع والحلم ، كتب الألم والأمل ، أصف القبيح والجميل ، أداوى هذا وأبث شكوى هذا وأطبب جرح ذاك ، أحاول أن أنقل الداء ومسبباته وأعراضه وأبحث داخل بطون الكتب والمواقع والعقول حول الدواء المناسب ، أشتت تفكيرك حينا وأشوقك حينا وأهديك رصاصة الرحمة حينا ، أبحث خلف كل حرف أكتبه وكل كلمة قبل أن تنشر حتى إذا قرأت ما دونته نهلت منه ما شئت وأنت على يقين أنك إذا نقلت معلومة مما أبثها بين السطور فى أى أنواع الكتابة التى ادونها أنها صائبة بعيدة عن التحريف والتأويل .
أكتب فأعيش كل حرف أكتبه ، كل حالة أرسمها ، أحاول اختيار الكلمات التى تغلف الكلمات بالموسيقى فكأنك ترى وتسمع وتعيش ما تقرأ وأزعم أنى أحاول أن اجعلك تسمع من صدى كلماتى صوت قلبك .
أتألم ...نعم أتألم عندما أكتب عن الألم حتى أبكى ، وتطير روحى وتلامس حد السماء عندما تكتب عن الأمل والبهجة ، وتغرق ملامح وجهى سمات الغضب حينما أكتب عما يقاسيه وطنى .
أكتب لأتعلم ، لأقرأ ، لأغوص فى أعماق مختلفة ، لأرحل لعوالم مختلفة ، لأعيش حياة غيرى ووجعه وفرحه ، لأرى معاناة الإنسانية وكفاحها منذ بدء الخلق حتى وصل الأمر إلينا ، اقرأ لأرى العالم مع كل كلمة بلباس جديد .
أكتب لأن فى الكتابة حلمى وأعتدت السعى خلف حلمى .
أكتب لأن الكتابة حياة فكيف أحيا بدونها .
أكتب لى وأكتب عنى ، أكتب لك وأكتب عنك ، أكتب للوطن وأكتب عن الوطن ، أكتب لأحيا .


الخميس، 9 أبريل 2015

يوم زفاف الأطفال

صدح فى السكون صوت المؤذن ينادى لصلاة الصبح ، دفع الرجال الأغشية من فوق أجسادهم وأسرعوا الى أماكن الطهارة يغسلون أبدانهم من محل النوم ، فتحت الأبواب ونزع الناس الى مصلاهم ، أقيمت الصلاة ، وخشع الشيخ فبكى وأبكى المأتمون به ، ودعاء الفجر يشق طبقات السماء ، أوقات التسبيح والاستغفار والذكر تحلو فليس أحلى من قرب من تحب وهل بعد حب الله حب .

النساء أدين الصلاة وهرعن الى أوانيهن ومطاهيهن البسيطة وأوقدن النيران وبدأت رائحة الطعام الشهى تداعب الأناف ، أيقظن الأطفال وأمرنهن بالتطهر والصلاة والاستعداد لتناول الإفطار بصحبة ذويهم ، عاد الرجال من مصلاهم واصطفت العائلة حول الطعام فى دائرة يعلوها الحب .

أنهى الجميع إفطارهم وبدأ كل يشق طريقه الى وجهته ، أخرج الرجال المواشى والأنعام من حظائرهم وتوجهوا الى حقولهم ، ساعدت الأمهات الأطفال على ارتداء ملابسهم وأعددن لهم وجبات خفيفة تسعفهم فى وقت الراحة المدرسية .

فى البلدة الطيبة مدرسة واحدة ، طابق واحد ، مائة وثلاثون طالبا موزعون على ثلاثة فصول ، غرفة للمدير ، يلتحق الأطفال فيهم عندما يبلغون السادسة ويغادرونها بعد ان يتأهلوا الى المرحلة التالية وأعمارهم حينذاك تلامس الثانية عشر.

الثامن من ابريل لعام ألف وتسعمائة وسبعون من الميلاد ، دقات الساعة تعلن السابعة والنصف ، نسمات الربيع تقبل خد الصباح والشمس تغازل بأشعتها الوجوه كأم حانيه ، اصطف الطلاب فى ثلاثة صفوف يؤدون التمارين الصباحية ، خمس دقائق لكل تمرين وثلاثة أضعاف ذلك للاذاعة المدرسية والأصوات تتغنى بحب الوطن .

والله زمان يا سلاحى 
اشتقت لك فى كفاحى
انطلق وقول أنا صاحى
يا حرب والله زمان
والله زمان ع الجنود
زاحفة بترعد رعود
حالفة تروح لم تعود
إلا بنصر الزمان
هموا وضموا الصفوف 
شيلوا الحياة على الكفوف
ياما العدو راح يشوف
منكم فى نار الميدان
يا مجدنا يا مجدنا 
ياللى اتبنيت من عندنا
بشقانا بكدنا
عمرك ما تبقى هوان
مصر الحرة مين يحميها
نحميها بسلاحنا
أرض الثورة مين يفديها
نفديها بأرواحنا
الشعب بيزحف زى النور
الشعب جبال الشعب بحور
بركان غضب بركان بيفور
زلزال بيشق لهم فى قبور


أنهى الطلاب طابور الصباح وأشار المشرف الى الصف الأول لينطلق ناحية فصله ، تبعه الثانى ثم  الثالث ، مقاعد خشبية عتيقة ، لكنها أفضل من لا شئ ، الفصول نظيفة لم تعكرها خطوات الأطفال ولا عبثهم بعد ، كل طالب الى مقعده ، وضع الأطفال حقائبهم القماشية بجوارهم وأخرجوا منها كتبهم وأقلامهم ، دخل المعلمون الفصول ، اصطف الأطفال وقوفا ، وبعد أداء التحية أشار المعلمون للأطفال بالجلوس ، يمر المدير يطلب حصرا بالأعداد الموجودة وحصر عدد الغائبين ، اقتربت السنة من نهايتها وأعياد الربيع على الأبواب تشغل الريفين فتسحرهم ألوان الورود ومباهجها فلاشك هناك الكثير غائب ، عدد الحضور ستة وثمانون طالبا .

بدأ المعلمون فى ممارسة عملهم ، عنوان درس اليوم ، " أحمد عرابى " .
على حصانه شاهرا سيفه رافعا رأسه وامام الخديوى توفيق صدح بها عاليا 
 لقد خلقنا الله أحرارًا، ولم يخلقنا تراثًا أو عقارًا؛ فوالله الذي لا إله إلا هو، لا نُورَّث، ولا نُستعبَد بعد اليوم.

أصوات عالية تعلو فى السماء ، طائرات تقدم ، البلدة آمنة ، ريف هادئ لم يعتد تلك الأصوات من قبل ، الفزع علا الوجوه ، الأصوات تعلو أكثر ، دوى أصوات قذف ، أمر المعلمون الطلاب بالنزول أسفل المناضد ، البعض أطاع والبعض خاف ، قذائف متتالية ، صراخ من كل فج ، الأباء ، الأمهات ، الأخوات ، الجميع فزع حتى الحيوانات فى مرابطها ، نيران تعلو من جهة المدرسة ، الكل يجرى ، الكل يبحث عن صغيره ، الكل يبحث عن طفله ، الكل يبحث عن قلبه ، أشلاء وأعضاء متناثرة فى كل جانب ، دماء لطخت الأرض ومدرسة أصبحت مقبرة تملؤها الدماء والأشلاء ، كتب وصفحات غارقة بقلوب الأطفال ، ثلاثون طفلا يزفون اليوم الى الجنة ، خمسون طفلا مصابا الله وحده يعلم مألهم ، وقرية اتخذت الحزن لباسا وأمهات ارتدين الوجع لباسا وأباءً صحبهم الوجع وأسر نزعت منها أرواحها وعيون أطفئت مصابيحها .

يا الله ، عندما يحل الموت لايدع مجالا لشئ أخر يصحبه ، أنانى يأبى أن يشاركه أى شئ فى امتلاك الوقت والنفوس والمشاعر .

ثكنة عسكرية خفية كانت الحجة " هكذا قالت اسرائيل " والعالم كعادته تلتبس عليه الحجج ، شيع أطفال بحر البقر الى ربهم وزفوا جماعات الى الجنه وما كان لنا أن نبقى دون رد فكيف لمن عاش عزيزا أن يدع اللقطاء ينهشون فلذات كبده دون عقاب .

السبت، 7 مارس 2015

الوجه الأخر للألم

أحيانا يباغتنا الألم وهذه عادته بالطبع ،  فيأتى على ما تبقى داخلنا من قوة ويحول بيننا وبين ما خططنا لإتمامه فى تلك الأوقات التى يحل علينا ضيفا فيها ، وأحيانا تعتلى أعناقنا الأوجاع وتتكاثر حولها الهموم حتى يتساقط الألم من أعيننا كقطرات مطر مزجت بالدموع فتزكم انافنا رائحة الوجع ، وأحيانا يفوق الأمر كل ذلك فنصبح مقعدين بلا حراك ، وأحيانا تغيب منا العقول فتصبح فريسة للوجع يعمل فيها أنيابه كيف شاء ، وأحيانا توهن القوى وتضعف وتخور وتصاب الأعضاء بهشاشة تسرى فى ارجائها فلا تقوى الأقدام على حمل الجسد ولا تقوى الأيدى على المساعدة ولا تقوى العيون على قهر الضوء فتبقى مغمضة ولا تقوى الرئتين على احتساء الهواء اللازم لإعاشتها وحتى القلب يصاب فتبطؤ دقاته وتقل شيئا فشئ ، وأحيانا يطغى الألم على مشاعرنا فلا نقوى على البوح بما ألم بنا ونترك أنفسنا مرتعا للضيق يلهو فيها كيفما شاء ، ربما تكون تلك هى النظرة الضيقة التى نستقبل بها الوجع عندما يحل علينا ضيفا ، ولكن ما إذا نظرنا للأمر بعين أخرى واعتبرنا الالم منحة إلهية قدمت إلينا فى الموعد المقدر لها بالتمام لتحول بيننا وبين اعتراض طريق صعوبات ربما كانت تودى بحياتنا وأحلامنا ، منحة تمنحنا الوقت لقضاء أشياء أخرى قدر لها أن تتم الآن فى هذه الأونة ، منحة تبقينا بالقرب من أحبتنا وقتا كنا قد خططنا لقضائه بعيدا عنهم ، منحة تقربنا من ربنا أكثر ، تزيل من ذنوبنا أكثر وأكثر ، تغسلنا وتطهرنا وتردنا أنقياء ، فالبقرب من الله تزول اسباب الألم .                                                                                           

الأحد، 1 فبراير 2015

رسالة الى كاتب

أيها الكاتب 
لا تجعل الكتابة المصدر الرئيسى لإعاشتك 
فإنك إن صرت تكتب لتأكل فأبشر بالتخلى عن قلمك شيئا فشيئا حتى يصير قلمك عبئا عليك وتصير أنت عبئا عليه ويصبح زمام أمرك بيد من يدفع لك ، واعلم أن المداد الذى يبث الحياة هو ذاته المداد الذى ينشر الموت وأن قلمك إما أن يكون داء وإما أن يكون دواء .
فكن حيث قلبك وألزم مبادئك وأحفظ لقلمك أمانته وأعنه على أداء رسالته.


الخميس، 29 يناير 2015

خربشات

من قال لك أننى أشعر بك !
وهل نشعر بالدماء التى تتخذ من عروقنا شريانا تبحر فيه !


يوما ما سيزين عطرك كتاباتى !


تمنيت لو كنت عطرا ينثر فيتخلل مسامك أو لا تذكرين أنى أخبرتك أنى أعرف الذكريات بأريجك !


أتصدقين لو قلت أن كل الكلمات لا تفى بوصفك
صدقى فكيف بإمكان عاجز أن يصف ما صنع بيد الله ويوفيه حقه !


لا أعتقد أنك تعلم كم كنت فى حاجة لذلك ................جدا !


يأخذه الحنين نحو سيرته الأولى ، ينزوى فى جانب بعيد عن كل المقربون منه ، يقول أن الانتظار كان قاسيا فاضطر الى الانسحاب مجددا الى حيث يجيد الحياة !



ها قد بسط الليل أجنحته
ونصب الظلام خيوطه 
وترك فيها مساما يتسلل منها الصقيع يداعب كل من اختلى بقلبه !

وهل كل العمر يكفى !


فى اوقات الثورة الثائرون وحدهم لا يعلمون الخطوة التالية اما الاخرون فخططهم معدة مسبقا !



يا صديقى فى معارك الحب وصراعاته لا أحد فائز
الجميع خاسرون
حتى الحب ذاته يتجرع الألم من فرط فعله بمريديه !


وسيظل الريف المصري أجمل ما فى هذا الوطن لو تركوه يحيا !

وفى مرات كثيرة تجدها تخشى أن تبتسم لك ، واذا أصابتك احدى نوباتها أرسلت إليها مدادا من الابتلاءات تترا حتى تتكاثر عليك فان صبرت فقد فزت وان أصابك اليأس والقنوط زادت عليك ألامها " فصبر جميل "!

ليتنى كنت أملك أدوية للسعادة ، لكنت وهبتها الى كل محتاج لها دون ثمن سوى أن أرى بسمة غمرت عينيه " فصبر جميل " !

كيف تطلبون منا أن نكتب كلمات مغمورة بالبهجة وقد صار الحزن #وطن !