الأحد، 18 أكتوبر 2020

طرفة عين

 

ثم تجد نفسك تصارع هذا الموج وحدك ، الشاطئ بعيد ، المياه تثور ، السماء كأنها غضبى ، السحب تكدست ، الرياح تجرى كأنها تفر من الزحف ، فى لحظة كل شئ يتبدل ، طرفة عين هى المسافة الفاصلة بين كل ذلك ، كــ حالى ، أتقلب فى لمح بصر من أقصى الوجع إلى أعلى الرضا والفرح ،" عجيب ، غريب" ، هكذا يقولون فى وصفهم ، كيف يمكنك التحول فى ذات الوقت بين نقيضين ؟ ، كيف تكون تضحك بملئ فيهك ثم تصمت فجأة وكأن أصابك سهم ؟ ، أنا أيضا لا أعلم لكنى على ما أنا عليه لم أتغير ولم أتبدل ولكن ربما هو شعور ينتابك فجأة ، لا تسبقه مقدمات ولا تملك له تبريرات ، عيونك توشك أن تبكى ووجهك يكسوه الحزن وملامح الألم تملكت تقاسيم وجهك ، تفضل الوحدة وترفض كل من يقترب منك وتبعده عنك خشية أن تفقده ، تفقد اللذة والشغف ، تشعر بالملل ويصيبك ضيق مفاجئ ، كدر يعلن فرض سيطرته ووجه عبوس يأبى أن يبتسم  .

ربما ما تعايشه أو ما عايشته يوما وما مررت به ، ربما لم تنعم بسلام كهذا قبلا فأصبح ذلك الهدوء غريبا عنك ، هى الأيام تصنع كل ذلك أنت مستسلم تماما لتوجهاتها ، تحاول أن تُمسك بالدفة فتفاجئك ، فتكابر وتحاول ان تقوى عليها فتثقل عليك أكثر ، هى أيضا لا تقبل بالهزيمة والتاريخ فى صفها فهي قديمة بقدمه وانت نقطة تكاد لا تُرى ....

ربما الاعتياد على حال معين يهيئك أن ترفض غيره ، فإنك إن قيدت عصفورا فى قفص لمدة طويلة حتى فقد أمله فى الحرية مجددا ثم فجأة نزعت الأصفاد وفتحت له الأبواب ، هل تظنه يغادر مكانه قيد أنملة ؟ فى اعتقادى لا ، لن يغادر مكانه وسيكتفى بالنظر إلى عينيك ويبتسم ، إنها جريمتك يا عزيزى فأنت فى سبيل إحيائه بداعى المحافظة عليه قتلته ، قتلت فيه الرغبة للمرح ، للتحليق ، للطيران ، للحرية ، وأصبح يدرك أنه فى قفصه آمن وخارج ذلك القفص الموت ينتظر اقتناصه ...

لست هشا كورقة شجر ولا صلبا كصخرة وإنما إنسان ، قد يكون فى طرفة عين هشا جدا كخيط عنكبوت وقد يكون فى طرفة عين قويا كجبال راسيات ، الموقف هو ما يصنع رد فعلك ونفسك وما صنعته معها وبها ...

تحاول تعلم عيش الوقت ، ان تحافظ على ذاتك فلا تهلكها بأن تحملها ما لا طاقة لها به ولا بأن تنصاع لها بالكلية فتصبح كأنها عهن منفوش تظنها عظيمة وهى لا تعدل جناح بعوضة ، طرفة عين تنقلك من حال إلى حال وما سمى القلب قلبا إلا لكثرة تقلبه وتنقله بين الأحوال بلمح بصر .

السبت، 10 أكتوبر 2020

فى قلبى أنثى عبرية – د خولة حمدى

 

ترددت قبل أن اكتب عن الرواية التى انتهيت من قرائتها مؤخرا مثلما أفعل مع بعض مما اقرأ فى الفترة الأخيرة ولكنى تذكرت الزفاف الذى قرأته عنه منذ بضعة أيام للأسير الفلسطينى المحرر "عبدالكريم مخضر" والذى كان قد أعلن خطبته على الفلسطينية "جنان سمارة" ثم أعتقل هو وبقيت هى  على العهد لثمانية عشر عاما حتى من الله عليه بالحرية مؤخرا وأتما عقد زفافهما فدفعنى هذا الوفاء إلى أن أكتب عن تلك الرواية التى قدمت لها كاتبتها د خولة حمدى قائلة أنها مأخوذة عن أحداث حقيقية .

لغة الرواية سلسة وأحداثها جذابة تطرق المشاعر وتأسر القلوب عامة ذات أثر طيب مقربة ومحببة للقلوب ، أحداث المقاومة ، عادات وثقافات أصحاب الديانات المختلفة ، التربية ، الثقافة ، الصراع والسعى للوصول إلى المعرفة الحقة ، صغيرة تحرص على دينها رغم أن عائلها يهودى ويهودية تقدم العون لمصاب كان يقاوم أهل ملتها ، الصراعات مختلفة ونظرة مغايرة لأحوال العرب اليهود مما يعادون الفكر الصهيونى ورؤية الإسلام بعيونهم ، القرب من أفكار واساليب التربية ، التعايش مع الأخر وصراع الدعوة ، المشاق عند تغيير العقيدة ، أحداث الحياة وصراعاتها فلا فرح يستوى على الدوام ولا حزن يبقى أبد الدهر .

ريما ، ندى ، أحمد ، حسان ، سماح ، سارا ، سونيا ، جاكوب ، تانيا ، أنابيلا ، دانا ، ميشال ، جورج ، سالم ... أب لم يحسن إلى أبنائه ، وزوج يختار الأبوة طريقا ، لبنان ، تونس ، فرنسا ، صيدا ، قانا وجرية ....

أحبة يرحلون فنُصدم ، صغيرة حلمت بالشهادة فنالتها ، صديق يحمل أخاه فى قلبه ، حب أقسم أن يبقى مهما امتد الزمن " سبع سنوات " ، واشتدت العوائق " غياب وبعد ودين ووطن ... " ، وفى القرآن شفاء وسكينة نفس وراحة قلب ...

استمتعت بالقراءة وتركت فى نفسى أثر ......


الثلاثاء، 6 أكتوبر 2020

الحياة ليست عادلة يا صديقى

 

أعتقد ذلك جدا ، نسعى فقط إلى أن نتجاوز ما قد يصيبنا فيها ، خلقنا من أجل رسالة معينة ، ومهمتنا تستلزم إنجازها وغياب العدالة حينا وضعفها أحيانا من الأشياء التى تجعل للرسالة معنى وهدف .

ألا تحب أن تتخطى هذا المنعطف ؟

إذن دع عنك هذه الأفكار وارتدى ثوبا مغايرا وفتش فى حافظات أسرارك ، ابحث فى خبايا نفسك ، ستجد القوة التى تبحث عنها ، يا صديقى النور موجود يتولد ذاتيا ، تسعى فقط أن تزيل الغبار الذى اعتلى تلك البلورة التى تزين المصباح من الخارج فجعلها تبدو وكأنها مشكاة لا نبع لها .

كل الذى تخطيناه كان صعبا وشاقا جدا ، كنا نظن أننا لن نقدر على تجاوزه ولكن الإيمان هو السر يا صديقى فبالإيمان كل شئ يكون ، أن تعلم أنك ما كُلفت إلا  بشئ تستطيعه حتى لو ظننت أنك لا تستطيع ، هى فقط المحاولة ، بعض الصخور يوحى مظهرها بقوة تعييك حتى عن مجرد التفكير فى الاقتراب منها وما إن تصيبها طرقة واحدة من معولك إلا وجدتها مفتتة  أمامك .

أن تنتصر على الخوف الذى يسكنك ثم تبدأ المحاولة ، اقتل خوفك ، حاول ، وحينئذ تجد الأهداف تحققت تباعا ، أما علمت أن الله أمر " مريم البتول " أن تهز براحة يدها جذع النخلة فيتساقط عليها الرطب طيبا ومن أين لأمرأة تضع وليدها وحيدة بعيدة من قوة لفعل ذلك  ، ولا تنسى أن تعطى مساحة أكبر للاختلاف فى النتائج ، فليست كل الأشياء تسير كما هو مخطط تحديدا فاحرص على أن تكون هناك العديد من الخطط " الخيارات " البديلة فذاك من الحكمة بمكان وتقبل نسب ودرجات التحقق يزيد الأمر يسرا ويمنح النفس الرضا .

انزع رداء القلق و توضأ بالمعرفة وولى قلبك شطر العلم وتطهر من كل ما يعيق عقلك وأرفع يديك وألقى خلف ظهرك كل ما يخيفك وقلب وجهك فى السماء وأمسك على حلمك بمجامع قلبك وأستقم فى طريقك وسر مقتصدا واغضض طرفك عن كل المفاتن وتيقن أن السعى بلوغ وأن البلوغ إرادة .

الخميس، 1 أكتوبر 2020

لم نعد صغارا " 18 "

 

الناس زائفون يا ولدى ، لا تغرك أقوالهم ولا تُخدع بأفعالهم ، إن هى إلا أقنعة يتوارون خلفها ، يخفون القبح ، البذاءة ، نظرات الخداع ، الدموع جنود مسيسة وربما يخفون عكس ذلك يا ولدى ، حتى يمكنهم العيش فى وسط هذا المجتمع المغرق بالخداع ، يدعون بالقيم والفضيلة ومن حولهم يموتون جوعا لا يجدون ما يكفى لسد جوع أطفالهم .

سر معى قليلا ....

انظر ذاك الجالس هناك ، لا تفارق المسبحة يده ، كلمات الشكر وكأنها حُفرت على طرف لسانه رغم ما قاساه من وجع ، زوجته توفيت ، ابنه اختفى فجأة ولم يعثر عليه ، واخوته اغتصبوا إرثه ولا يخفى عليك كم يكفى لمعاش شيخ فى مثل عمره ....

وهذه الفتاة تخرج متأنقة يقولون أنها تعمل فى شركة كبيرة ، السيارة كل يوم تأتى إلى هنا كى تأخذها وتعيدها فى أخر اليوم ، أما أنا فأعرفها جيدا ، تعمل فى البيوت كى تنفقها على إخوتها لغياب والديها ، هى تخفى ذلك حتى لا يعاير أحد إخوتها بسبب عملها ، تعرف جيدا الناس لا يتركون أحدا وشأنه وسيرة الغير هى فاكهة المجالس .....

ذاك الشاب الذى لا يقوى على الحركة ، قريبا كان قويا مفتول العضلات ، يمشى بين الناس يختال بقوته وهيئته وبنيته ، العيون لا ترحم يا ولدى ، انظر إلى ما آل إليه حاله ، أصبح ضعيفا واهنا أصابه خبيث المرض ، العين تقتل يا ولدى وتدخل الجمل فى سم الخياط ....

البيت البديع الذى عن يمينك ، يقولون أن صاحبه عثر على قارورة بها قطع ذهبية قديمة عندما كان يهدم البيت القديم وقالوا أنه تاجر فى الأثار وقالوا أنه تاجر فى المخدرات ، قالوا وقالوا يا ولدى ..... والحق يا ولدى غير كل ذلك ، قص على ذات مساء أنه صنع خيرا لأحدهم فجزاه الله فوق الإحسان إحسانا فأنعم عليه بما لا يحصى له شكرا .....

الدنيا يا ولدى خداعة ، ما تراه بعينك ليس دايما هو الحق وما يتكلم به الكثير غالبا لا يكون صائبا فالشائعات هنا تربتها خصبة فما أن تلقى ببذرتها حتى تنتشر كالنار فى الهشيم فى ساعة قيلولة .....

السبت، 5 سبتمبر 2020

1970

 

بشكل مغاير وباستخدام ضمير المخاطب يعود إلينا " صُنع الله إبراهيم " بروايته الجديده وكالعادة من إصدارات دار الثقافة الجديدة ويسرد علينا تفاصيل العام الأخير فى حياة " عبدالناصر " .

الراوى يرتدى زى عبدالناصر ويخلع عنه الصورة التى يراه الناس بها ويترك عبدالناصر يتحدث مع نفسه وعن نفسه ، عن أفعاله وتصرفاته ومواقفه وحكمه عليها ، عن محاسبته لنفسه ، يذكر خططه وأخطاءه ، حرائق القاهرة ، البدايات ، الانتصارات الصغيرة والانكسارات الكبيرة ، التخطيط ليوليو ، حرب اليمن ، الأحداث الدامية فى الأردن وقتال كتائب المقاومة الفلسطينية ، عمان وحربها الأهلية ، انقلابات وصراعات فى كل الدول العربية ، سوريا ، ليبيا ، العراق ، جيفارا ، كوبا ، الثورة ومقتضياتها ، حكم الرجل الواحد ، الاتحاد السوفيتى ، الملك حسين ، ياسر عرفات ، الفتن ، الخيانات ، مجلس قيادة الثورة ، الملك ، الدعم ، الاقطاع ، عبدالحكيم عامر ، عبدالمنعم رياض ، أنور السادات ....

العدوان الثلاثى فى 56 ، نكسة يونيو 67 ، البيت والأسرة ، تأميم القناة وكلمة السر ديليسيبس ، الحلم العربى ، الضغط على الاتحاد السوفيتى للحصول على التسليح اللازم ، نيكسون والدعم غير المحدود لاسرائيل ، حرب الاستنزاف وغارات هنا وهناك ، الأحزاب الشيوعية ، الاخوان المسلمين ، مجلس الأمة ، تشكيل أحزاب المعارضة ، دخول المدارس وأسعار المهمات المدرسية والزى المدرسى ، حلم السد العالى ، عبدالحكيم عامر ، برلنتى عبدالحميد ، شمس بدران ، زيزى مصطفى ، عبدالحليم حافظ ، أم كلثوم ، عبدالوهاب ، نجيب محفوظ ، السنهورى ، هيكل ، التنحى ، الأخطاء القاتلة .

الحياة العامة فى شكل ما ينشر فى الجرائد من اخبار ، تخفيضات على اسعار الثلاجات والبوتجازات ، التفكير فى ادخال التلفزيون الملون ، النجاح الساحق لفيلم ذهب مع الريح ، شروق وغروب ، الذكرى السنوية لشهداء الجبهة ، نتائج الثانوية العامة ، ايقاف انتاج السيارة رمسيس بعد زيادة انتاجها ، افتتاح مصانع لانتاج الصلب ، زيارات الرئيس للاتحاد السوفيتى والسفر من هنا لهناك ، مطروح ، اتفاقيات وقف اطلاق النار " روجرز " والرفض العربى لها  وتهدئة الأوضاع بين كتائب المقاومة والسلطات الأردنية .

ألام الساق وتصلب الشرايين ، قهوة السادات ، عصير الابنة ، ومسرحية قديمة يموت فيها البطل على يد أقرب الناس إليه .

يوميات تنتهى فى أواخر سبتمبر فترحل مغادرا العالم  بعد انقضاء القمة العربية .

وختامها

خذلت نفسك وخدلتنا ... ثم ذهبت ، وذهبت معك مقدرات الأمة وآمالها .... إلى حين .



الجمعة، 4 سبتمبر 2020

حديقة الأرامل

 

مجموعة قصصية للروائى والقاص العراقى " ضياء جبيلى " المولود فى البصرة ، له العديد من الروايات مثل " لعنة ماركيز – وجه فلسنت القبيح – بوغيز العجيب - أسد البصرة – المشطور .... وغيرها " والعديد من المجموعات القصصية مثل " ماذا نفعل بدون كالفينو – لا طواحين هواء فى البصرة – حديقة الأرامل " ، شارك فى العديد من الكتابات المشتركة وحصل على العديد من الجوائز الأدبية .

حديقة الأرامل مجموعة قصصية تحوى سبع عشرة قصة تنوعت بين الواقعى والغرائبى والفانتازى وللحرب أثر باد على ما ورد فيها ورائحة البصرة تطغى عليها .

عمر الورد

طفلة ولدت كلما دمعت عيناها فاضت الروائح والعطور والنعمة التى ولدت بها جعلها أبواها والمحيطين بها نقمة عليها حتى أكل الطمع بهجتها وكانت بعمر الورد .

البحث عن الزمن المفقود

عن العمر الذى تقضيه وتظن أنك تنجز وتبلى بلاء حسنا وتعتلى فى وظيفتك أعلى المراتب حتى يجرى الزمن وتجد نفسك بلغت أوان التقاعد فلا يبقى لك سوى اصطحاب حفيدتك إلى الحديقة للتنزه وإلقاء أكياس القمامة وفجأة تجد نفسك تقلب فى أكياس القمامة وسط طابور من المتقاعدين مثلك عسى أن تجد شيئا هاما أو بعضا من الزمن المفقود .

محنة الجندى حميد

أن تؤخذ من الدار إلى النار مباشرة ، لم تمنعهم بنيتك الهزيلة من ذلك ولا قلة معرفتك ولا نقص إدراكك وفجأة تجد نفسك ملقى وسط أكوام من الجثث والأشلاء ، تهم بالقيام فتخشى القناصة وتهم بالحركة فتخشى الأسر وتهم بالحديث فتخشى أن يفتضح أمرك فتؤثر الصمت لساعة والساعة جرت فى ذيلها العمر حتى انتهى وما عثر منك سوى على بقايل هيكلك العظمى ....

الذكرى السنوية

طوال العام بكامل أناقتك واتزانك ورجاحة عقلك وحسن تصرفك إلا فى هذا اليوم ، تذهب الى الميدان وتخترق الشارع وفى منتصفه ترتمى على الرصيف وتتجمد مكانك تلقى بأذنيك وتشخص عينيك ولا يقوى أحد على تغيير موضعك ، ظنوك مجنونا تارة ومتسولا تارة ومريضا مرات أخرى ، يبعدوك أحيانا وفى السجن تقضى أياما وفى المشفى الكثير من الوقت وأنت لا تدرى لما حتى ينقضى العمر وأنت على عادتك ولا تعرف ولا يعرف أحدا سرك إلا ذاك الذى أصيبت زوجته عندما كانت تمر بنفس الموضع .

الذراع

تتسلل ، تستلقى بجوارها ، تنتبه لك ، تفسح لك المجال ، تتوسد ذراعك ، ينقضى الوقت ، ساعة وساعة أخرى ، تشرق الشمس ، ينتصف النهار ، يمر اليوم والذى يليه وتتوالى الأيام حتى انتفخ جسدها وخرجت رائحتها و...... انتهى .

الشاعر والصمت

أن تظل تبحث عن هويتك ، عن نجاحك طوال سنوات عمرك وتتعثر كثيرا ، تشيب ويجرى العمر بك ، تُدعى لتلقى قصيدة ، تعتلى المنصة ، تقف أمام الجميع الذين لطالما وددت أن ينتبهوا لك ، تتجمد فى فمك الكلمات ، تتخشب مكانك ، تنظر إليهم طويلا وأخيرا تقول " وشكرا " ، يصفق الجميع ويطرونك ويمدحونك وكأنك أتيت بما لم يأتى به أحدا ، تنهال عليك العروض وتتسابق إليك القنوات وتحيطك الصحف فتضحك وتضحك وتبكى ..... ويقتلك الصمت .

العش

تسريحة شعر مميزة ، تصطحب كتابا وتجلس فى المكان المعتاد وكالعادة لا ينتبه لها أحد ولا يلقى أحد عليها كلمة غزل ، وأمامها يجلس هذا الذى تحيطه العصافير ووحده مدح تسريحتك ، يعجبك انتباهه فتفعلى مثل النساء الأخريات لجذبه ولا ينتبه ، تبدلى تسريحتك بذيل حصان  فيغيب ويغيب ، يحط عصفور على كتفك ويأبى الرحيل ، يعرض عليك صبى شرؤاه فتوافقين ، تسألينه هل يفهم ما يقول ؟ فيجيبك نعم  .... فقد عشه .

وقصص أخرى ختمت بـــ

" لا تخافى ....هذا ليس بياض العمى ، هذا بياض اللؤلؤ ، خبأته لك فى عينى كى لا تطوله أيدى النساء " .



الأحد، 9 أغسطس 2020

لم نعد صغارا " 17 "

 

الوقت طويل سرمدى كأنه لا ينتهى ، الليل هرم كشيخ عجوز أضعفته الفواجع والسنون ، الفجر ابتعد ، ولى وكأنه فر من الزحف ، الوجع استقر كجبال راسيات ، الجروح واعرات ، يخترقن الجسد ويكسرن الضلوع ، الوطن تائه ، حائر وسط الدروب ، ملقى به وسط الظلمات ، ظلمات متراكمة طبقات فوق بعضها كأنهن موجات ..

ناى حزين ونحيب ينبع من قلب أم كلمى وأب لم تحل شيبته بينه وبين البكاء كأنه طفل يصرخ طلبا لثدى امه ، دموع تخط طريقها على ناصية وجوه اعتادتها فلم تضل يوما طريقها إليها ، وحدها الدموع تحنو عليهم فى عالم اتخذ القسوة سبيلا ...

أتم الطريق سيرا أطالع تلك الوجوه ، كل وجه وحده حياة ، حكاية سطرتها الأيام ، أثار الزمن بادية محفورة فى كل جبهة وناصية ، شقوق تخللت أقدامهم كأنها شقت فى اجسادهم قنواتا للسفر ، جلود جافة غليظة أشد قسوة من الصخر ، عيون بريئة تبتسم فكأن الدنيا كلها تضحك ، عيون مكلومة تبكى فكأن العالم لم يرى يوما فرح ...

تمر كل يوم قبل الظهر وقبيل الغروب ، تقلب فى صناديق القمامة ، تبحث فيها عن اى شئ تقتات به ، يصحبها أطفال صغار وقد يأتى بدلا منها إحدى قريباتها ، أم أحسبها فى عقدها السادس ، ولم يمنعها ذلك من السعى لاكتساب رزقها ، قالت لى ابنى وزوجته وأولاده وزوجى وعائلتى ، الفقر يا ولدى هو ما يجعلنى أقلب فى صناديق القمامة ، أولاد الحلال يعرفوننى فيضعون لى بعض الأشياء بجوار الصندوق فأتى لأخذها وأبحث بالصندوق عن بقايا الطعام أو ما يمكن بيعه فنكتسب ما نعيش به ونستعين به على قضاء حاجاتنا ، عارف يا ولدى بنت ابنى الصغيرة سلمتها لسيدة لتخدمها فى بيتها واشترط عليها ان تحسن معاملتها ، تعيشن عندهم يا ولدى طول الوقت ، طلبت منها ألا تظلمها ، على الأقل أكون قد أودعتها فى مكان نظيف تجد فيه مكانا لنومها ولقمة تسد جوعها وترفع عنى حاجتها فأتفرغ لاخوتها ، أبيهم " ولدى " سقط أثناء عمله فأصبح قعيد وأنا نظرى بيروح يا نضرى وليس لنا أى مصدر دخل ولا عمل ولا أحد ينفق ، ولدى فى حاجة إلى عمليات كثيرة وعلاج مستمر لا نقدر على ثمنه ، ابنائه ايضا منهم المريض ومنهم الرضيع حتى أنى لا أستطيع إلحاقهم بأى من المدارس ، أتعلم لا مأوى لنا ، فاعل خير تفضل علينا ومنحنا غرفا فى بيته نعيش فيها ونحرس له بيته ، أولاد الحلال يعرفون مكاننا ، يرسلهم الله إلينا دوما يا ولدى ....

الطفلة الصغيرة لديها مرض فى قدمها ، أحب هذه الطفلة ، أعشق ابتسامتها ، كأنها ملاك مترب الوجه ، تحتاج فقط أن تبدل الثياب وتغتسل فتصبح اجمل أطفال الدنيا ، تنظر لى الصغيرة بعيون فرحة دامعة وكأنها تعاتب كل العالم بهذه النظرة فتخالط دمعتها دموعى .

الأربعاء، 29 يوليو 2020

شئ من الحكى


ثقيلة كألم لا يتزحزح عن مكانه ، موجعة كفقد لا رجعة بعده ، قاسية كموت لا بعث منه ، أسير ، أتكفئ ، مكبل اليدين ، والعين غطاه سواد عظيم ، النفس ألتقطه جبرا والدمع جامد ، كل شئ فى الطريق محطم ، قدمى تصطدم بزجاج مكسور وصفائح صدئة ، كلاب ترتع وقطط طوافة ، مقلب قمامة مفعم بكل شئ ، الرائحة طاغية ، غريبة ، نفاذة وقاتلة .
الجسد هزيل ، ضعيف ، والليل أعمى ، نباح الكلاب ، فحيح الأفاعى وآنات الصمت ، المكان مفعم برائحة الصد ورائحة الرفض ورائحة الرضا ، مكتظ بصوت الألم وصوت القتل وأهات الشهوة ، قبلة للهرب ، قبلة للخطف ، وقبلة لفاقدى المأوى ...
كل يعرف تفاصيله ، مرأة تظهر فيها حقيقته حتى تلك التى غطاها بالمساحيق وتلك التى أخفاها داخله ، كبللور شفاف باطنه كظاهره ، عاريا تماما كيوم ولدته أمه .
البعض يعرف جيدا لما هو هنا والبعض هو من قدم بنفسه والبعض قدم رغما عنه والبعض مثلى أقتيد إلى هنا ، لا يعرف السبب ولا يعرف الفاعل ولا يعرف ماذا ينتظره ....
يأخذنى ما أعايش إلي تلك الأيام التى وارتها الذكريات أو ظننتها كذلك فأرى ذلك الصبى يلعب ويهرب من دروسه ، يفر من الكتاب ، يجرى إلى حضن الأرض ، يحتمى بها .
 يحلق رأسه بشكل يراه والده سيئا فينهال عليه ضربا ، يفر من البيت ، فزعا ، يهرب لا يعلم إلى أين ، تقوده قدمه إلى المسجد حيث اعتاد المكوث ، يبحث عن مكان ينام فيه ويختبئ خشية أن يراه أحد ، يجد النعش الذى يحمل فيه الموتى بمؤخرة المسجد ، يجذب بعضا من الحصير وينام تحته ويتغطى بالحصير .
يشترى قميصا عليه صورة فيُسِر أحدهم إلى أبيه أن تلك الصور سيئة ومكروهة فينزع الثوب ويقطعه ويلقى عليه الجاز ويشعل فيه النار ويفسد تلك الفرحة التى غشيته حينما اشترى القميص ، يكاد يأكل ذلك الرجل بعينيه كلما رأه وإلى الأن يذكر ذلك الموقف ورغم أنه تجاوزه إلا أن بعض الأشياء عصية على النسيان ، ملتصقة بالذاكرة .
إلى تلك الأيام التى اعتاد فيها العمل فى حقل لأحدهم ثم يجذب من شعره ويده ويقتاد ضربا طوال الطريق إلى الكتاب فيربط المعلم قدمه بالفلكه وينهال عليه بالضرب حتى تدمى قدميه وتغرق الدموع وجهه .
إلى تلك الأيام الخوالى حينما كان يزرع المصريون القطن وتجهز الفرق من الأطفال والصبية لتطهير حقول القطن من الحشرات الضارة وتشكل الفرق فيما يعرف باسم " الدودة " وكل فرقة على رأسها شاب عشرينى والفرقة تكون من عشرة إلى عشرين صبيا وفتاة وربما تزيد ، يحدد لكل فرقة زماما معينا يكون هو شغلها لليوم ، ما يقرب من ثمانية أفدنة على ما أذكر ، يطهرها الصبية فى ثمان ساعات أو يجاوزها ، تعلو الشمس وتنحنى الظهور ويصير لون الجلد أسمر ، وتحصل قروشا معدودات أجرا عن الأيام تقبضها دوريا فيما كان يعرف ب" المدة " .
إلى الجد العجوز ذو الوجه البشوش والجدة الطبية والطعام الشهى وجمع الطماطم من الحقول المجاورة لمزارع العنب وحمل الأقفاص وتفريغها فى العشة المقامة على رأس الطريق والتى فرشت بالقش وهناك يجلس الجد العجوز يعيد صف الطماطم فى الأقفاص ويجنب الفاسد منها كى لا يضر البقية .
الى الليالى المقمرة والهواء النقى ولدغات البعوض وهدير السواقى وجريان الماء وسقيا الأرض العطشى ورائحة الزرع يتلقف الماء كطفل يلتهم ثدى أمه وشقوق الأرض وشواء الذرة .

الجمعة، 19 يونيو 2020

ثم تولد من جديد !


الوقت هو ذلك الذى تعيشه ، تقضيه ، يكون صعبا شاقا فتجتهد حتى تتغلب على تلك الصعاب ، يكون سهلا يسيرا فترتاح حتى تتم مسيرتك ، تخاف وتضطرب فتخلو بنفسك ، تتضرع ألى الله بكل جنبات قلبك ، تبكى ، تتخلص روحك من كل الشوائب ، تنقيها ، تصفيها فتصير شفافة كماء طاهر ، ينزل الله على روحك سكينة ويتشبع قلبك بالرحمات فتخرج من تلك الحالة وقد ولدت من جديد ....
استمتع ، جد ، اجتهد ، اقرأ ، إلعب ، امرح ، ابتسم ، امنح قلبك الوقت كى يحيا ، فكل صعب يصير هينا إذا رأيته كذلك ، تعاملك مع الشئ هو ما يحدد نتيجته ، الرفق ، اللين والود .....
الخوف هو ما يفسد عليك الوقت ، ربما ليس الخوف هو المسمى الصحيح فى هذه الحالة ، ربما الصحيح هو الرهبة ، الرهبة من كل تغيير ، من كل ما هو جديد ، القلق من النتائج ، تحديدا القلق أن تفشل ، لكنك غاب عنك أن الفشل هو اللبنة الأولى للنجاح .
النجاح سلم لابد أن تصعده درجة درجة فكل سلمة مرحلة هامة لا تحاول أن تتخطاها صعودا إلى التى تليها مباشرة ، أعلم أنك تتعجل الوصول ولكن ما يقد يفوتك بسبب العجلة ثمنه باهظ ، تمهل وأعط كل شئ وقته الكافى ، المواقف السلبية والصراعات والنتائج غير الملائمة والتصرفات الحمقاء هى حصيلتك التى قد تنجيك يوما ...
دون مواقفك ، سجل تجاربك ، قيد ما تعلمته بالكتابة ، قلمك سندك وأوراقك أصدقاؤك ، مفكرتك ، مذكرتك التى لن تستطيع التخلى عنها عندما تدرك قيمتها ، اقرأ كثيرا ، طالع كثيرا ، وسافر حتى دون أن تغادر موضعك ، حاول أن تخلق من كل لحظة متعة وأن تجعل وقتك بهجة ، كن نورا يشع جمالا ، كن أنت ! .

صمت صاخب


كان الأمر صعبا ، الروح انسحبت فجأة ، كل شئ ابتعد ، ضاقت المسافات حتى طبقت على ، النوافذ لم تعد مواربة ، الأضواء غابت ، نبض القلب الذى كان صاخبا ما عاد كذلك ، لم أعد أسمع أو أشعر بتلك الدقات ، جهاز القياس لا يسجل شئ ، العيون كأنها نامت والعقل غاب عن الوعى والروح كأنها خُطفت ، لم يعد لدى سيطرة على أى شئ ، لا أرى ، لا أسمع ، لا أتكلم ولا أشعر بشئ .
الضوء أسود ، الرائحة ... ما الرائحة ؟ لا أشم أى شئ ، كانت لدى تلك الحاسة من قبل .. أفقدتها ؟ أم لم تكن موجودة من قبل وكنت أعتقد وجودها ، عالم أخر انتقلت إليه فجأة رغما عنى ، لا أعلم كيف اتيت ولا متى ولا علم لى بما أصنع .
ملقىً على الأرض ، لا قوة لى على فعل شئ ، لا قدرة لى على الحركة ، لا أملك من أمر نفسى شئ ، شُدت يداى ووثقتا بوثاق غليظ ، صُفدت قدماى فى إطار حديدى ، الثعابين ، العقارب ، القوارض ، كل ما يزحف يتجه نحوى مسرعا حتى جيوش النمل اصطفت ووجهت رأسها صوبى كى تدرك نصيبها فى الغنيمة ، وكأنى أبكم لا أقوى على الصراخ ، العين تُبصر ولا ترى ....
حطب وأخشاب وبقايا مهشمة ، جمعت ووضعت فى شكل دائرى ، أشعل فيها النار ، الحرارة ، غريبة لا أشعر بأى حرارة ، أرى ألسنة اللهب المشتعلة تتصاعد ولا أشعر بأى حرارة ، تقترب ، تلتهم كل تلك الزواحف والقوارض التى كانت تتسابق نحوى وتتصارع لإلتهام كل ما تطاله .....
أهى فرصة للنجاة أم للإنتقال إلى مرحلة أخرى من العذاب ، عذاب ... ما العذاب ؟ أهو ما أعانيه الآن ، تلك الأشياء الغريبة التى تدور من حولى ، أسأعود مجددا إلى سابق عهدى ، أم سأبقى هنا أم أنى انتهيت وتلك الرحلة الأخرى .....
لا أعلم مقدار الوقت الذى انقضى ، بعد انتشار اللهب ، سكن كل شئ فجأة والصمت خيم ..... ثم ....

الأربعاء، 17 يونيو 2020

الكتابة فى لحظة صمت


وأحيانا تفر من تلك التى طالما أحببتها وقضيت الوقت والعمر سعيا خلفها ، الآن وقد أصبحت بين يديك وغلقت عليكما الأبواب ونزعت عن نفسها ثيابها وهيأت لك نفسها وأعدت لك النمارق ، الآن تدعها وتفر ، تمسك بطرف ثوبك فتجذبه بقوة وتجرى حتى تنكفئ على وجهك ، الآن تخاف بعد كل تلك المقدمات ، الخوف يا عزيزى ، الخوف تملكنى ، دقات القلب اضطربت ، العيون شاخصة لكنها لا ترى أبعد من تلك الرموش التى تعلوها ، جسدك يشتعل نارا ولو لمسته لقتلت بردا ، لا قوة على إتيان اى فعل ، تحتاج إلى قوة كى تحرك أطرافك حتى ، كل شئ خمل فجأة كأنما سرت فيه جيوش من النمل، تحتاج إلى من يرفع عنك غشاءك ، لمن يدفعك للأمام ولو خطوة ، ثقيلة ثقيلة أشد مما عانيت يوما ، قاسية فتوجع دون أن يطرف عينها  ، قاسية فتؤلم دون أن تلتفت أو يشعر قلبها بنغزة ولو خفيفة حتى ، تعثر فى  رحمها فلا إلى النور خرج ولا بقى آمنا بالداخل ، معلق بين وجع يتمنى أن ينتهى وبين حلم يود أن يبدأ .
فى لحظة تخلى عنه فيها كل شئ وتكدس فوق رأسه وقتها كل شئ وتجاذب أطراف ثوبه كل أعدائه وانفض عنه كل من أدعى يوما حبه وصحبته ، لو كانت غير نفسى يا عزيزى لفديتك بها ولكنه العمروالعمر رأس مال غير قابل للتعويض فما ينقضى منه لا يرجع أبدا فكيف لنا ألا نفر به كى نحفظه فالقرب منك صار مميتا فأنت أصبحت كراعٍ حول فوهة بركان يوشك أن يقع فيه أو تهلكه حممه .
هذا نداء الوقت والعقل ، الفرار الآن ليس بخوف ولا هرب ، هو عين العقل وصوت الروح والفطرة السليمة ، تنجو بنفسك اولا ولو تبقى لديك قوة اجذب إليك كل ما تستطيعه يدك ، ليس عذرا أقدمه فأنت تعلم أنه الحق ولسنا فى حاجة إلى أعذار ، لا يسمى الآن تخلى ولا يسمى هرب ، اسمه نجاة وحفظ النفس وصيانة الروح ، اسمه الآن رعاية أمانة وحب حياة .
من قال أنى لا أشعر بتمزق فى أطرافى ولا بخنجر يدور فى ضلوعى يفصلها عن بعضها ، من قال أن تلك الدموع التى تتفجر تخرج سهلة طرية ، لو وقعت أى منها على يدك لأحرقتك سخونتها ، إنها تنبع من أزيز الروح والروح قدر يغلى ويفور .
تتقلب على أشواك الألم ، أراه فى عينيك ، أسمعه فى صوتك ، اناتك تقتلنى وأهاتك توجعنى أكثر من ذاك الذى تشعر به ، النوم قبل أن يفارقك فارقنى والروح المرهقة عندك هى عندى تتلوى كمدا ووخزات الإبر ومر الدوا .
تسعفنى الكتابة ، تحاول مواساتى ، تهون على ما تلاقيه من ألم ، أخفى عنها حالك وهى تعلمه وأبتعد بها لحديث أخر فتأخذنى إليك وكأنها تعلم ان روحى معلقة بك فإن شوكة أصابتك دمت قدمى انا وإن مسك سوء سقطت مغشيا على ، ثقيلة تلك الكلمات ، ثقيلة تلك الأوقات ، ثقيلة تلك الأيام كجبال راسخات سقطت فوق صدرك كتلة واحدة .
تنزع الرداء وتلقى بنفسها على الأريكة ، تفرج عن مفاتنها ، تتغنج بكلمات الدلال ، تتقافز المتعة من عينيها ، تموء بشفتيها ، تتساقط حبات العرق ، تتبلد المشاعر ، تقف أمامها كحجر ، تصرخ وتدع كل ذلك خلفك وتفر .

تفر مما تحب إلى من تحب فكل حب هناك حب يفوقه وكل ألم هناك ما يطغى عليه والدموع راحة كل شئ والرحمة رسول لا يضل من اتبع هداه وكل نص مهما بدا مكتملا فهو منقوص .

الجمعة، 5 يونيو 2020

هنا القاهرة



فى العشرين من فبراير لعام 1910 ميلاديا بأبوكبير بمحافظة الشرقية ولد المهندس الطيار " احمد سالم " والذى سافر لانجلترا لدراسة الهندسة فتعلم الطيران واشترى طائرة خاصة عاد بها يقودها بنفسه إلى مصر قبل أن يترك الهندسة والطيران ويلتحق للعمل بالاذاعة الحكومية المصرية .
فى منتصف عشرينات القرن العشرين عرفت مصر الراديو من خلال بعض الاذاعات الأهلية والتى كانت تمول من خلال تقديمها الاعلانات التجارية ولا يتجاوز بثها أربع ساعات يوميا فى نطاق مناطق معينة وكانت البداية مع " إذاعة مصر الجديدة " ثم توالى الأمر فوجد " راديو فاروق ، راديو فؤاد ، راديو فوزيه ، ثم تقديم اذاعة أوربية حملت اسم راديو سابو" وكان للاسكندرية نصيب فبث منها "محطة راديو فيولا ".
فى مساء 31 مايو لعام 1934 صدح الاذاعى المصرى " احمد سالم " بكلمته الخالده " هنا القاهرة " وبدأ فى تقديم حفل اطلاق البث الاذاعى الأول للاذاعة الحكومية المصرية لتصبح أول دولة عربية تقتحم مجال الاذاعة ،  بدأ الحفل بأيات بينات من الذكر الحكيم بصوت القارئ الشيخ " محمد رفعت " تلى ذلك العديد من الفقرات الغنائية لكوكب الشرق أم كلثوم وموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب والمطرب صالح عبدالحى وفقرات شعرية حيث ألقى حسين شوقى أفندى قصيدة لأمير الشعراء ، تبعه على الجارم بقصيدة تحية لملك البلاد فؤاد الأول ملك مصر والسودان ، وفقرة للمونولوجست محمد عبدالقدوس وشارك فى الحفل الموسيقين مدحت عصام وسامى الشوا ، بدأت الاذاعة المصرية بأربع محطات اذاعية ثم تزايدت بعد ذلك ...
واستمر الدور الهام للإذاعة المصرية منذ بدء بثها وحتى الأن وخاصة فى خلال الفترات العصيبة فى تاريخ الوطن .
فى سنوات الصبا نشأت على صوت الراديو " الترانزستور " قبل أن نقتنى مسجل " راديو وتسجيل " وحتى بعد أن اقتنينا تلفازا فإن بثه كان من خلال قنوات ثلاث وفى وقت محدد فظل للراديو رونقه وعشقه الخاص وبالطبع كان لوالدى الدور الأساسى فى ذلك فبجواره دوما يضع الراديو وفور صلاة الصبح وللمدة التى يقضيها قبل ذهابه للعمل يظل يتنقل بين الاذاعات المختلفة فنستمع إلى الأخبار فى اذاعة صوت العرب ثم البرانامج العام لمتابعة الحديث الذى يقدم لتلاوة السادسة وبعد ذلك رحلة سريعة فى الأخبار ، يلى ذلك الانتقال الى اذاعة القرأن الكريم لمتابعة برنامج بريد الاسلام وعودة مرة أخرى إلى البرنامج العام لمتابعة نشرة أخبار السابعة ، يذهب والدى إلى عمله وأستمر بعض الوقت فى متابعة اذاعة القرأن الكريم فيرتل قارئ الملك كما اخبرنى أبى الشيخ محمد رفعت تلاوته المعتادة والتى تبث فى السابعة يليها حديث بصوت الدكتور أحمد عمر هاشم قبل أن يبدأ الشيخ الشعرواى فى سرد خواطره حول كتاب الله فى البرنامج الاذاعى " خواطر الامام " ، أتنقل بين اذاعة الشباب والرياضة والشرق الأوسط لمتابعة بعض الأخبار الخفيفة  .
برامج كثيرة فى الاذاعة المصرية تأثرت بها من خلال ما تقدمه وأذكر منها على سبيل المثال :-
" همسة عتاب " والذى يناقش شكاوى المواطنين والمشكلات التى تواجههم من خلال أداء تمثيلى ويحدد يومين أسبوعين لردود المسئولين عن الشكاوى المقدمة .
" كلمتين وبس " والذى يقدمه الفنان الشهير " فؤاد المهندس " والذى يقدم فيه النصح من خلال كلمات مبسطة باستخدام شخصية " سيد افندى " وينهى دوما حديثه بجملته الشهيرة " مش كدا ولا ايه ...." .
برامج كثيرة اعتدنا متابعتها مثل " على الناصية " للاذاعية الرائعة أمال فهمى وكل جمعه استمتع بمتابعة " ساعة لقلبك " ، والعديد من المسلسلات الاذاعية والأعمال الدرامية بخلاف النشرات الاخبارية وبعض مباريات كرة القدم إعتدت دوما فى السهرة متابعة يومية  لبرنامج الإذاعى الشهير فاروق شوشة " لغتنا الجميلة " والتتر الشعرى المقتطف من قصيدة اللغة العربية  " لحافظ ابراهيم "  " أنا البحر فى احشائه الدر كامن .... فهل سألوا الغواص عن صدفاتى .." والذى يقدم فيه قطوف من الشعر العربية فيبين شيئا من سيرة الشعراء ويناقش شيئا من قضايا اللغة .
برنامج أخر اعتدت على متابعته يوميا يقدم بالصوت الفخيم للإذاعى الراحل " أمين بسيونى " ويبدأه بجملته الشهيرة " رحلة مع مشاعل الحضارة العربية التى أضاءت جنبات العالم " إنه برنامج " كتاب عربى علم العالم " حيث يروى أمين بسيونى شيئا من سيرة العلماء قبل أن يتم الانتقال للأداء التمثيلى والذى يشارك فيه عمالقة الفن والدراما ، ومن هذا البرنامج تعرفت على الكثير من الروائع مثل " الأغانى لأبى فرج الأصفهانى ، المغنى لابن قدامة ، أبو العلاء المعرى ، الحافظ بن كثير ، شيخ القصاص يوسف بن اسماعيل ..... "
شكلت الاذاعة المصرية الكثير والكثير من ثقافتنا ودعمت فينا حب المطالعة والكتب والأدب وفتحت أمامنا الكثير من السبل ونمت معارفنا فى وقت لم يكن متاح لنا فيه مثل ما هو متاح اليوم فضلا عن التطور التكنولوجى ومواقع التواصل وتضخم وتوفر سبل ووسائل المعرفة والتعلم .
الاذاعة من أهم الوسائل التى تؤثر فى " وتشكل "  الوعى خاصة فى الأوقات التى يحتاج فيها الوطن إلى الدعم والتكاتف والاتحاد من كل أبنائه للعبور به إلى بر الأمان إذا أحسن الاستفادة منها واستغلال ما يقدم فيها من برامج وأعمال بحيث يكون هدفها مصلحة الوطن لا أن تكون صوت فئة او شخص أو جماعة أو حزب .

الثلاثاء، 2 يونيو 2020

عنها


عن تلك النظرة التى لن أنساها بعيون ضاحكة ممتلئة بالدموع ، عن تلك اللمعة المتوهجة التى تحكى كل شئ دون أن ينطق الفم بكلمة ، عن ذلك اللقاء بعد فراق سنوات مصادفة ، عن الكلمات الدافئة فى الليالى القاسية .
عن حب عاشته وضحت لأجله فكان الثمن حياتها ، عن نظرة طفولية فى لقاء أول وبهجة فتاة فى العشرين ، عن نظرة دامعة فى وقت متقدم بوجه كهل حزين ، عن تجعدات فى الشعور أتت على براءة قبل أن تصل الثلاثين ، عن حلم لم يكتمل وغيرة كنار إلتهمتها وحدها ، عن الضعف بعد قوة والعجز بعد قدرة واليأس بعد أمل والوجع بعد بهجة ، عن الكُره التى ودته فلم تجد إليه سبيلا بعد حب كان مقابله إلقاءها وحيدة فى غربة الأيام ، تلطمها الأمواج ويلفظها كل شئ .
عن طفل حاولت قدر استطاعتها وفوق استطاعتها أن تمهد له كل سبل الحياة وطرق التعلم ومباهج الوقت فلم يمهلها القدر رؤية جائزة حلمها ونتيجة تعبها وتتمة عملها .
عن شكر كسى العين مع فرصة عمل عند حاجة ، ولعبة لطفل تلبية لوعد وزيارة لجبر خاطر ووقفة دعم عند التخلى ومؤازرة يد عند ضعف .
عن أمل بعفو ، وطلب لمغفرة ، وبث لشكوى ، وسر أكل خلايا القلب و إنذار من طبيب بأن العمر يوشك أن ينتهى ! ..... رحمها الله وعفى عنها وغفر لها .

الاثنين، 1 يونيو 2020

كورونا


الزحام قاتل ، الفقر أشد قتلا يا بنى ، الفقراء لا يخشون المرض إنما يكسرهم أن يجوع أبناءهم إن لم يقدموا لهم طعاما ، لا يخشون الموت وإنما يوجعهم بكاء طفل لم يتمكنوا من كسب ثمن حاجاته .


إلزموا بيوتكم ، نحن الفقراء كالطير يا بنى نسعى لنحصل رزق اليوم بيومه ، إن قعدنا فى بيوتنا مخافة المرض فمن يكفينا شر الجوع والحاجة ، الفقر أشد فتكا وأكثر قتلا يا بنى والحاجة مذلة يا ولدى ، نحن نخشى ما يخشون لكنهم يملكون ما يغنيهم ويكفيهم إن لزموا بيوتهم أو منتجعاتهم أو جزرهم أو قصورهم أو ممتلكاتهم أياما وأسابيع وشهورا وسنوات أما نحن فإن قعدنا يوما واحدا ضيعنا من نعول ....يا ولدى ليس المرض كالفقر ، فالمرض قدر والفقر عجز !.

الصمت يطغى 
الابتعاد لمسافة أفضل 
البعد آمن 
الفزع 
 القلق 
الإعلام 
 السياسة 
 مسرح العرائس 
 الدُمى 
 القصاصات الورقية 
السحر
الشعوذة
النخاسين
القوادين
وصفات الدجالين
الخوف 
الوهم سلعة رائجة
أقنعة قماشية
أقنعة طبية
كحول
مطهرات
الخوف غلف العيون
ويل للمفسدين !


الجمعة، 15 مايو 2020

الصيف


ينتظر الطلاب قدوم الصيف حتى يرتاحون من الدراسة ويقضون وقتا سعيدا بصحبة اسرهم ، يتنزهون ، يقضون بعض الوقت بمدينة ساحلية ، يستمتعون بروعة المياه وينتظرون الشروق بلهفة مطالعة الغروب ، أما هو فكان يستمتع بذات الأشياء ولكن بشكل مختلف ووسيلة مختلفة ، يأتى الصيف وتبدأ الأجازة ويبدأ السعى للبحث عن عمل يكفى تحصيل المبلغ اللازم لشراء بعض الملابس للعام الجديد واقتناء الكتب الدراسية للسنة الجامعية الجديدة ، فى القرى الأعمال متوافرة وكلها فى الأرض تحتاج أن تمتلك القدرة والرغبة وأن تخلع عن نفسك زى الكبر قليلا ، لا يهم ان كنت تدرس فى جامعه أو فى غيرها ، المهم أن تستطيع أن تحصل قوت يومك وألا تمد يدك سائلا مساعدة ، منحك الله القدرة على العمل فاعمل مادام العمل مشروعا ، وقد يكون أمامك طريق أخر فتقضى الليل على إحدى المقاهى تشاهد شرائط الفيديو لأفلام الكونغوفو والكارتية الصينية التى اعتاد المقهى أن يشغلها وتستطيع ايضا أن تلعب البنج بونج ، أو تصحب أولئك الذين يتاجرون بأرواح الناس وأعمارهم ، تختار الطريق الذى يناسبك ويواءم احتياجاتك ، والبعض يغادر إلى المدينة بصحبة معارف له يوفرون له سبلا للعمل والبعض أهله يكفونه ذلك ...
قبيل الصلاة يستيقظ ، يجهز ثياب العمل ، يصلى الفجر ، يطرق باب الرجل الذى يعمل معه ، من الزريبة يخرج البغلة ، يعلقها بالعربة الكارو المركونة بـ " الجرن " ، يضع الفرشة والحبال وأدوات العمل فوق العربة ، تصحبهم زوجة الرجل ، يركبون جميعا فوق ظهر العربة ، يقود الرجل البغلة ، تشق طريقها فى شوارع مظلمة ، نغادر البلدة متجهين إلى المنطقة التى بها عمل اليوم ، قبيل البلدة المجاورة نركن العربة على حافة المصرف ، ينزل الأشياء من على ظهر العربة ويجهزها لبدء العمل ، يفك وثاق البغلة ، يتأكد صاحب البغلة من غمر المياه للأرض ، يدورون فى الأرض عدة دورات لتسوى المساحات المرتفعة ، على ناصية الأرض اقتطع جزء صغير أعد كمشتل للأرز ، يغمر المشتل دوريا بالماء على فترات متقاربة ، الأرز يحب الماء ويشتهيه .
سابقا تم تقليع الشتلات وتجهيزها لتوزيعها على كامل مساحة الأرض ، مساحة المشتل تتناسب مع المساحة التى ينبغى زراعتها كى لا تقل الشتلات فلا تكفى وتحتاج إلى أن تستعير أو تشترى ما يكفى للأرض أو يكون أكثر فيفسد ، نسبة وتناسب وكلها أشياء يجيدها الفلاح ولا علاقة لها بشهادات أو درجات علمية فالأرض خير معلم لأبنائها ..
بإنتظام يُحمل فرشة مصنوعة من مجموعة من الشكائر المنسوجة بالخيوط البلاستيكية وأحيانا تصنع من " مشمع " فى مقدمتها قطعة شخبية تشبه النبوت وضعت بالعرض موصول بحافتيها حبل قوى يعلق بكتف البغلة أو يعلق بكتف الشخص الذى يجرها ، " من لا يملكون سداد المبلغ اللازم لصاحب البغلة يقومون بذلك العمل لنفسهم ودوما كنا نفعل ذلك والبعض يستعين ببهائمه " ، بعد أن تملأ الفرشة بالشتلات يقود صاحب البغلة إلى داخل الأرض ويدفع من خلفه هو وزوجته ، تقسم الأرض بانتظام فينتهى من المساحات البعيدة اولا ، تصل البغلة إلى النقطة التى يبدأ بها فتوزع الشتلات على جانبى الفرشة وصاحب البغلة يقودها هنا وهناك حتى يتم توزيع كل ما على الفرشة وفى العودة يبحث عن المساحات التى فى حاجة إلى اصلاح وتسويته فيمر من فوقها وهكذا يستمر نفس المنوال حتى ينتهى توزيع كامل المشتل على كامل مساحة الأرض ، الشمس تعلو ، العرق يتساقط ، جلد القدم أصبح أبيضا مجعدا ككهل بلغ من الكبر عتيا ، قدِم الفلاحون إلى حقولهم وبدأوا إنجاز اعمال الأرض ، الأرض طيبة رائحتها ذكية ، تعطى بعطاء لمن يبذل لها من عرقه ونفسه ، وفية لا تخذل من يعاهدها ، يصونها فتوفى بوعدها ويتعهدها فتنثر حوله من خيرها .
استراحة قليلة ، بعضا من الطعام يقيم الأصلاب ويمنح القوة ، يليه بعض الشاى ، يعاودون تتمة العمل ثم ينطلقون إلى مكان أخر وهكذا حتى ينتهى العمل ، يغسل الفرشة ويحمل الأدوات فوق العربة ويعودة ألى بيوتهم ، ينزل الاشياء من فوق العربة ويضعها فى بيت صاحبها ويعيد العربة إلى " الجرن " ويربط البغلة فى مقبض حديدى أما طوالة اسمنتية ويضع أمامه التبن ويخلط به العلف ...
يعود إلى بيته فيغتسل ويبدل ثيابه وينظر إلى ما ينتظره من عمل .....


الخميس، 7 مايو 2020

لم نعد صغارا " 16 "


ثقيلة ، مرهقة ، العمل والتعلم ، مهنة لا يعرف قدرها الكثير ، وربما أساء إليها أكثر من يزاولها بجهل ، أن لا تعى قيمة ما تملك يجعلك تضيعه بأبخس ثمن وهذه هى آفة هذه المهنة خاصة فى هذا البلد ...
تتعب كثيرا كى تحصل شيئ ، تمهد طريقا وسط أرض وعرة ، قطرات العرق ، السهر ، الوقت ، الروح ، الطاقة التى تستنزفها ، كلك يذهب شيئا فشيئا فى سبيل السعى نحو حلمك ، عاهدت نفسى أن أقبض على حلمى بيدى فاستعنت بالله وبدأت الخطوات وإن مد الله فى عمرى سأصل ....
تتم الأمور دوما بالمثابرة على إنجازها ، بتحمل مشقتها ، بالسعى فى قطع خطواتها ، بالتحامل على النفس وإرغامها على فعل ما يشق عليها فعله ، النفس تميل إلى الراحة وإنجاز الأعمال يحتاج ضد ذلك ، مع شروق الشمس أسعى إلى مكتبى وقبل حضور فريق عملى بما يقارب الساعتان ، أعد خطة عمل اليوم وأجهز ما يحتاجونه لإنجاز ما يطلب منهم ، أرتب مواعيدى ومقابلاتى ، أضغط وقت الأشياء حتى أتمكن من استقطاع وقتا للمذاكرة والتعلم ..
ربما تمل النفس وتكل ، لا رغبة لدى للعمل ، أبحث عن شئ يكسر وقت الملل هذا وغالبا ما أرحل إلى كتاب ، أعمل على تغيير الحال الذى أنا فيه ، لا أرغم نفسى فى هذا الوقت ، أتركه كى يمر مثلما قدره الله وفى كل الأحوال فما نسعى إليه هو قدرنا الذى يسعى إلينا ونفر من الله إلي الله .
ربما تكمن المشقة فى إنجاز الأعمال مجتمعة معا فى وقت واحد ، تحرص على مواصلة العمل كى لا تهمل مكتبك ولا عملاؤك ولا فريق عملك ، تؤجل ما يمكن تأجيله وما لا يمكن يتم إنجازه بشكل أو بأخر ، تقلل التكليفات والمهام الموكلة لفريق العمل حتى تتمكن من المتابعة الجيدة ، نصف اليوم وأكثره أنت خارج المكتب فكل الوقت المتاح يقل عن وقت عمل المكتب المعتاد ساعتين او يزيد ، والأمور تكون أكثر صعوبة فى أيام الاختبارات .
اذهب الى المكتب أرتب الأعمال ولان مواعيد الاختبارات تبدأ يوميا فى الحادية عشرة فأضطر إلى المغادرة من مكتبى فى الثامنة او بعدها بقليل وعند الانتهاء من الاختبار أعود مجددا إلى المكتب أراجع ما تم إنجازه من أعمال وأذاكر لاختبار الغد إلى أن يقترب الليل من انتصافه فأغادر إلى مسكنى لأخذ قسطا من الراحة .
واستمر الحال هكذا إلى أن من الله عليه بفضله ورحمته وأجتزت تلك الاختبارات والتى هى فى تخطيطى بداية للمرحلة التى تليها .... إن شاء الله .
الصعوبة ، المشقة ، العائق ، هى بالقطع أمورا نسبية ، نظرتك وتعاملك معها تجعلها أشد أو أيسر وفى كل أمر مهما ظننته شاقا أستعن بالله ولا تعجز ، هكذا تعلمنا وهكذا نأمل أن نواصل طريقنا بعون الله وتوفيقه .
الفجر يولد والنور يسطع يبدد الظلام ، الطيور تسبح ، والألسنة بالذكر تشدو والعيون تنظر إلى السماء تبتسم شاكرة ....الحمد لله .

الثلاثاء، 5 مايو 2020

لم نعد صغارا " 15 "


يتعالى عواء الكلاب ، يشق نباحها صمت الليل ، حزينة ، وحيدة تجوب الشوارع الخالية ، الخالية اختيارا والخالية رغما عن قاطنيها ، تعوى وتنبح تبحث عن من يؤنسها ، ولما تمل البحث تؤانس نفسها بعوائها ....
أواصل تتمة الأعمال ، أدرس ، ألتحق بدورات تدريبية وندوات مهنية كثيرة ، أحاول حضور كل الندوات التى يعلن عنها وأكثرها ندوات مجانية ، قبل ذلك بسنوات إلتحقت بجمعية مهنية ، قدمت أوراقى لحضور الدورة التدريبية المؤهلة لحضور اختباراتها التى يشترط اجتيازها للحصول على عضويتها او مرور سنوات بعينها ورغم أنى كنت قد تخطيت عدد السنوات المطلوب إلا أنى دخلت الاختبار ومن الله على فأجتزته وأصبحت عضوا بتلك الجمعية ، كان هدفى الأول من الحصول على عضويتها حتى أتمكن من اقتناء الكتب والنشرات الدورية التى تصدرها كى يفتح امامى سبيلا جديدا لتعلم كثيرا مما لم أستطع تحصيله سابقا ولأن مطبوعاتها لا تباع ولا تتداول إلا من خلالها فقط ولأعضائها وكذا حتى أتمكن من حضور الندوات والمحاضرات والدورات والمؤتمرات المهنية التى تعقدها هذه الجمعية العريقة وكان ذلك فى بداية هذا العقد ...
بعد ذلك بسنوات قليلة كان أمامى اختبارا أخر للحصول على درجة أعلى فى مهنتى ومن الله على وأجتزته ، وكانت هذه خطوة فى خريطة محددة المعالم وواضحة الخطوات والتى رسمتها فى شكل سلم ، كل درجة أحط قدمى عليها تؤهلنى للصعود للتى تعلوها ، فقدمت أوراقى للحصول على تأهيل جديد ولكن فى هذه المرة يحتاج إلى وقت يقارب العامان إن كتب الله لى التوفيق .
استعنت بالله وقدمت أوراقى وقبيل بدء الدورات المؤهلة لخوض الامتحان الأول أصبت بكسر فى قدمى ، ولما كان لابد من الحضور حتى أستطيع التعلم وتحصيل المناهج والمواد التى تؤهلنى لاجتياز الاختبار لم يكن أمامى من سبيل بعد أن قررت عدم التأجيل إلا أن أصعد مستندا على عكاز طوابق هذا المبنى حتى قاعة المحاضرات فضلا عن مسافة تزيد عن المائة كيلو مترا اقطعها ذهابا ومثلها عودة ، أغادر مكتبى فى منتصف اليوم كى أدرك موعد المحاضرات والتى كانت تبدأ فى الخامسة مساء وتنتهى فى التاسعة وأحتاج ما يقارب الساعتين أحيانا يجاوز ذلك وأحيانا يقل عنه حتى أعود إلى مدينتى ، قبيل موعد الاختبارات فى نهاية العام كان قد من الله على وتم فك الجبس من قدمى إلا أنى لازلت أسير مستندا على عكاز ، كان الألم شديدا فى كثيرا من الأحيان ، ومرات عدة كدت أقع أثناء صعودى أو نزولى ، كنت أحزن عندما أرى نظرات شفقة فى عيون البعض ، صديقى يعمل بصحبتى فى المكتب تعب معى كثيرا كان يصحبنى فى كل الأيام وفى أيام الاختبارات كان ينتظرنى فى الخارج أما فى أيام المحاضرات فكنت قد استئذنت له من السادة المحاضرين فى الحضور بصحبتى ....
كل ألم يذهب سدى عندما تنبأ باجتيازك الامتحانات الأولى وأن المتبقى لك فقط اجتياز المرحلة النهائية حتى تحصل ما تريد ....
أى نجاح لم يسبقه مشقة تغيب لذته ،  غير مستصاغ الطعم ، سهل أن تفقده كسهولة الحصول عليه ، أما ما يأخذ من عمرك ونفسك وروحك فيكون نجاحا محفورا فيبقى راسخا قويا كجبل ....

والأجر على قدر المشقة والله لا يضيع تعبا أو سعيا واجتهادا أبدا ....

السبت، 14 مارس 2020

أمى .... والمطر


الأمطار تعاود الكرة ، أوقات طويلة ، أضاء البرق السماء عدة مرات وزمجر الرعد ، الرباح تهب تدفع أمامها السحب ، السحب تنوء من ثقل حملها ، ثم تدفق المطر  مدرارا ، منذ مطلع الصبح والمطر كثيف يهدأ دقائق وكأن السماء تلتقط أنفاسها ثم تعاود الكرة مجددا ، مياه الأمطار تراكمت  فصنعت بحيرات صغيرة فى كل منطقة خالية ، الرمال الصفراء اختفت ، غرقت ، ربما غدا نرى الطحالب تشكلت فيها وتنبت فى تلك الأماكن الحشائش والأشجار ، الطيور اختفت من السماء ، الشوارع خلت من المارة ، المحال أغلقت ، الكهرباء تارة تنقطع وتارة تعود ، الأطفال يخافون الظلام ، المياه غابت من صنابير البيوت وحضرت بكثافة فوقها وأمامها وفى كل مكان حولها ، الأشجار ترتعد والأطفال يفزعهم صوت السماء ، يروحون ويجيئون يسألون ما هذا الصوت ؟ ، القرى غرقت والبيوت الطينية كادت أن تذوب ، كم مئذنة سقطت وكم جدران تهدم بخلاف أعمدة الانارة التى تحطمت والأشجار التى ضعفت فتكسر جذعها ، المياه تكدست فى الطرق مكونة مجموعة كبيرة من البرك ، السيارات تعطلت ، حتى شبكات الاتصالات والانترنت عُطلت ، أسمع صوت المؤذن ينادى للصلاة ، المصلون يبتهلون ، يسألون الله العفو والعافية ، اللهم صيبا نافعا ، اللهم حوالينا لا علينا ، اللهم إنا نسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ، ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت بها ، خبراء الأرصاد يقولون أن الأمر مازال فى مهده والساعات الآتية ستكون مغايرة وستكون موجة عدم الاستقرار فى الأجواء أشد ولابد من الاحتياط والحذر ، كل المصالح تعطلت ، كل الخطط تغيرت ، كل المواعيد أُلغيت ، سبحان من بيده أمر كل شئ  ، "  وما نرسل بالأيات إلا تخويفا " .
كنا عندما يشتد المطر نصنع أمام باب البيت حاجزا من الحجارة والتراب لنمنع تدفق المياه إلى داخل البيت لانخفاض البيت عن مستوى الحارة ، تنزح أمى وإخوتى الماء الذى يتسرب وتنظف الأرض جيدا ونحضر بعضا من القش وأعواد النباتات الجافة كى نضعها فوق الأماكن التى تسرب إليها الماء فأصبحت طينية كى نتمكن من السير عليها ، نضع بعض الأنية عند السلم ونغطى بالمشمع الفرن ونضع فوقه أنية أخرى لتتجمع فيها الأمطار وكلما امتلأت أفرغناها وأعدناها مجددا ، كان البيت طابق أرضى تعلوه غرفة واحدة فى جانبه الغربى ، كانت مياه الأمطار تتسرب عبر السقف المكون من خشب وغاب وقش وحطب ومشمع فتنزل إلى الغرف فتغرق كل ما تطاله ، كنا نبحث عن المكان الذى ينزل منه المطر وندعمه قدر استطاعتنا بكل ما يمكن أن يسد تسرب المطر .
نجمع الأخشاب ونقطعها إلى قطع صغيرة ونجمع أعواد الحطب ونشعلها ونتجمع حولها ، دوما كانت الكهرباء تنقطع بمجرد أن يتبدل لون السماء ويستمر انقطاعها لساعات تطول وتطول ، أمى تزود اللمبات بالجاز اللازم لإشعالها وتضع فى كل غرفة لمبة وفى منتصف البيت تضع لمبتان ، أولاهما فى زاوية صغيرة شكلت فى الجدار والأخرى فوق زير نملؤه بالمياه اللازمة لحاجة البيت .
يخرج من اللمبات دخان أسود ويعكر الجاز رائحة الغرفة فنفتح الشباك كى يدخل الهواء فيهون الأمر ، تحمُل لسعة البرد أهون بكثير من تحمُل أضرار الدخان ،والبيوت التى جدرانها من طين أشد دفئا من ذات الجدران الأسمنتية ، نسخن الخبز على " المنقد " فوق الأخشاب التى هدأت نيرانها ونضع فى جانب وعاء نملؤه بالماء يعلوه الشاى ، نتناول الطعام والشراب وبعد أن ننتهى نحمد الله وأقوم إلى كتبى ، أتم واجباتى وأذاكر دروسى ، أجلس بالقرب من اللمبة فيسقط ضوءها على فيتشكل ظلا بهيئة جسد ضخم ، أغير مكانى كى يغيب الظل وتضاء الغرفة جيدا ،  وعندما أنتهى من مذاكرة دروسى أو يغلبنى النعاس أقوم إلى اللمبة فأخفض إضائتها قليلا من مفتاح فى جانبها على شكل دائرة صغيرة مصنوع من حديد أو صاج موصول بشريط الاشتعال ، تديره للأسفل فيهبط الشريط فتقل الإضاءة والعكس ، وعندما يقل الجاز الموجود باللمبة أو يتآكل شريط الاشتعال تقل إضائتها إلى أن تخفت وتنطفئ كليا ، كانت أمى تحرص دائما على أن تبقى كل اللمبات مزودة بالجاز وتحتفظ بمجموعة من أشرطة الإشتعال تحسبا لأى انقطاع فى الكهرباء فانقطاع الكهرباء فى القرى ليس وقت المطر فحسب بل اعتدنا ذلك أيام وليالى الأعياد وأوقات المباريات الهامة وأوقات الصيف الحارة وأوقات الامتحانات وكل أربعاء وغيرها  ... ، أبى وأمى يغطيان سطح البيت بحطب القطن وأعواد الذرة ونكدس فوق منها حزم القش ، يجعلون الأطراف ممتدة خارج سطح البيت كى تظلل على الجدار وتقيه من تساقط الأمطار فوقه ونعد كل ذلك حسب موسم الزرع تحسبا لأوقات الشتاء ، أمى تتابع كل ذلك وتخبر أبى أن البيت يحتاج كذا وكذا وتطلب من إخوتى البنات تنظيف زجاجات اللمبات جيدا كى تعطى إنارة جيدة ، لمبات الجاز مكونة من زجاجة غليظة داخلها شريط اشتعال موصول بمفتاح جانبى مصنوع من صاج أو حديد خفيف وتخرج من فوهة الزجاجة عبر قطعة أخرى صنعت من الصاج ، جهز بها منفذا يخرج منه شريط الاشتعال ولحفظ الإنارة يوضع فوق الفوهة زجاجة مشكلة بشكل دائرى يبدأ كبيرا ثم يصغر شيئا فشيئا إلى فوهته ، كانت أمى تعلم إخوتى كيفية تنظيف هذه الزجاجات فتضع إحداهن الخرقة وتلفها حول عود طويل وتنظف به هذه الزجاجة من الداخل جيدا فتزيل ما علاها من سمرة بسبب الدخان الناتج عن الاشتعال .
الآن عندما أرى الشوارع تغرق دون أن تجهز البالوعات والمجارى والمصارف تحسبا لذلك ، وتتسرب المياه إلى البيوت رغم حداثتها وهياكلها وجدرانها الأسمنتية القوية ، وتنقطع الكهرباء والمياه ويتعطل كل شئ ، أتذكر أمى وهى تحسب لكل شئ حسابه كى لا تنقطع الكهرباء ولا نجد لمبة ، أو تنقطع المياه ولا نجد مياها مخزنة لشئون حياتنا ، أو تتساقط الأمطار ويشتد البرد ولا نجد أخشابا أو أحطابا للتدفئة ، أو تتساقط المياه على الجدران وتتسرب إلى البيت ولا نجد ما يمنعها ، تُجهز كل شئ كى لا نتضرر من مطر الشتاء أو يمسنا سوء فأتمنى أن لو كل الحكومات أمى ....