السبت، 28 سبتمبر 2019

الليل


الليل فى هذه المدينة صاخب ، صاخب كـ ضجيج سوق العاهرات ، مفعم بالمتعة ، تفوح منه رائحة العفن ، الظلم أفسد كل شئ ، حتى تلك الزروع الخضراء أصبحت تخشى أن ترى النور ، تختبئ فى باطن الأرض تستظل بأى شئ وكل شئ خشية أن يصيبها الفزع .
الليل هادئ يا أبى ، يغلفه الصمت كـ سكون المقابر وصراخ الموتى وأنين المفقودين ، كـ ألم الأسرى وقهر الفقراء وبكاء اليتامى ونظرات الجوعى .
الليل أفسد بهجته الحمقى ، تركوا المنافقين يعيثون فى الأرجاء فسادا ، المنافقون غمروا الدنيا صياحا وعويلا ، كذبا وافتراء ، حتى أضحى لون كل شئ أسود برائحة بيض فاسد ، اختلط كل شئ حتى ضل النبلاء طريقهم .. والتاريخ لا يسطره من صنعه .
الليل يا أبى كـ صحراء موحشة ، ألقيت وسطها وحدى ، السماء تكشف سوءتها ، عارية خالية من الأقنعة ، متعثر الخطى ، مشتت التفكير ، تائه ، حائر ، عابس الوجه ، متبلد المشاعر ، صخب أبواق السيارات يصم أذنى ، ضجيج السفن ، صفير قطارات وأنين المكلومين ، من اين أتى كل هذا فى هذه البقاع الخاوية ، الخالية ، أكاد لا أرى أناملى ، الظلام هو السيد الآن ، يحكم قبضته ، ضائع أنا تحت أكوام مكدسة من الرؤى ، من المشاهد المقتطعة من أفلام رخيصة ، كــ نص غير مكتمل ، تاهت ملامحه ، لا تعرف له بداية ولا نهاية ، لا تعرف سبب مهده ولا حقيقة وجوده ، الظلم قاسى والوطن دوما هو الفريسة ، والنتائج يتحملها الضعفاء  .
الليل محطم ، تدهور بشكل بالغ ، لأول مرة أراه يبكى ، وكأنه لا يعرف ماهيته ، الظلم حطم كبرياءه ، جعل منه هشا احمقا لا يملك من امر نفسه شئ ، كـ دمية فى يد أحمق غبى متغطرس ، يظن أنه يمتلك كل شئ ، يعرف كل شئ ، يحكم فى كل شئ ، رغم أنه لا شئ ، هى فقط مرآة حمقاء كاذبة تزين للبعوض أنهن فراشات .

الخميس، 26 سبتمبر 2019

لتلك اللحظة


أغيب عند هذا الجانب المظلم ، أسترق السمع إلى البحر تداعب موجاته شاطئه ، تهزمنى الدموع رغم إبتسامة قنعت بها ملامحى ، تواريت عن مرأى القمر ، نزعت ثيابى ، ألقيت بنفسى دفعة واحدة فى جوف تلك الموجات ، تركت لها نفسى ، تغرقنى ، تلقى بى هنا وهناك ، تدفعنى إلى أى وجهة تفضلها أو تهواها .
المياه باردة ، أشعر أن جسدى كـ نار تلظى ، الدموع تطفو على السطح ، أنسحب إلى الأعماق ، إلى نقطة لا أعلم مداها وأعود فأطفو ، هشا كـ زبد البحر لا قوة لى ولا حيلة .
الضوء أسود ، الموج أزرق ، الليل حالك ، الموج أصم ، أبكم ، غبى كـ ثور هائج ، وديع كـ حمل ، قوى كـ نمر ، ضعيف كـ هر ، مخادع كـ ذئب ، وفى كـ ذئب ...
البحر مخيف ، البحر خائف ، يهرب مبتعدا عنى ويتلقانى كـ عناق أب ، يبوح لى بكل ما سمع ، يقص على أسراره ، عن أولئك الذين حاول أن يبقيهم آمنين فأبوا ، عن أولئك الذين خدعوا فقبلوا وعن أولئك الذين يحاكون حالى .
الظلام يؤلف ، أجرى على الشاطئ حتى كأنى اسابقه وأعود حتى كأنى خشيت فقدانه ، أجرى أكثر وأكثر ، أرغب فى أن أقطع كل هذا الشاطئ حتى ينتهى ، أنفث كل هذا الغضب ، أنسى كل تلك الأشياء ، الأحداث ، الأشخاص ، حتى أنسى أنى نسيت ...
أفر... لا أعلم من أى شئ  ، أختبئ فى جوف الظلمة وأصدح بأعلى صوت ، الصوت رحمة والبكاء دواء ..
الليل يمضى ، الوقت ينتهى ، الموج يغيب ونسينى فى جوفه ...

الأحد، 22 سبتمبر 2019

سجن


أصبح رهينا لكل ما حدث قبلا ، لا يقوى على التخلص من الذكريات ، الآثار محفورة فى كل مكان ، الأوراق ، الصور ، الكلمات ، الكتب ، الألوان ذاتها مخضبة بهيئتها ، غارقة برائحتها ، مطلية بخمرها ، الأصوات مرتبكة ، متلعثمة ، لا يميز أى الأصوات ليس بصوتها ، الحنين قاتل والوجع مسيرة عمر والألم مسكنه الروح ...

لم تعد الطيور تغرد ، وحده الغراب ينعق قيقذف عليه ما فى جوفه ثم يفر وكأن العقبان تطارده ، النوارس أصبحت تخشى الاقتراب من المياه ، يلقى لها ما يحمله عساها تقترب كسابق عهدها ، تنظر إلى ما ألقى وتلتفت إليه ، تنظر حائرة ثم تغرب إلى لا مكان أو أى مكان لا يشبهه .
نسمات البحر جافة ، حارقة كأنما نبعت من ثغر بركان يفور ، الروح بها أزيز كأزيز المرجل ، العين كلمى والليل أصم ، الصبح يأتى متعثر الخطى يحمل قمرا بعد أن ضلت الشمس الطريق إليه .
الوقت سجن ، جداره الذكرى ، العقاب فيه صداها ، ليس بأقوى فى العقاب من أن يترك المرء للذكريات فهى كفيلة بأن تبدل حاله وتضعف بدنه وأهون العقاب أن النوم يفارق مضجعه والليل سنوات تيه ، والوطن كل ذلك .

الجمعة، 20 سبتمبر 2019

الصمت ... ذنب !

ليس أكثر مللا من هذا الذى يقضى الوقت منتظرا ، حتى أنه لا يعلم ماذا ينتظر تحديدا ، فقط ينتظر ، يجر بأسنانه عقارب الساعة يدفعها ليس إلى جهة محددة فقط يدفعها لتتحرك ، تباغته وتعود من حيث بدأت ، رأسه يدور ، كنت هنا قبلا وتخطيت هذا الوقت فكيف أرانى مستقرا على ناصيته ، قط لم أتزحزح عن مكانى ، هى فقط تهيؤات فى خلدك ، لن أمضى قبل أن يحن الأوان ، لا تتعجل الرحيل فكل شئ يجرى لأجل ...
القمر ... اين القمر ؟!
فى ليل سرمدى ، ضوءه حالك ، هواءه مربك ، هواءه ؟! ... ليس به هواء ، هى ليلة عقيمة نزعت من رحمها مهبط النسمات ، حتى عواء الكلاب غاب ، الكل اجتمع على الصمت .
الصمت ... ما الصمت ؟!
سكون ساذج ، ضحك مخادع ، تظن ثم تدرك " إن بعض الظن إثم " ، وقت يعج بالخوف ، بالترقب ، بالتفكير ، متى وكيف وماذا ولماذا وأين ؟
السكون ناصح ضال ، يشبهنى تماما ، يرتدى ثوب النصح ويقود خطواتك إلى الهوى .
الهوى ... ما الهوى ؟!
شغف اللذة ، نشوة الأمنية ، متعة المراد ، شبق الشهوة ، كل شء ولا شئ ، سبل متقطعة رغم توازى الخطوات ، تأخذك إلى درب الوحدة .
الوحدة ... ما الوحدة ؟!
أهو ذلك الوقت الذى تنتظره ، أما الغائب الذى تترقبه ، أما هى مشاعرك المرتبكة ، أفعالك التى تخجل منها ، تصرفاتك الحمقاء ، كتاباتك الملقاة فى كل موضع ، أوراقك المبعثرة ، أعمالك المؤجلة ، قائمة القراءات التى لا تنتهى ، قبلة لم تنسى مذاقها شفتيك ، ضحكة كصهيل خيل تسكر عقلك ، تسحر لبك وتفعل بك الأفعال .
السحر ... ما السحر ؟ !
السحر .. أنت !
الكلمات تعشق الغياب فى أشد أوقات حاجتك لها ، طرح جوف ، صرخة عقل ، ثورة خجل ، دموع الوقت ، بهجة المكان وحزنه ، نبض القلب ودقاته ، الأرقام التى لا تنطق ، الحقائق التى تهرب من البوح بها وهى الحاجة ... هى أنت !
الكتابة ... صمت وسكون وانتظار ... ذنب لا توبة منه ... حتى حين .

السبت، 14 سبتمبر 2019

شوق الدرويش

لم يدر فى ذهنى أن تلك الصفحات ستسرقنى إلى هذا الحد ، الرواية بقربى منذ صدورها لكنى لم أقرأها ، تركتها وكل مرة أتناول كتابا أقترب منها ثم أدعها لغيرها واليوم وقعت يدى عليها ، بدأت الصفحات وبدأت معها خواطرى وما إن وجدت الوقت حتى إلتهمتها كاملة ، ما بين درويش ودرويش تدور الرحى وينتشر الحب ويظلل السماء الموت ، فى بعثة كنسية تهرب حواء " اسمها بعد ذلك " من اعتصار ابن بائع الزيتون لشفتيها المربكتين ، عيناها واسعتان كبحيرة عسل ، انفها به طول محبب وشفتاها وحشيتان ، شعرها البندقى يتحدى خمارها ويسيل كالنهار المشرق ، عذابها ورقها لم يزيداها إلا فتنة ... عيناها تحملان حزنا دائما ...
ثمان وعشرون ليلة فى رحلة من مصر إلى السودان تمر بـ " سواكن " فتأنس بها – مدينة عربية عتيقة مبانيها أشبه بخيالاتها عن الليالى العربية ، ألف ليلة وليلة ، بيوت من طابقين أو ثلاثة ، من حجر مرجان كلس مستخرج من قعر البحر وعلى الشوارع الضيقة تطل الشرفات الخشبية .
القاهرة – الاسكندرية – سواكن – الخرطوم – أم درمان ...
تغادر أمها وأبيها مودعة تحنو إلى عالم جديد فى سنوات تقضيه فى تلك البعثة الكنسية تعلم الرعايا وتنشر الأهداف الكنسية ولا تعلم أن هذا وداعها الأخير لهم ...فى صحبتها من هنا فى مثل عمرها ومن هن أكبر ، من سبق لهن السفر ومن هن مثلها لم يذقن طعمه قبلا .
قافلة تقطع الصحراء طوال المسير ومدينة أهلها يأكلون لحوم البشر ، يونس أول من تأنس به وتفرح بقربه وأول من يهديها هديه وأخر من ينتزع منها الحياة ، دليل تعشقه جمالها فتبتسم له ، قساوسة ورهبان يحنون عليها وأقارب جعلوا منها ابنتهم بعد موت ابنتهم وعجوز تخدمها وتعلمها اللغة وزوجة شيخ تفرح بها وتهون عليها أوجاعها ..
بخيت منديل " عبد " مهما تغيرت السنوات ودارت بن الناس السنن ، أينما حل أصبح عبدا فى السودان ، فى مصر ، فى السجن ، وفى عشقها يموت " عبدا " .
أيتها الطفلة النارية شفتاك من نبيذ الشيطان ... من أى مرمر نحتتك الملائكة ؟ ....
تقاربها فى البياض المشرق كأنها دفقة هاربة من نور الصباح ..
لا يطمع أن تحادثه ، هى غضبى كعادتها ، يريد فقط نظرة من بُعد ، لعلها تروى اشواقه ، ترطب يباس روحه .. حين يرى وجهها لا يسكن الشوق لكن ينتظم عالمه وتسرى فى عروقه القوة فإذا غابت أحسن انسحاب الحياة من جسده ... هى كالروح .
يتخطف النظرات إليها ، ينتظرها عند العصر فى سقيفة بائع الخضار ، كانت تلقاه صدفة أما هو فكان يعد الأوقات وإن غابت غابت روحه ..
الموت يظلل على المدينة ، لم يعد هناك مكان آمن – الجوع يغلف كل شئ حتى أكلت الأم صغيرها حتى " مريسيلة " كادت أن تأكل لولا أن الحياة لا زالت تحمل لها أحوالا وأحوال ..
" مريسيلة " كل من يلقاها يشتهيها أما هى فتشتهيه وهو ملتبس بحواء فلا يرى غيرها ..
حواء .. الماء يسيل على جسدها ، عارية كبهجة متوحشة ، بيضاء كحليب البلابل ، شعرها البندقى مبلل يلتصق بعنقها ويتشبث بوجنتيها ، عنقها طويل كغزال ونهداها ثمرتى تبلدى .
بخيت – عيناه حائرتان كطفل ، صافيتان كنهر ، يحاصره الوجع .
لا تحب النساء العاشق ، إن كنت وضعت بين ساقيها ما يشبع غلفتها لملكتها .
حسن ... فاطمة ... وما أدراك ما فاطمة ؟ ! ..
القتل يزداد ، يأكل كل شئ فى مدينة تعج بالأوربيين والمصريين والأتراك ، المدينة ترتجف يكسوها يأس حزين ، الهواء رطب مشبع بالملح ينضح ببرودة خفيفة والسماء مثقلة بالسحب توشك أن تسقط على البيوت .
وليلة الاحتفال تكون ليلتها وحفار قبور تفتنه رائحة المسك والخمر سكرها أشد .
دين المحبة يقتل .. دين المحبة قيد ... إن الحرية فى إخلاص المرء لقيده .


الخميس، 12 سبتمبر 2019

كنت فى بالى

حاولت عبثا الكتابة ، الهروب إلى ذلك الملجأ الذى لا يتركنى مكبلا بجراحى ويركض ، تتسابق الكلمات إلى شفة القلم ، تشتعل ، تلتهب ، تقئ نارا موقدة ، تستعر وتتأجج ، تأتى على كل ما تدركه أو يدركها سهوا كان أو خطأ .

بعض المواقف والأحداث لا نستطيع تبرير حدوثها ولكنها حدثت وتحدث ، كل ما نفر منه يسرع نحونا ...

على عجل أصف الكلمات فتفر منى ، تحوم حول الحمى يوشك أن تتخطى جدرانه ، تقتلع نوافذه وتحطم أصفاده ، لم يعد الأمر بهين على القلب ... ينزف من فرط شوقه .

الرؤيا أفسدت كل شئ ، كل العقبات التى ظن أنه تخطاها تهدمت أول ضحكة ، ارتبكت  فانسكب الماء يغرق كل شئ أدركه ،  عندما إلتقت عينى بعينيها المشاغبتين ، الأنفاس عادت إلى سابق عهدها ما غيرها الغياب ...

لسه انت كنت فى بالى حالا من مفيش ....

يرتجف القلم ، تغسل الدموع الأعين ، الإثم إثمك ، أنت اقترفته والآن تنال جزاء صنيعك ، الروح أصبحت ثقيلة كأطنان صخر تكدست ... فلا يقوى البدن على تحملها ، يا قلب إنما الحب شر فإتقه ..

من بعدى عايش ولا مش عارف تعيش ...

الأحزان كأنها الشاطئ على بحر لا بر له سواها ، الوجع سرمدى ، والآلم مسافة عمر والقلب غلفه التعب .......

الأربعاء، 11 سبتمبر 2019

لم نعد صغارا " 12 "


تتوالى الأيام تترا تجر بعضها بعضا ، يزحف الناس الى المكان ، المساحات الخاوية أصبحت تشتعل ضجيجا كل وقت ، صوت أبواق السيارات يتعالى خاصة فى وقت الصباح عند انصراف الجميع الى اعمالهم وساعة الغروب عند إيابهم ، الازدحام يسبب العديد من المشاكل كالعادة عندما تكتظ السيارات وتتلاقى عند هذه المفارق ،  أصوات احتكاك الاطارات بالأرصفة ورائحة المكابح تتعالى مع كل مسرع يفاجئه الدوران ، ورش السيارات انتبهت للأمر فاتخذت من هذا المكان مقرا لها ، أصبت البقعة الهادئة قلما تكون كذلك دوما يطغى عليها الطرق بالمطارق وأصوات ألات تغيير الاطارات .
بالجوار مقهى يرتاده الكثير فى مدينة كان سكانها نادرا ما يرتادون هذه الأماكن فكانت معدودة وقتها والآن أصبحت تعج بالمقاهى  ، رائحة الشيشة تختلط برائحة مكابح السيارات ، ورشة لحام حديد تنفس رائحتها هى الأخرى فيختلط الجميع وتضيع راحتنا وسط ذلك ، رواد المقهى من أولئك الشباب الذين يجدون من ينفق عليهم وأولئك الذين يقتنصون بعض الأوقات لتعاطى شيئا مما يكره وبعض الصبية ممن فروا من مدارسهم ومعاهدهم تصحبهم بعض الفتيات ممن يعتقدن أن مع هؤلاء تتم الحياة وبين هذا وذاك تتفك عرى المجتمع وروابطه فلا هذا ذهب إلى تعليمه ولا ذاك بحث عن عمله وضل أمل الوطن فى أبناء يشيدون مجده وقل من يتخذ من المكان مقرا للترفيه عن نفسه قليلا ولقاء أقرانه وأصحابه فى مكان يناسب وقتهم وليت الوقت ينقضى دون شجار .

الاثنين، 9 سبتمبر 2019

لم نعد صغارا " 11 "


إنتقل التفكير الى زاوية أخرى حيث تخطط لمستقبلك فلابد من السعى نحو بلوغ الأهداف المنشودة ، العمل هو السبيل فلابد من إعطائه الأهمية الأولى حتى الوصول للمبتغى .
تتوالى الساعات التى أمكثها فى العمل أو بالمعنى الدقيق فى مكان العمل لعل وعسى تتحسن الأمور ، وشيئا فشيئا يمن الله على وأستطيع إدخار مبلغا من المال ، فكرت أن أستفيد به فى التقديم لاقتناء مكتب بمكان جيد للتخلص من كثرة الانتقال وتغيير مقر العمل بسبب القيم الايجارية التى تتزايد بشكل لا يعقل ، بحثت كثيرا بصحبة بعض الأصدقاء وقضينا اياما نسعى على أقدامنا نبحث عن مكان مناسب ولكن المبلغ كان صغيرا أكثر مما نظن فلم يمكننا من التقديم على أى شئ وفى خضم سعينا وبحثنا تعثرت برجل طيب القلب عرفته سابقا فى أعوامى الأولى فى هذه المدينة ، كان يعمل بالأمن فى الشركة المالكة للعقار الذى كان به مقر عملى ، جلست إليه وتحدثت معه مرات ومرات ، أخبرنى أن لديهم بعض أصحاب الوحدات يريدون بيعها وأنه يستطيع التحدث معهم فى الأسعار ولكن كانت المشكلة دوما فى أن المبلغ المدخر صغير يقل أحتاجه إلى أربع أضعافه كى يستطيع اقتناء تلك الوحدة الصغيرة التى يتكلم عنها ، استخرت الله وطلبت منه التحدث إلى ملاك الوحدة ليصل معهم الى السعر الأخير وكيفية السداد وكان الأمر أن تم تخيض السعر قليلا لكن السداد نقدا غير أن الوحدة مستحق عليها بعض الأقساط للشركة المنشئة للعقار ولم يحن موعد استحقاقها فيستطيع المشترى الجديد أن يتم سداد الأقساط حينما يحن موعد استحقاقها وكانت تعادل ربع المبلغ تقريبا .
وللمرة الأولى ألجأ إلى الاقتراض وليس اقتراضا لقيمة بسيطة ولكنه مبلغ كبير ولا أعلم كيف سأقوم بسداده لكن فضل الله على أنه أعاننى على الادخار ممن لا يطالبوننى بتعجيل السداد .
الفترات من يونيه الى منتصف أغسطس كانت هى فترات البحث والتفاوض وفى أغسطس تم الاتفاق والتعاقد بفضل الله وكرمه .
كان يتبقى لى فى عقد الأيجار مدة تقارب العام كاملا حتى أجدد التعاقد أو أرحل مغادرا المكان ، وحتى لا أضع رأسى بين المطرقة والسندان اجتهدت بكل ما استطعت حتى أتمكن من إنهاء تشطيب المكتب الجديد خلال فترة بسيطة وفى خلال ثلاثة شهور تم الأمر وفى منتصف نوفمبر انتقلت إلى المكان الجديد مغادرا المكتب المستأجر بعد ثلاثة أعوام أو ما يقاربها قضيتها فيه ، ساعدنى على إتمام هذا الأمر فى هذا التوقيت هؤلاء الشباب الجيدون الذين كانوا يعملون معى فى تلك الفترة وحرصوا على مساعدتى قدر استطاعتهم ولم يدخروا وقتا أو مجهودا فى فعل ذلك .
لم يكن بالأمر اليسر فعل ذلك ولولا توفيق الله وفضله ما استطعنا ، لقد كنا نحمل الرمال والسيراميك والأسمنت وكل ما يحتاجه العمال من مؤن فوق أعناقنا كى تتم أعمال التشطيبات ، كنا نشد على ايديهم ، نلازمهم طوال الوقت حتى يعطوا الاهتمام الكافى للعمل لينجز فى أقل وقت ممكن ، الله وحده يعلم كيف تدبرت المبالغ المطلوبة للقيام بالتشطيبات فى هذا الوقت بخلاف ما يسدد معها من أقساط وما يتكلفه المحافظة على سير العمل بالمكتب دون تعطل أو تأخير لمصالح العملاء ، حتى أنا نفسى أتعجب وإلى الآن كيف تم ذلك ولكن يسر الله غالب .

الخميس، 5 سبتمبر 2019

باب موارب

رغم قساوة كل ما كان وصعوبة ما حدث ، رغم كلمات اللقاء الأخير وغلظتها ، رغم تلك النظرات الجامدة ، القاسية ، الدامعة ، لحظة ختام ولن يكون هناك بعدها عودة إلى هنا .... أبدا 
ربما الصمت هو ما يؤلم أكثر لكن ما أدراك أن الحديث وقتها سيجدى ، ربما كان سيزيد الأمور سوءا ، الصمت والنظرة الأخيرة المغلفة بالعتاب تكفى .. ربما تكون هى مفتاح العودة ، الباب الذى ترك مواربا فإن عدت وجدت مكانك دافئا وكأنك ما غيبت عنه سوى مسيرة بسمة ....
الأوقات الخالية سترغمك على استرجاع شريط الذكريات ، تمر أمام عينيك كل لحظة وكأنك تعيشها ، رغما عنك تبتسم فجأة ، تبكى فجأة ، تصرخ فجأة ، وجهك يشتعل احمرارا ، عيناك تلمع ، يديك يغطيها العرق فى شتاء ديسمبر ، شفتاك تعضان على بعضهما بقسوة ، دقات قلبك تتارجح صعودا وهبوطا ..
لا تقطع دوما خيط الوصال الأخير ودع " شعرة معاوية " متصلة فربما يأتى يوم وتكون هى السبيل الوحيد للعودة ...

الأربعاء، 4 سبتمبر 2019

بيع قلبك

بيع قلبك ... بيع ودك ... شوف الشارى مين
تحاول أن تبدى شيئا مما كانت عليه بإبتسامة كانت قديما صاخبة ولكن مهما علا صوت الضحكات فذاك لا يخفى ما استقر بالقلب ، قتامة تلك الأوقات وما صارت إليه الأحوال أفسدت كل شئ رغم محاولة الاندماج بين الكثير ولكن ربما تلك السنوات كان لها شديد الآثر علي حالها فلا تستطيع التخلص منه بسهولة لذا سعت إلى محاولة شغل كل تلك الأوقات والمساحات بأخرين سواء كان ذلك يناسبها أم لا ، لابد من ملئ كل تلك التجويفات وسدها بما يشغلها حتى تمتلئ الحياة ...
شوف عهدى ... مين بعدى  ... حايصونهولك مين ...
محاولة التلفظ ببعض الجمل والكلمات التى كانت تخص أوقاتنا وحدنا لن يبدل من الأمر شئ ، لم نكن قبلا مصطنعين ، كنا نترك الأمور على سجيتها ، يحدث كل شئ بشكل عفوى ، لا نتدخل فيه مطلقا ، لذا عندما نحاول الآن استخدام نفس ما كنا نتلفظ به حينها لن يعيد الأمور الى طبيعتها ولن سيشوه اللحظات ويفسد الذكرى ...
العهد اللى رعاك ... والقلب اللى فداك ... ايامه عمرها بسنين ... شوف الشارى مين
ربما يستطيع اولئك الجدد أو من يقع عليه الاختيار منهم من شغل مساحة بعينها وربما ينسيك ما كان يوما ولكن ما يسرى فى الروح دواءه الروح ...الروح ذاتها
قبل ما تنسى العهد الغالى ... فكر ليله وهات لياليه
شوف مين غيرنا قضى ليالى ... عايشة بعمر شبابى فيه ..
أعلم أنك تسعى للتخلص من كل ما اقتنيناه سويا وربما يمكنك ذلك .. ولكن كيف يمكنك التخلص من المواقف والأوقات والذكريات ... وتلك الرائحة .... مهما كان يمكن التخلص فإن البعض يبقى آثره ....
هتلاقى خطوة قلبى وقلبك .... مستنية هناك 
شايلالى كلمة فضلت ... منك لما كنت معاك  ... شوف الشارى مين ....
انا يسعدنى تبعد عنى وتجرب غيرى فى هواه ...
شوف مين حبه أكتر منى ... لو شاف اللى انا شفته معاك ...