الجمعة، 15 مايو 2020

الصيف


ينتظر الطلاب قدوم الصيف حتى يرتاحون من الدراسة ويقضون وقتا سعيدا بصحبة اسرهم ، يتنزهون ، يقضون بعض الوقت بمدينة ساحلية ، يستمتعون بروعة المياه وينتظرون الشروق بلهفة مطالعة الغروب ، أما هو فكان يستمتع بذات الأشياء ولكن بشكل مختلف ووسيلة مختلفة ، يأتى الصيف وتبدأ الأجازة ويبدأ السعى للبحث عن عمل يكفى تحصيل المبلغ اللازم لشراء بعض الملابس للعام الجديد واقتناء الكتب الدراسية للسنة الجامعية الجديدة ، فى القرى الأعمال متوافرة وكلها فى الأرض تحتاج أن تمتلك القدرة والرغبة وأن تخلع عن نفسك زى الكبر قليلا ، لا يهم ان كنت تدرس فى جامعه أو فى غيرها ، المهم أن تستطيع أن تحصل قوت يومك وألا تمد يدك سائلا مساعدة ، منحك الله القدرة على العمل فاعمل مادام العمل مشروعا ، وقد يكون أمامك طريق أخر فتقضى الليل على إحدى المقاهى تشاهد شرائط الفيديو لأفلام الكونغوفو والكارتية الصينية التى اعتاد المقهى أن يشغلها وتستطيع ايضا أن تلعب البنج بونج ، أو تصحب أولئك الذين يتاجرون بأرواح الناس وأعمارهم ، تختار الطريق الذى يناسبك ويواءم احتياجاتك ، والبعض يغادر إلى المدينة بصحبة معارف له يوفرون له سبلا للعمل والبعض أهله يكفونه ذلك ...
قبيل الصلاة يستيقظ ، يجهز ثياب العمل ، يصلى الفجر ، يطرق باب الرجل الذى يعمل معه ، من الزريبة يخرج البغلة ، يعلقها بالعربة الكارو المركونة بـ " الجرن " ، يضع الفرشة والحبال وأدوات العمل فوق العربة ، تصحبهم زوجة الرجل ، يركبون جميعا فوق ظهر العربة ، يقود الرجل البغلة ، تشق طريقها فى شوارع مظلمة ، نغادر البلدة متجهين إلى المنطقة التى بها عمل اليوم ، قبيل البلدة المجاورة نركن العربة على حافة المصرف ، ينزل الأشياء من على ظهر العربة ويجهزها لبدء العمل ، يفك وثاق البغلة ، يتأكد صاحب البغلة من غمر المياه للأرض ، يدورون فى الأرض عدة دورات لتسوى المساحات المرتفعة ، على ناصية الأرض اقتطع جزء صغير أعد كمشتل للأرز ، يغمر المشتل دوريا بالماء على فترات متقاربة ، الأرز يحب الماء ويشتهيه .
سابقا تم تقليع الشتلات وتجهيزها لتوزيعها على كامل مساحة الأرض ، مساحة المشتل تتناسب مع المساحة التى ينبغى زراعتها كى لا تقل الشتلات فلا تكفى وتحتاج إلى أن تستعير أو تشترى ما يكفى للأرض أو يكون أكثر فيفسد ، نسبة وتناسب وكلها أشياء يجيدها الفلاح ولا علاقة لها بشهادات أو درجات علمية فالأرض خير معلم لأبنائها ..
بإنتظام يُحمل فرشة مصنوعة من مجموعة من الشكائر المنسوجة بالخيوط البلاستيكية وأحيانا تصنع من " مشمع " فى مقدمتها قطعة شخبية تشبه النبوت وضعت بالعرض موصول بحافتيها حبل قوى يعلق بكتف البغلة أو يعلق بكتف الشخص الذى يجرها ، " من لا يملكون سداد المبلغ اللازم لصاحب البغلة يقومون بذلك العمل لنفسهم ودوما كنا نفعل ذلك والبعض يستعين ببهائمه " ، بعد أن تملأ الفرشة بالشتلات يقود صاحب البغلة إلى داخل الأرض ويدفع من خلفه هو وزوجته ، تقسم الأرض بانتظام فينتهى من المساحات البعيدة اولا ، تصل البغلة إلى النقطة التى يبدأ بها فتوزع الشتلات على جانبى الفرشة وصاحب البغلة يقودها هنا وهناك حتى يتم توزيع كل ما على الفرشة وفى العودة يبحث عن المساحات التى فى حاجة إلى اصلاح وتسويته فيمر من فوقها وهكذا يستمر نفس المنوال حتى ينتهى توزيع كامل المشتل على كامل مساحة الأرض ، الشمس تعلو ، العرق يتساقط ، جلد القدم أصبح أبيضا مجعدا ككهل بلغ من الكبر عتيا ، قدِم الفلاحون إلى حقولهم وبدأوا إنجاز اعمال الأرض ، الأرض طيبة رائحتها ذكية ، تعطى بعطاء لمن يبذل لها من عرقه ونفسه ، وفية لا تخذل من يعاهدها ، يصونها فتوفى بوعدها ويتعهدها فتنثر حوله من خيرها .
استراحة قليلة ، بعضا من الطعام يقيم الأصلاب ويمنح القوة ، يليه بعض الشاى ، يعاودون تتمة العمل ثم ينطلقون إلى مكان أخر وهكذا حتى ينتهى العمل ، يغسل الفرشة ويحمل الأدوات فوق العربة ويعودة ألى بيوتهم ، ينزل الاشياء من فوق العربة ويضعها فى بيت صاحبها ويعيد العربة إلى " الجرن " ويربط البغلة فى مقبض حديدى أما طوالة اسمنتية ويضع أمامه التبن ويخلط به العلف ...
يعود إلى بيته فيغتسل ويبدل ثيابه وينظر إلى ما ينتظره من عمل .....


الخميس، 7 مايو 2020

لم نعد صغارا " 16 "


ثقيلة ، مرهقة ، العمل والتعلم ، مهنة لا يعرف قدرها الكثير ، وربما أساء إليها أكثر من يزاولها بجهل ، أن لا تعى قيمة ما تملك يجعلك تضيعه بأبخس ثمن وهذه هى آفة هذه المهنة خاصة فى هذا البلد ...
تتعب كثيرا كى تحصل شيئ ، تمهد طريقا وسط أرض وعرة ، قطرات العرق ، السهر ، الوقت ، الروح ، الطاقة التى تستنزفها ، كلك يذهب شيئا فشيئا فى سبيل السعى نحو حلمك ، عاهدت نفسى أن أقبض على حلمى بيدى فاستعنت بالله وبدأت الخطوات وإن مد الله فى عمرى سأصل ....
تتم الأمور دوما بالمثابرة على إنجازها ، بتحمل مشقتها ، بالسعى فى قطع خطواتها ، بالتحامل على النفس وإرغامها على فعل ما يشق عليها فعله ، النفس تميل إلى الراحة وإنجاز الأعمال يحتاج ضد ذلك ، مع شروق الشمس أسعى إلى مكتبى وقبل حضور فريق عملى بما يقارب الساعتان ، أعد خطة عمل اليوم وأجهز ما يحتاجونه لإنجاز ما يطلب منهم ، أرتب مواعيدى ومقابلاتى ، أضغط وقت الأشياء حتى أتمكن من استقطاع وقتا للمذاكرة والتعلم ..
ربما تمل النفس وتكل ، لا رغبة لدى للعمل ، أبحث عن شئ يكسر وقت الملل هذا وغالبا ما أرحل إلى كتاب ، أعمل على تغيير الحال الذى أنا فيه ، لا أرغم نفسى فى هذا الوقت ، أتركه كى يمر مثلما قدره الله وفى كل الأحوال فما نسعى إليه هو قدرنا الذى يسعى إلينا ونفر من الله إلي الله .
ربما تكمن المشقة فى إنجاز الأعمال مجتمعة معا فى وقت واحد ، تحرص على مواصلة العمل كى لا تهمل مكتبك ولا عملاؤك ولا فريق عملك ، تؤجل ما يمكن تأجيله وما لا يمكن يتم إنجازه بشكل أو بأخر ، تقلل التكليفات والمهام الموكلة لفريق العمل حتى تتمكن من المتابعة الجيدة ، نصف اليوم وأكثره أنت خارج المكتب فكل الوقت المتاح يقل عن وقت عمل المكتب المعتاد ساعتين او يزيد ، والأمور تكون أكثر صعوبة فى أيام الاختبارات .
اذهب الى المكتب أرتب الأعمال ولان مواعيد الاختبارات تبدأ يوميا فى الحادية عشرة فأضطر إلى المغادرة من مكتبى فى الثامنة او بعدها بقليل وعند الانتهاء من الاختبار أعود مجددا إلى المكتب أراجع ما تم إنجازه من أعمال وأذاكر لاختبار الغد إلى أن يقترب الليل من انتصافه فأغادر إلى مسكنى لأخذ قسطا من الراحة .
واستمر الحال هكذا إلى أن من الله عليه بفضله ورحمته وأجتزت تلك الاختبارات والتى هى فى تخطيطى بداية للمرحلة التى تليها .... إن شاء الله .
الصعوبة ، المشقة ، العائق ، هى بالقطع أمورا نسبية ، نظرتك وتعاملك معها تجعلها أشد أو أيسر وفى كل أمر مهما ظننته شاقا أستعن بالله ولا تعجز ، هكذا تعلمنا وهكذا نأمل أن نواصل طريقنا بعون الله وتوفيقه .
الفجر يولد والنور يسطع يبدد الظلام ، الطيور تسبح ، والألسنة بالذكر تشدو والعيون تنظر إلى السماء تبتسم شاكرة ....الحمد لله .

الثلاثاء، 5 مايو 2020

لم نعد صغارا " 15 "


يتعالى عواء الكلاب ، يشق نباحها صمت الليل ، حزينة ، وحيدة تجوب الشوارع الخالية ، الخالية اختيارا والخالية رغما عن قاطنيها ، تعوى وتنبح تبحث عن من يؤنسها ، ولما تمل البحث تؤانس نفسها بعوائها ....
أواصل تتمة الأعمال ، أدرس ، ألتحق بدورات تدريبية وندوات مهنية كثيرة ، أحاول حضور كل الندوات التى يعلن عنها وأكثرها ندوات مجانية ، قبل ذلك بسنوات إلتحقت بجمعية مهنية ، قدمت أوراقى لحضور الدورة التدريبية المؤهلة لحضور اختباراتها التى يشترط اجتيازها للحصول على عضويتها او مرور سنوات بعينها ورغم أنى كنت قد تخطيت عدد السنوات المطلوب إلا أنى دخلت الاختبار ومن الله على فأجتزته وأصبحت عضوا بتلك الجمعية ، كان هدفى الأول من الحصول على عضويتها حتى أتمكن من اقتناء الكتب والنشرات الدورية التى تصدرها كى يفتح امامى سبيلا جديدا لتعلم كثيرا مما لم أستطع تحصيله سابقا ولأن مطبوعاتها لا تباع ولا تتداول إلا من خلالها فقط ولأعضائها وكذا حتى أتمكن من حضور الندوات والمحاضرات والدورات والمؤتمرات المهنية التى تعقدها هذه الجمعية العريقة وكان ذلك فى بداية هذا العقد ...
بعد ذلك بسنوات قليلة كان أمامى اختبارا أخر للحصول على درجة أعلى فى مهنتى ومن الله على وأجتزته ، وكانت هذه خطوة فى خريطة محددة المعالم وواضحة الخطوات والتى رسمتها فى شكل سلم ، كل درجة أحط قدمى عليها تؤهلنى للصعود للتى تعلوها ، فقدمت أوراقى للحصول على تأهيل جديد ولكن فى هذه المرة يحتاج إلى وقت يقارب العامان إن كتب الله لى التوفيق .
استعنت بالله وقدمت أوراقى وقبيل بدء الدورات المؤهلة لخوض الامتحان الأول أصبت بكسر فى قدمى ، ولما كان لابد من الحضور حتى أستطيع التعلم وتحصيل المناهج والمواد التى تؤهلنى لاجتياز الاختبار لم يكن أمامى من سبيل بعد أن قررت عدم التأجيل إلا أن أصعد مستندا على عكاز طوابق هذا المبنى حتى قاعة المحاضرات فضلا عن مسافة تزيد عن المائة كيلو مترا اقطعها ذهابا ومثلها عودة ، أغادر مكتبى فى منتصف اليوم كى أدرك موعد المحاضرات والتى كانت تبدأ فى الخامسة مساء وتنتهى فى التاسعة وأحتاج ما يقارب الساعتين أحيانا يجاوز ذلك وأحيانا يقل عنه حتى أعود إلى مدينتى ، قبيل موعد الاختبارات فى نهاية العام كان قد من الله على وتم فك الجبس من قدمى إلا أنى لازلت أسير مستندا على عكاز ، كان الألم شديدا فى كثيرا من الأحيان ، ومرات عدة كدت أقع أثناء صعودى أو نزولى ، كنت أحزن عندما أرى نظرات شفقة فى عيون البعض ، صديقى يعمل بصحبتى فى المكتب تعب معى كثيرا كان يصحبنى فى كل الأيام وفى أيام الاختبارات كان ينتظرنى فى الخارج أما فى أيام المحاضرات فكنت قد استئذنت له من السادة المحاضرين فى الحضور بصحبتى ....
كل ألم يذهب سدى عندما تنبأ باجتيازك الامتحانات الأولى وأن المتبقى لك فقط اجتياز المرحلة النهائية حتى تحصل ما تريد ....
أى نجاح لم يسبقه مشقة تغيب لذته ،  غير مستصاغ الطعم ، سهل أن تفقده كسهولة الحصول عليه ، أما ما يأخذ من عمرك ونفسك وروحك فيكون نجاحا محفورا فيبقى راسخا قويا كجبل ....

والأجر على قدر المشقة والله لا يضيع تعبا أو سعيا واجتهادا أبدا ....