الأربعاء، 17 يناير 2024

يوم إعتدته

 

يوم كغيره من الأيام التى إعتدتها مؤخرا أو بمعنى أكثر دقة أرغمت عليها فى السنوات الأخيرة ، أغادر فراشى بعد قليل ليلى تخللته بعض الاغفاءات ، أوجه قلبى نحو ربى وأتضرع إليه فوحده يعلم ما عانيته وأعانيه ، إلهى أنت تعلم كيف حالى فهل يا سيدى فرج قريب ، أنهى طقوسى الصباحية وأرتدى ثيابى وأجلس منتظرة ...

صباحات الشتاء باردة رغم تلك الشمس التى تطل علينا مبتهجة وسط سماء صافية مخضبة بالزرقة ، ينتفض جسدى مرتعشا وتبتسم عينى فرحة برؤية السماء ، ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار .

يطرق أخى الباب ، يصحبنى إلى السيارة التى سبقنا أخى الأخر إليها ، ألتفت إلى الخلف فأودع " دومى " قبل أن أتركها طوال هذا اليوم ، نغلق الأبواب جيدا و نزلف إلى السيارة ، ننتظر دقائق حتى تفيق من نومها وتدب فيها الحياة ، أجلس فى المقعد الخلفى ترافقنى حقيبتى ، ينطلق أخى بالسيارة بجانبه أخى الأخر يتجاذبان أطراف الحديث ويمزحان معى ، ننعطف يسارا إلى شارع يسير بنا نحو الكورنيش ثم ننعطف يمينا ونسير بمحاذاة النيل ، الطريق كعادته يتلوى ونحن نتمايل معه ، نمر بمزلقان السكة الحديد فتتأرجح بنا السيارة ، ننعطف يسارا فيمينا فنمر على قرية مازالت ناعسة ثم تبدأ الرحلة فى طريق يبدأ بكوبرى فى بلد الألف كوبرى ، نزلف إلى طريق أخر تتلقفنا فى مطلعه دائرة المرور ، على جانبى الطريق يصطف الباعة ، يبتغون الرزق فى وقت علا فيه الغلاء فأصبح فاحشا حتى ما يكاد الناس يجصلون قوتهم ، فالحاجة مذلة والجوع لا يرحم ولا يستطيع أحد تحمل نظرة صغير يبكى وجعا أو جوعا ..

الصحراء ممتدة على جانبى الطريق ، كثبان رملية وكتل صخرية بألوان متدرجة وراع تبحث أغنامه عن شئ يسد جوعها ...

تسقط من عينى دمعة لا أعلم أهى بسبب النسمات الباردة التى تلفح وجهى أم بسبب ما جرى فى تلك السنوات وما عانيته من خذلان من أقرب من وثقت فيهم يوما .

الحياة مثل هذا الطريق ، لا تسير فى خط مستقيم بل هى كأفعى تتلوى وتمكروتخادع ، مراحل ومحطات وعندما تقبل محطة أحدهم يغادرنا عندها ، نفقد أناسا وينضم إلينا أخرون وكل منهم يحفر فينا أثاره ويترك فينا علاماته ، لكن طريقى مختلف ربما لن تقابله أو تسمع عنه فى حياتك فكل من لقينى حُفرت فيه اثارى حتى سحرته فما عاد لديه أى قدرة على التخلص منى فأصبح كفيروس يتفشى ، يبغى التسرب داخل مسامى حتى يحكم سيطرته على كل حياتى فأصبحت كمختبر لكل تلك الأوبئة التى خلفها كل من إلتقيته يوما ..

شردت فإذا بى أفيق وعينى تصطدم بأسوار القلعة ومشيخة الأزهر ثم يسحبنا زحام القاهرة معه ، مر الطريق كأنه طرفة عين فى شريط من الوجع والقسوة تصطف أحداثه فى صفوف متوالية ، تعرض كلها فى عرض واحد ، كل وجع يلقى بى للذى يليه حتى أصبح وقت غيابى عن الدنيا أكثرمما عايشته فيها وكلما أفقت وجدت الأمر أشد سوءا من سابقه فأحزن أنى أفقت وأود لو مكثت هناك دون عودة .

المكان هنا يعرفنى وأعرفه ، أحارب فيه ويحارب معى ونقاتل سويا أعداءنا ، عدة مبانى لكنى دوما أسحب إلى مبنى واحد ،  الناس هنا ودودون رغم أن منهم من يسرب أخبارى ويفشى أسرارى لكن أكثرهم يدعمنى ويتلقانى بوجه بشوش ، بدأت فيه رحلتى وأول يوم خطوت فيه إليه أجريت أولى العمليات الجراحية التى لازمتنى بعد ذلك وحياتى بعد ذلك اليوم غير تلك الحياة التى كنت أحياها تماما ، عايشت فيها كل ألم قد يخطر ببالك أو لا يخطر لكنه قدر الله وأقدار الله نافذة .

ينقضى اليوم بعد أن اختلت نبضات قلبى وأخترقت عروقى كميات من الحقن حتى كادت روحى أن تنسحب منى فأوقف الطبيب الجرعة وسمح لى بالمغادرة ، أغادر بروح كنت أظنها يسعدها العودة لكن اليوم ليس كالأمس فما كنت أقاتل على القيام به سابقا اليوم ما عدت ألقى له بالا فما هنا أو هناك إلا سلسال من الأوجاع والضغوط المسلطة على ولا أملك سوى اللجوء إلى الله عسى أن يهبنى عفوا .