الاثنين، 28 أكتوبر 2019

تشتت


كنت قد قررت الكتابة عن كثير من الأشياء ثم أحجمت فجأة ، تراجعت عن الكتابة ، لا أعلم سببا محددا لذلك وربما أعرف ، فى الحقيقة هى أسباب كثيرة مجتمعة ومتفرقة فربما حديث البعض معى وطلبهم منى ألا أفعل بعد كل كتابة سابقة ومبررهم ما الداعى من سرد كلمات لن يستمع لها أحد رغم معرفة الجميع بها وقناعتهم بحقيقتها ولكن ... وردى دوما " معذرة إلى ربى " أولا وثانيا كلمة ربما تكون كلمة حق وضعت فى مكانها الصحيح ووقتها المناسب وكتب الله لها أن تجد الصدى المطلوب فردت باطلا ورفعت ظلما وأرشدت إلى صواب وعلى الأقل وجهت الانتباه نحو شئ معين كان قد غُفِل عنه ، وربما كى لا يتعاطى البعض مع الكلمات وكأنها موجهة له وهو المقصود بها دون غيره رغم ما فى ذلك من فائدة فربما إن صدق مع نفسه ووجد فيها بعضا مما كُتِب سارع إلى تصحيح مساره وضبط بوصلته والتوجه إلى الطريق الصحيح وليس أفضل من ذلك قيمة إن كانت الكتابة سببا فى تهذيب الأحوال وتزكية النفوس .
ربما لمعرفتى بنفسى وبعظيم أخطائى واعترافى بضعفى وإسرافى فى أمرى فأخشى أن أكتب وأحدث بينما أنا غارق فى الخطايا كى لا أقع تحت قول الله " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب .. " ثم أتذكر أن هذا من مداخل الشيطان العظيمة عندما يريد أن يثبط همة إنسان ويضعف عزيمته عن فعل خير وسعى نحو رشد .
ربما أخشى الوقوع فى النفاق فكثيرا ما تحدثنى نفسى أن أفعالى كلها نفاق ورياء فكل ما أكتبه يجعل من يقرأ يظن بى الخير وحسن الخلق والفضيلة بينما أنا كلما خلوت بإثم اقترفته  " يظن الناس بى خيرا وإنى لشر الناس إن لم تعف عنى " .
فى الحقيقة بعد أن أنتهى من تلك الخاطرة المملوءة بالجمل المقتطعة من سردها الصحيح ربما سأحذف منها الكثير وربما لن أنشرها من الأساس وربما سأعمل على تهذيبها خشية أن يغضب البعض ما جاء بها من جمل وكلمات وأقع فى معضلة أخرى أنى أبتغى من وراء كلماتى رضا البعض وأتجنب إغضاب البعض غافلا عن أن رضا الله هو الغاية حتى لو كره كل الخلق  .

الخميس، 24 أكتوبر 2019

والسبب المطر !


وبعد مقدمة قصيرة ، انهالت الأمطار ، بدأت قطرات ثم أصبحت فى عجلة من أمرها تتدفق أفواجا أفواجا ، بدأت مبشرات فطرب الناس وتسابق البعض ليلهو وسط زخاتها مبتهجا ثم تتابعت فغضبت فتبدل لون السماء وأصبحت تشتعل وتئن وتزأر ، لم يكن اللمعان إبتهاجا كما كنا نظن وإنما كان صراخا أحدث دويا هائلا ، هزيم الرعد مدوى سبقه وميض البرق المفزع ، وأصبحت القطرات كرات من الثلج تقذف جماعات جماعات ، الأشجار كانت تتراقص طربا وفجأة أصبحت تتلوى ألما وكمدا حتى صرعتها الرياح فاقتلعت جذورها ، الطيور التى كانت تغرد وتلهو هرعت إلى أعشاشها ضامة صغارها بين أجنحتها ، الشمس غفلتنا وانسحبت دون أن يدركها أحد منا .
أصبحت الأمطار كأسد غاضب ، خرج من عرينه لتوه ، جائع يبحث عن فريسته وهل من فريسة أيسر من تلك التى تتقاذفها الريح وتحملها الأمطار .
كأن كل شئ تحالف ضدها ، أعمدة الكهرباء اشتعلت ، لم تقوى على كبح جماح شرايينها فأنفجرت العروق ملقية بشحناتها إلى الأرض والأرض أغرقها الماء والماء يحمل الموت والفريسة .... تركت فريسة .
هواتف لعينة وأبواق نزع منها صوتها وسيارات تعطلت فسد وقودها ، صرخات أم وكسر أب وبكاء صغار وأمانة ضاعت بين جنيهات عفنة ومؤن مغشوشة وذمم خربة وأنفس مريضة وراع ضيع رعيته .
الماء الطاهر ابتلع الروح والجسد البرئ فارقته قواه ، الألم وقت مضى والوجع ليل سرمدى ، النهار ولى مفارقا والليل أبى القدوم ، الروح تشبثت بالضوء والضوء هزمته دموعه .

الثلاثاء، 15 أكتوبر 2019

صغيرة


هل هذا الوقت سيرحل ، هل ستمضى كل تلك الدموع التى انسالت ، ليست مما يمكن احتماله ، الأيام ربما تخفف الألام ، هل يموت الألم ؟! ، لا أظن ... ، أعتقد أنه يشتد ويشتد مع كل صورة وذكرى ، مع كل كلمة ولحظة ، مع كل شئ تلمسه وكل مكان خطت عليه بقدميها الصغيرتين ، يشتد ثم يبحث عن ركن يهدأ فيه ليمنح النفس وقتا تجمع فيها بقاياها حتى يستطيع أن يهجم عليها مجددا ويمارس معها أفعاله ، كأن الألم لذته رؤية الأرواح معذبة ، يبدل صوره ومظهره ، يقدم على غفلة ولا يرحل دون أن يترك علامة .
ابتسامتها ، كانت صافية كسماء اغسطس ، ساحرة كليالى الأندلس ، وهادئة كصلاة الصبح .
كلماتها حانية كريش نعام ، طيبة كرحيق الياسمين ، لمساتها دافئة وأشد حنانا من الدموع .
كانت تلهو سعيدة ، تلقى بكل الأشياء هنا وهناك ، تجرى ، تقفز ، ويتقافز الفرح أمام ناظريها ، تقرب المسافات ، ضحكتها صاخبة ، بريئة كتغريد الكناريا ، ثم  خملت فجأة ، سكتت فجأة ، وساد الصمت من يومها وحل الغياب .
يا طفلتى ، صغيرتى ، أميرتى ، الحلم الذى لم يكتمل والعمر الذى لم يتم ، يا جنتى ومهجتى وضحكتى التى رحلت معك ، يا قوتى التى وهنت وأوقاتى التى ضلت ، ودمعتى التى جفت وعينى التى جمدت.
لعبك ، أرجوحنك ، تنوراتك وفساتينك ، عرائسك ، فرشاتك ، مرآتك ، وقبلاتك ......... قبلاتك .
نظرة أخيرة وقبلة وداع ودمعة تغسل خدك ، من يمسح دموعى بعدك ، من يلهو معى ، من يختبئ لى خلف الستائر وتحت الأسرة وفى خزانات الملابس ، من يقطع لى الفاكهة ويصب العصائر على ملابسى ويملأ الأركان بالشيكولاته ، من يبتسم فى وجهى قبل النوم وعند الصباح ، من سيكون صباحى وليلتى ، من يصحبنى فى نومى وغفوتى ، من أبكى فيقبل دموعى ، وأضحك فيرقص لفرحى ، وأجرى فيطير يسبقنى ، من يعانق رأسى حتى تختفى فى كف يديه الصغيرتين ، من يسبقنى فيعانقنى ، من يصرخ فى وجهى إذا غضبت ، حتى تلك اللقيمات التى كنت تضعيها فى فمى ...؟! .
هل أعد ما تبقى من عذاب حتى يحملنى القدر إليك ، كم ستمهلنى الأوقات وهل يقوى قلبى على التحمل ؟ ، تحمل بعدك ، وأيام خلت منك وأوقات طعمها علقم .
الحياة هبة والفراق موعد والرحيل حقيقة وليس أشد منه وجعا ...

الجمعة، 11 أكتوبر 2019

لم نعد صغارا " 13 "


بالقرب يقف دوما شاب حسن الخلاق ، يكتسب قوته من تقديم وجبة الإفطار ، فى بادئ الأمر كان يضع ترابيزة صغيرة فى مكان غير الذى يقف فيه الأن ، أصبح اليوم جراج لصف السيارات بين مجموعة من المبانى التجارية وكان أحيانا يقف بدلا منه صاحبه ، لسنوات عدة إعتدت على شراء إفطارى منه ، كان قديما يكتفى بتقديم ساندوتشات الفول فقط واليوم أصبح يقدم برفقتها الطعمية وشرائح البطاطس والبيض ومزيج من السلاطات ، قديما كان يعمل كل يوم وحده أو يستبدل بشريك له واليوم بفضل الله عليه أصبح يقف وبرفقته اثنان أو ثلاثة من المساعدين أو يزيد بعد أن استبدل المكان وابتاع عربة يعد بها الوجبات وترابيزات يقدمها عليها وسيارة ربع نقل لينقل عليها المؤن والاحتياجات .
بالقرب كانت هناك مكتبة شهيرة ، أصحابها شديدى الود ، ابتسامتهم لا تفارقهم ، تجاورها مكتبة أخرى والمنافسة بينهما شديدة ، سمعت أنهما كانا يوما شركاء ولكنى لم أقف على حقيقة الأمر .
توالت الأيام وتغير الأمر وتفرق أصحاب المكتبة وأصبحتا مكتبتان ، الأولى فى نفس مكانها والجديدة من خلفها كل منها تطل على جهة مضادة ، الأولى أصبحت تديرها مجموعة من الفتيات والجديدة تديرها عائلة أحد الشركاء بالمكتبة الأولى قبل أن تفرقهم السنن .
مبنى للثقافة أو لنشر الثقافة أو هو مبنى فقط ولكنه يتبع إداريا وزارة الثقافة ، بناية صغيرة تحيطها الأشجار ، المساحات الواسعة حولها وفرت للسائقين مرادهم فى وجود مكان ظل يصفون فيه سياراتهم فى انتظار مواعيد ورديات عملهم أو دورهم فى الاصلاح فى الورش القريبة وأيضا مكانا جيدا يستطيعون فيه غسل سياراتهم وتنظيفها لوجود خطوط المياه والمعدة فى الأساس لرى الأشجار .
الجدران مشبعه بكلمات الغرام أو ما يقابلها من الألفاظ والأشكال المعبر عنها بالرسم و التى تخدش الحياء وتعبر عن فعل الغرام ، وخلف المبنى كان مكانا جيدا للقاء مختلسى اللذة أو راغبى الهوى أو لمن غافلتهم الرغبة فى قضاء حاجتهم ولا يجدون مكانا .
بالقرب مساحات مترامية تفترشها الرمال مكدسة كتلال وأحيانا مستوية وعلى مسافات متباعدة تخرج بعض الحشائش رؤوسها ، أحجار وبقايا مبانى مهدمة وأوراق مبعثرة تتصدر أحدها صورة اقتطعت من مجلة يملؤها نهد ثرى وزجاجة عتيقة .

الأحد، 6 أكتوبر 2019

مسافة


لا أعرف السباحة لكنى لم أغرق ، تخطيت تلك البحيرة إلى الجسر الأخر أحمل الصبى فوق كتفى ، أغرق رأسى فى الماء حتى أغيب عن السطح ثم أرتفع ، أضرب الماء وكأنى أقاتل عدوى ، أتشبث بالحياة ولو كانت مسافة نسمة .
تخطى حاجز الخوف يا صغيرى ، الظلام كامن فى العقل وفى تلك الأشياء التى يبثونها فى وسائل الاعلام والصحف ومواقع التواصل والمناهج وبعض الكتب ، أما ما تراه فليس سوى كسوة يرتديها الكون ليلا كـ -لون قميص أبيك ، الرؤى يا صغيرى هى أحاديث عقولنا ، أفكارنا ، خواطرنا ، ما نشغل به ونفكر فيه ونبحث عنه ونسعى إليه ..
لا خوف يا صغيرى ، نخشى فقط أن تخيب آمالنا ، أن تضل الأحلام طريقها أثناء سيرنا إليها ، أن يغيب الطريق وتطول الرحلة ويرحل الآثر ..
السلام النفسى ، الطمأنينة ، الراحة ، أن يكون لك مسارك الخاص ، أن تسعى حتى يسعى الحلم خلفك فتجعله فى قبضة يدك ، أن تعانق متعتك ، أن تصل إلى ذاتك .
إذا أردت البكاء فافعل ، فى وقت أخر كنت لأزجرك قائلا .. إن البكاء غير لائق ولكن الآن وقد أدركت كل هذه الأشياء وصقلتنى كل تلك المواقف وحفرت داخلى السنوات علاماتها سأقول لك ابكى كما شئت حتى تغسل روحك وتمحو ما علق بنفسك من دنس .

السبت، 5 أكتوبر 2019

عن ... بعض...


الليل ... الوقت .... الحافلة ... الطريق .... وتلك الموسيقى
أبحث عن القلم ... عن النص الذى أفتقد... عن الكلمات التى غابت ...عن ذاك الذى كان ... ومضى .
أتصفح الأخبار ، كلها تشبه بعضها ... اعلانات .... مباريات ... هتافات وهتافات مضادة ، فتن وصراعات تشتعل ، تظاهرات ، عقارات فاخرة ، أسعار ومبالغ قد يموت البعض ولا يعرف ماهيتها ، شاليهات ، إنجازات ، تبرعات ، بهيه ، 57357 ، أبوالريش ، علاقات زوجية  ، البرود العاطفى ، أبراج ، اكتشاف المواهب ، إلغاء بعض القيود على العمرة وتخفيض الرسوم ، مهرجان الجونة وصور السجادة الحمراء تطغى على المواقع ، فريق يذهب للعب مباراة فى موعد ومدينة بينما الفريق الذى سيلاقيه فى نفس المباراة يذهب للقاء فى اليوم التالى فى مدينة أخرى وكل منهما يقول أنه على صواب ، اغانى ورقص فوق الدماء النازفة غدرا خيانة ..
كلمات أسافر معها إلى هذا البعد ، فى الزمن ، فى الوقت ، فى حب عاش به وتخلل مسامه ولا يستطيع منه فرارا ، ستون عاما وفوقها بضع أصبح عمره ولازال يبحث عن تلك التى كانت معه يوما ،  ينظر إليها وتسحره وتنظر إلى غيره وترتمى فى أحضانه ، لا يعرف عنها سوى اسمها أو ذاك الذى ظن أنه اسمها واسم أخيه أو ذاك الذى ظن أنه اسمه أيضا ..
الأيام تتغير والسنن تتوالى وتتداول بين الناس فلا يبقى شئ على حاله ولا يبقى العشق كما تخيلته وما خفى عنك فغيابه رحمة ، الأيام تصفعك أحيانا فلابد أن ينالك منها نصيبك فليس كل ما تراه صوابا يراه الأخرون مثلما تراه فالأمر نسبى خاصة إذا كان الحكم الهوى .
الحب لص برئ ، يسرق منك كل شئ أمام عينيك ، يلقى بك فى كل شئ وأنت صامت لا تملك من أمر نفسك شئ ، ينزع عنك عقل كخمر تسكر دون احتساء ، تظل تتبع خطواته وتأتمر بأمره ، لا تعى وجهتك ولا تملك الرفض ، مستسلما ومسالما ، تفعل كل شئ عن طيب خاطر ولحظة أن تدرك ذلك تكون قد انتهيت أو بالأصح يكون قد انتهى منك ، تملك منك كل شئ حتى أصبحت مدمنا عاشقا ، علامات العشق تخضب ملامحك ، جسدك واهن ، عقلك مشتت ، تركيزك غائب ، مفرط فى الشراب ، مفرط فى الهوى ، مفرط فى الموت ، الحب يا ولدى داء لا دواء منه .