الأحد، 26 يناير 2020

اصنع بهجتك !


يحدث كل شئ عندما تتخلى عن قناعاتك ، ببطئ وتدريجيا ، على مهل دون أن تشعر ، كشعاع ضوء خافت يتسرب من تحت عقب الباب ومن بين فتحاته ، تجد نفسك فجأة انزلقت فى منحدر يسقط بك بسرعة البرق ، تفقد إيمانك وشغفك ، تخسر كل تلك النقاط وتلك الفرص التى قضيت كل حياتك تحاول تحصيلها واكتسابها بالعمل أكثر الوقت ما استطعت ، لون الحياة يتغير ، البهجة تختفى ، رغم تلك المتع اللحظية التى ما لبثت أن زالت وخلفت من بعدها كل تلك الآثار محفورة وكأنها صقلتها على سطح أحجار صلدة ، الصور العالقة والمواقف الحرجة والنظرات فى تلك الأعين ، السقوط المفاجئ ليس كنزول سلم على درج خطوة بخطوة ، تحاول التمسك بما قد تبقى لديك من إيمان والتشبث بسابق عهدك ، تحاول أن تتوقف ثم تعود تواصل تتمة البناء الذى بدأته ثم تسقط مجددا مع أول اختبار ، الضعف تملكك ، سيطر عليك ، تسرب داخل فكرك ، ملامحك ، أطرافك ، لم تعد ذلك القوى ، لم تعد قادرا على المواجهة ، حتى أقرب الناس لك ، تتجنب تلاقى النظرات ، تفرمنها مبتعدا وتهرب إلى أقصى ما يمكنك ، تعلم أنه لا سبيل إلى التخلص من كل ذلك ، تملأ وقتك بأى شئ وكل شئ ، تسافر ، تتنقل ، تقوم بتلك الأعمال التى توقفت عن القيام بها لسنوات ثم تخلو بنفسك فتعود الذكريات مصطفة تعرض أمامك كشريط سينمائى مجرد أن يخفت الضوء يعمل تلقائيا ، فتعيش الوقت وكأنه الآن ، غير أنك لا سلطة لك على تغيير أحداثه ، لابد أن تأخذ الجرعة كما هى دون زيادة أو نقصان ، غير ما يبقى عالقا بك بعد انتهاء العرض ، تعيش فى بث مباشر مع ما تمنيت منه الخلاص ، يمدحك الناس وهم يبتسمون يظنون بك خيرا وفى داخلك يأكلك الوجع ، تعلم أنك عكس ما يظنون ، تسأل نفسك متى سيأتى الوقت الذى سترتاح فيه من كل هذا ، الخطوات التى مشيتها الآن تشهد ضدك ، الكلمات التى قلتها الآن تستخدم ضدك ، الخير الذى وددت صنعه فى لحظة أصبح سوءا أصبت به ضرر للأخرين ولنفسك ، تعقد المحاكمة ، فيُشهد بخلاف ما حدث ولا تجد أمامك سبيلا سوى الاعتذار لكل أولئك الذين خذلتهم ، ثم تعتذر لنفسك على أن أهملتها حتى نُزع عنها رداؤها فانكشفت سوأتها ، الحكم أن الكل برئ سواك ، أصبحت فى عزلة ، بعيدا عن الكل أو بمعنى أكثر صوابا الكل هم من قرروا الابتعاد عنك وتركك لإثمك ، فى ركن بعيد تجلس ، تحتسى مشروبك ، تكتب وتسطر وتدون فما بقى لك من صديق سوى الكتابة التى كنت أهملتها وتخليت عنها ويوم ابتعد الكل بقيت بجوارك تؤازرك ، تقص ما حدث قتصدقك ، تحكى لها لحظات ضعفك وانكسارك فتواسيك ، تترك الحروف تنساب أمامك تجترع منها ما تشاء ، وتلقى بالألوان إلى يمينك تقول : اصنع بهجتك .  

الجمعة، 10 يناير 2020

إنما أنا إنسان


"67 " رواية ... مكونة من اثنى عشر فصلا وكأن كل فصل يمثل شهرا من شهور عام 1967 ، هى الرواية الثانية لكاتبها الروائى الأستاذ " صنع الله إبراهيم " عقب روايته الأولى " تلك الرائحة " ، وبدت وكأنها تمثل متتالية لروايته الأولى كالعادة فى الروايات التى تلت ذلك بأن تكون الأحداث فى مجموعة منها متشابكة وبطلها واحد ، تميزت بأسلوبه الجميل والجرئ والمغاير فى عرضه للمجتمع والأسباب التى أدت مجتمعة إلى حدوث النكسة وكالعادة اثارت الكثير من الجدل فرفضت بعض دور النشر فى مختلف أرجاء الوطن العربى نشرها حتى نشرت كنصوص أدبية فى مجلة عالم الكتاب فى عددها الثالث الصادر فى شهر اغسطس لعام 2015 قبل ان تصدر كرواية كاملة فى عام 2017 عن دار الثقافة الجديدة .
" سمعت المذيع يقول إننا نسقط طائرات العدو ، وأعقبته موسيقى حماسية ثم بيان عن بدء العمليات الحربية ضدنا ، أغلقت الراديو وعدت إلى الصالة وبحثت عن صحف اليوم فوجدتها فى المطبخ ، وكانت العناوين الرئيسية تعلن عن تدهور الموقف واقتراب ساعة الصفر ...."
" دخلت إلى حجرتى وأدرت الترانزستور فسمعت بيانا عن إسقاط المزيد من الطائرات ، أغلقت الترانزستور ، وارتديت قميصا وبنطلونا وغادرت الشقة ... "
" عدت أقرأ الأخبار وكانت الوكالات تردد ما نذيعه عن إسقاط الطائرات الاسرائيلية ... "
" جاء زكى يسأل عن أخر الأخبار فقلت : لا جديد ، قال : ماذا تتوقع ؟ قلت : لا أعرف ، قال : سنعطيهم علقة ساخنة ، وقال صادق إنه سيكتب مقاله القادم من تل أبيب.
" جاء زكى يسألنى عن أخر الأخبار ، قال إن له جارا فلسطينيا لم يغادر فراشه من ظهر الأمس لأن اليهود اجتاحوا قريته حيث توجد أمه وعائلته ، لمحت صادق وكانت عيناه حمراوين ، وكانت أخبار الوكالات الأجنبية تتحدث عن تطويق قواتنا فى صحراء سيناء ...
" بعد قليل اتصلت بالجريدة فرد على صادق وكان يبكى . قال : انتهى كل شئ . قلت : ماذا تعنى ؟ لم يرد وواصل البكاء .... ثم أعلن المذيع أننا قبلنا قرار وقف إطلاق النار .... "
" غادرت الجريدة إلى الشارع وكان الظلام ينتشر بسرعة والناس تجرى فى كل اتجاه وهم يصيحون ويهتفون .... "
 سُردت هذه الرواية فى شكل يوميات بدأت بحفلة تجمع فيها العديد من الشخصيات التى بنيت عليها الرواية واختتمت بحفلة أيضا وما بين الحفلتين يظهر أثر الأحداث التى شهدها العام على كل أشخاصها .
العنوان يمثل تلك الجملة التى قالها البطل فى الفيلم الذى شاهده الراوى فى السينما فى سبيله للدفاع عن نفسه .

الثلاثاء، 7 يناير 2020

تلك الرائحة – صُنع الله إبراهيم


تلك الرائحة
تلتصق عيوننا بعيون جامدة لا تنطق ، وتصطدم أذاننا بأصوات سريعة بانرة لا تتمهل ، وتتعلق قلوبنا بأيدى سمينة ثقيلة لا تفكر ، وحولنا الجدران تلتقى فى أربعة أركان ، والباب مغلق والسقف قريب ، لا منجاة .
كانت عيناها نجمتين فى فضاء ساكن ، وكنت سابحا فى الفضاء ضائعا ، وكان بالليل عندما إلتقت عيوننا ، وكانت عيناها تلمعان فى الضوء ، رأيت صورتى فى بياضهما الواسع ورأيتها فى سوادهما العميق .
وكانت بشرة وجهها ناعمة وشفتاها ممتلئتين والسفلى دائما منفصلة قليلا عن العليا ومقوسة ، داكنة اللون كأنها ملتهبة من شئ ما .
الثعبان
من الخلف فقد كان الثعبان يلتوى بوضوح تاركا ذيله بعيدا بُعد الواحة ، أما الرأس فكانت تزحف إلى الأمام بسرعة محمومة ، تشرئب بعنقها فى شوق ولهفة لترى ماذا بعد ، وتبدو الجبال فجأة وكأنها تسد الطريق .
أرسين لوبين
كانت الروايات قديمة ، اختفت أغلفتها واسمرت صفحاتها وتمزقت ، وكان التراب يتصاعد منها ممزوجا برائحة غريبة كانت تأتى من كل شئ فى الدكان ، وكنت أحب هذه الرائحة .
بعد الظهر عبر ثلاثة أسرة
كل منهم يتصور عصارى الصيف فوق مقاعد القش فى الحديقة ، والهواء يهب خفيفا وكلما أوغل الليل ازدادت رطوبته ، أو صباحيات الشتاء فى الجانب الأخر من المنزل ، والشمس تسقط مترددة فى البداية ثم تزداد دفئا كلما تقدم النهار .
أغانى المساء
كانت السماء قريبة دانية ، والنجوم تتحرك فى خفة ، وخفقت إحداها فى اضطراب وضعف .
لم أكن أسمع شيئا مطلقا وبعد لحظة تبينت صوت تنفس أبى وكان قويا ، وكانت رأسى مستندة إلى جانبه ، فشعرت بصدره يتحرك ، واحتكت قطعة قوية من المعدن فى حزام الفتق الذى يلفه حول وسطه بإذنى فآلمتنى ، وما لبثنا أن سمعنا صوت انفجارات متتالية ، كان الصوت قريبا جدا كأنه فى الشارع المجاور ، وتصورت أن هناك طائرة تتقدم نحو منزلنا ، وهى تسقط القنابل أثناء تقدمها ، ولأول مرة توقعت أن تقع علينا قنبلة بين لحظة وأخرى .
أبيض وأزرق  
غادر الجميع السيارة فتبعتهم أنا وزوجتى بعد أن بسطت الجريدة فوق مقعدنا ، وعبرنا بوابة صغيرة إلى أزقة ضيقة رصفت بالحصى الكبير وتصاعدت من جنباتها رائحة القهوة المنعشة مختلطة بنغمات خفيفة من الموسيقى اليونانية .
استنشقت الهواء المحمل برائحة السماك فى لهفة ، وبدت حافة الماء نظيفة من أى مخلفات وبالمثل كانت رمال الشاطئ التى اصطفت فوقها مظلات المصيفين الملونة فى نظام بديع .
ثم صافحت عينى زرقة كثيفة لم أر مثلها من قبل وكانت تزداد كثافة كلما قاربت الأفق .

الاثنين، 6 يناير 2020

خيوط الصمت


الليل ، الوقت ، الصمت ، الكلمات ، كتاب مفتوح ، حروف ضالة ، البرد ثقيل ، يقتل كل شئ ، الأرض مرهقة ، السماء ناعسة ، العيون جامدة ، الفكر شارد ، العزلة سوداء ، صماء ، بكماء ، كـ سجين .. قعيد ... مكبل بالأصفاد .. حلق جاف ، قلب نازف ، خيوط صمت تنسج على جسد ميت ، أو هو حى ميت .
نشعل الأخشاب تغطيها بعضا من أعواد القطن والحطب الجاف وأغصان الشجر، بقايا خبز من طعام مضى وقته ، أسماك صغيرة حصيلة صيد العصارى ، حزمة جرجير وعيدان سريس ، حبات طماطم وباذنجان ، فول أخضر ..
الساقية تهدر يتدفق منها الماء يعانق الأرض العطشى ، يشق طريقه عبر قناة صغيرة ، يطوى المسافات متعجلا ، متلهفا ملاقاة معشوقه ، يتقافز ، يلهو مع الأركان ، يتخطى هذا ويصطدم بكتف ذاك ، يتخلل بعض الفجوات ويقفز إلى غيرها ويتسلل إلى ارض الجيران ، أسرع فأضع الحواجز فى طريقه وأسد عليها تلك الفتحات التى يتسلل منها إلى الأرض المجاورة  كى لا يفسد الزرع بها .
ننتهى من شواء السمك ، نلتهمه مع اللقيمات والخضروات ، نملأ وعاءا بالماء ونضيف إليه حبات الشاى ، نشتهيه مصنوعا على تلك النيران الهادئة ، نتسامر ، نتذاكر حكايا الماضى وأحداث الحاضر ، الذئاب التى دوما تهاجم ليلا ونسمع صوت عوائها ، عن الرجل الذى صعد الشجرة فرارا من ذئب هاجمه حينما أتى فى الليل إلى حقله ، عن البيوت المجنونة التى تشتعل فيها النيران وحدها ثم تطفئ وحدها وتعاود كرتها مرارا دون أن يعلم سبب ، قيل أنه يسكنها الجن والعفاريت ، عن الراقصة التى كانت بالمولد وانحسرت عنها ثيابها أو بالأحرى تلك القطع التى كانت تغطى بعضا من جسدها ، عن الأغنام التى سرقت أمس عند الظهيرة ، عن الرجل الذى ترك تعليمه وغادر أسرته ورحل برفقة صاحبيه إلى أوروبا ، عن الفتاة التى تخرج ملطخة وجهها بالأحمر والألوان وتكشف بعضا من شعرها وترتدى ثيابا " محزقة " تصف كل جسدها ما برز منه وما انحنى ، عن الرجل الذى فقد عقله عندما ذُبح أخوه أمام عينه ، أصبح يرتدى ثيابا غريبة ويقيم فى عشة صنعها من أغصان الأشجار وقطع الأخشاب وأعواد الحطب وعيدان الغاب وجذوعها من سيقان البامبو، مقرها على حافة الترعة ، يعلوها لافتة تحمل رسما لحمار وكلب وشعلة نار ، يصحبه كلبه ، يبهرج دراجته ويزينها ، يطلق لحيته ويحمل قلما وأوراقا يكتب فيها بخط صغير منمق ، يقول أنه يكتب القرأن كله فى ورقة واحدة .
الأرض كلمى ، يقتلها الوجع ، يدمى فؤادها تقاتل أبنائها ، تنظر إليهم ، تنحنى تقبل اقدامهم ، تسألهم بالله ألا يفعلوا ..... تتوسل إليهم أن يبروا بقسمها ... يبتسمون لها باشمئزاز ويتجاهلون طلبها ، يعقونها ويفعلوا ...
الليل يبكى ، يقسم أن يرحل ويرحل يصحبه قمره فتذبل النجمات وتتساقط فى خريف عمر فتسارع الغربان تدفنها فى بطن الألم  .

الخميس، 2 يناير 2020

مصر ... الأم


ابحثوا لنا عن إمام أخر .... رواية لأحمد ماضى ...مكتبة الشروق الدولية   الطبعة الاولى 2008 .
يواصل الكاتب المهندس / أحمد ماضى كتاباته المتميزة فيبحر بنا فى عالم خاص صنعه بنفسه بأحلام وطموحات المصريين بطوائفهم المختلفة فى هذه الحقبة الزمنية والعقد الأول من الألفية الثالثة فيحيك رواية أبطالها كل أفراد المجتمع " مصر " والمتآمرون عليها من الخارج .... يجمع بين أولئك الذين يحملون حلما وأولئك المعذبون ألما وأولئك الذين يتمنون صلاح الأمور والأحوال ... بين أولئك الذين يعرفون قدر مصر ويسعون لمجدها واولئك الذين يخشون حدوث ذلك فيعملون على وأد كل حلم يولد ...." مصر .... الأم " ... متمسكة بجذورها من الفراعنة ومصقولة بشذرات نيلها وعبق تربتها وأريج تاريخها وجميل مواقفها وبطولاتها .... حزب يحمل هما ورؤية ويسعى لتحقيق حلم .... كانت الحكاية فنشأ ثم سرعان ما أدخلت فيه الصراعات حول إختيار رئيسه ثم تكتمل الحكاية ....
-أنتم من عند الشيطان ... أنتم شياطين مثله .... سألوه أن يصف لهم شيطانه الآثم ؟ ... قال لهم : له سمت النُساك وما هو بناسك ، وهدوء النبلاء وما هو بنبيل ، وشهامة الفرسان وهو حقير ... يبيع القيم والمبادئ فى سوق الرقيق ، ويشترى الذمم والضمائر كما يشترى النعال ..
-اتفقت معه أن يحفظ كل منا سر الأخر ، ما أسوأ أسراره وما أتعس سرى ...
-أنت الخوذة الصدئة التى نقوم بتلميعها ... أنت الأسنان المعوجة التى نقوم بتقويمها ، أنت الثعبان الذى لا يعرف كيف ينفث سمه ، والشيطان الذى يبدو للناس ملاكا والعاصفة التى لن يقرأ الناس موعد هبوبها إلى أن تهب .
أحمد منصور محامى يبحث فى التاريخ عن التاريخ يكتب حلمه .....جورج عزيز – مفتاح الصاوى – د راوية عبدالعظيم – امام الأمام – عبدالكريم الدسوقى ---- فنان تشكيلى – ميكانيكى – طبيبة قتل الظلم زوجها -  مسلمون وأقباط --- فقراء ويتامى – فلاح فصيح وشيخ لا يساق - معلمون ومهندسون وضباط شعب وجيش --- وطن --- الحياة فى مصر.