السبت، 12 مارس 2022

ثلاثة كتب

 

ثلاثة أعمال أدبية انتهيت مؤخرا من قرائتها لثلاثة كتاب من أجيال مختلفة ، وكل عمل منها مميز ومختلف ويدور فى إطار مستقل ويناقش من الحياة جوانبا مختلفة وسريعا أنتقل إليها

أحلام فترة النقاهة – لأديب نوبل – نجيب محفوظ

سلسلة من الأحلام القصيرة ، كتبت بلغة بديعة وتورية بليغة واسقاطات رائعة وكلمات مختصرة وملخصة تخفى فى طيها الكثير مما قصده الكاتب وأكتفى بالاشارة إليه تلميحا فيما جاوز مائتين حلم .....

فى كل أسبوع ... يوم جمعة – الأستاذ ابراهيم عبدالمجيد

منصة إلكترونية أطلقتها وتديرها فتاة ، تستغل وقتها بشكل مغاير ، وضعت شرطا لقبول الانضمام للمنصة أن يكون قبول الطلبات يوم الجمعه فقط من كل أسبوع وأن يقتصر الانضمام على المصريين فقط  ، وتدور الأحداث فى شكل اجتماعى ، فينضم إليها أشخاص ذو ثقافات مختلفة وكل منهم يحمل حكايته على كاهله ، تدور الأحداث وجريمة تصاحبها ثم تتاقص أعداد المنضمين تدريجيا

أم ميمى – الاستاذ بلال فضل

فتى فى مقتبل عمره أنهى لتوه دراسته الثانوية وحصل على مجموع مرتفع يؤهله ليلتحق بكلية من كليات القمة ، يرغب والده فى إلحاقه بدراسة الطب او الهندسة ويرغب هو بدراسة السينما ثم بمساعدة والدته يتوصل إلى حل وسط فيدرس الاعلام ، وكعادة هذه الفترة فى عمر الشباب يرغب الفتيان فى التمرد على أسرهم ، هو من الاسكندرية والكلية بالقاهرة ولم يدرك مكانا بسكن الطلبة فى المدن الجامعية فيبحث عن مكان لسكناه ويتخلى والده عنه غضبا عليه ويترأف به قلب أمه فتحاول مساعدته قدر الاستطاعة وبعد محاولات عدة تجد له سكنا بصحبة فتيان صالحين وما لبثوا أن وضعوا له حقائبه امام الشقة عندما أكتشفوا مزاحمته على شباك تذاكر السينما إلا أن قلب أحدهم رق له فدله على شقة فى منطقة الهرم فى شارع " خلف كازينو ايزيس " عند " أم ميمى " .

ألفاظ فجة بذيئة لطخت بها الصفحات وكأنها تبنع من قبح وتصب فى قبح أكبر وقد حذر الكاتب فى مستهل الرواية منها معللا أنها قطعا لا تمت للواقع بصلة .

غاب اسم الشاب بطل الرواية كما غاب اسم " ام ميمى " وعرف أن اسم " ميمى " ليس ميمى وانما " عزت " خشية من أن يسمى " كمال " فتطمع فيه النفوس المريضة لملامحه الغربية ، أبوه شعراوى ولقبه " الزناوى " ، حلاقا لم تكفيه الحلاقه فاستغل وجوده فى هذه المنطقة ليتكسب من شئ أخر فاكتسب منه لقبه ، " فاتن " أخت ميمى لكنها لا تشبهه شكلا وإنما تشبه خلقا وزوجها صبحى لا يقل عن أنسابه .

" ابو ساميه " الرجل الوقور قبل أن تظهر سرائره وتعرف دواخله فى جنازة " أم ميمى " ويكتسب لقبا أخر ، ابنتيه " ساميه ورحاب " وزوجته وخدماتهن الجليلة لكل محتاج التى لا تخفى عن عين أحد سوى بطل حكايتنا قبل أن تصيبه سهام رحاب .

أصدقاء الجامعه وملخصات المقررات وأحداث تسرد بطلاقة .

الأحد، 6 مارس 2022

قراءات صباحية

 

باكرا اليوم طالعت مقالا للدكتور أحمد خالد توفيق رحمه الله عنوانه استرخ من فضلك وجدتنى بعد قرائته أدع الهاتف جانبا وأشد على الغطاء وأحاول أن أنام ، حاولت كثيرا دون جدوى ، يذكر رحمه الله مواقف حدثت معه وتحدث معنا أو من تعرض لذات الموقف بنفس التفاصيل تقريبا فمن تعلم ركوب الدراجات قطعا سيكون قد سمع ممن يعلمه أنه لابد أن ترخى أعصابك وقد عانيت حتى تعلمت ركوب الدراجات وذكرت ذلك قبلا ، كذلك من حاول قيادة السيارات فقطعا سمع المثل من مدرب القيادة ومن تعلم السباحة أو حاول ذلك قطعا سمع ممن يعلمه أنه لابد أن تترك أعصابك كليا حتى تجد نفسك تطفو وحدك على سطح الماء دون اى حاجة الى جهد وان شددت أعصابك غرقت ، ثم ذكر مواقف حدثت معه أثناء ممارسته الطب ولو اتبعنا نفس النهج وذكرنا ما يحدث معنا من مواقف أثناء ممارستنا لحياتنا اليومية سواء فى العمل او العلاقات الأسرية والخارجية لوجدناها كلها لكى نتمكن من إنجازها بأقل الأضرار لابد لنا من الاسترخاء جيدا لفعل ذلك ، ثم ختم مقاله رحمه الله بأنه فى سبيل محاولته تعلم فن الاسترخاء أهدى إليه كتابا عن اليوجا فى حجم خروف صغير وعندما فتحه قرأ فى فصله الأول " قبل أن تدرس اليوجا يجب أن تسترخى .. تسترخى إلى أقصى حد " مما يعنى أن على أن أسترخى كى أتعلم طريقة الاسترخاء .

قبله كنت قد انتهيت توا من مطالعة مقال عن مذبحة القلعة التى اعدها محمد على للمماليك فى الثانى من مارس لعام ألف وثمانمائة وأحد عشر من الميلاد أثناء الحفلة التى أٌقامها لتنصيب ابنه طوسون على رأس الحملة المتجهة إلى الحجاز وبعد انتهاء الحفلة وبعد أن امتلأ الجميع من الأكل والشرب والغناء والترف والمرح ونادى المنادى بالانصراف وأثناء اتجاه المماليك للخروج من باب العزب أغلقت فى وجوههم الأبواب وفتكت بهم البنادق وأعملت فى رؤوسهم السيوف حتى تخطى حجم القتلى المتكدسين فوق بعضهم الأمتار فى بعض الأماكن ثم انطلق الجنود إلى بيوت الأمراء واتباعهم وأجوارهم فعملوا فيها سلبا ونهبا واغتصابا وسبيا وساد الهرج والمرج ولم تهدأ الأمور حتى نزل محمد على فى اليوم التالى ماشيا يتبعه أمراؤه وجنده فأمر بقطع عنق اثنين من النهابين وقطع طوسون ابنه رأس أخر وهكذا هدأ الأمر إلا أن مطاردة الفارين لم تنتهى .

يؤكد الجبرتى: «عدد القتلى فى هذه الحادثة أكثر من ألف إنسان، أمراء، وأجناد، وكشاف، ومماليك، صاروا يحملون رممهم على الأخشاب، ويرمونهم عند المغسل بالرميلة، ثم يرفعونهم ويلقونهم فى حفر من الأرض فوق بعضهم البعض، لا يتميز الأمير عن غيره، وسلخوا عدة رؤوس من رؤوس العظماء، وألقوا جماجمهم المسلوخة على الرمم فى تلك الحفر، فكانت هذه الكائنة من أشنع الحوادث التى لم يتفق مثلها»  

يسأل «جيلبرت سينويه» فى كتابه «الفرعون الأخير، محمد على» ترجمة «عبدالسلام المودنى»: «هل يجب تذكير من يستنكر هذه العملية أنها تدخل بشكل طبيعى فى إطار ما كان معروفا فى الأعراف السياسية لذلك العصر ولتلك المنطقة؟.. فالصدر الأعظم والقبطان باشا قاما بمثل ذلك فى أبوقير والقاهرة فى أكتوبر 1801، وسيقوم السلطان محمود الثانى بعمل مشابه ضد الانكشارية فى استانبول سنة 1827، وقام بونابرت شخصيا فى مارس 1799 وتحت أسوار يافا بقتل حوالى ألفين وخمسمائة سجين دون أن يرف له طرف " ..

وأتساءل إلى أى درجة كان محمد على مسترخيا حينما جلس يشاهد جنده يقطعون الرؤوس ويضعونها تحت قدمه كى يحصلون المكافأت والهدايا التى وعدهم بها وهل كان نابليون مسترخيا مثله وهل كان على مثل حالهم السلطان محمود الثانى والصدر الأعظم والقبطان باشا ومن فعل ذلك مثلهم قبلهم أو بعدهم ....

علمت أهمية الاسترخاء أكثر عندما غادرت مسكنى وتوجهت نحو عملى وفى الطريق توقفت أمام مخبز لأبتاع منه بعض أرغفة الفينو وفجأة أخبرنى البائع بأنه اعتبارا من اليوم أصبح ثمن الرغيف جنيه واحد .

السبت، 5 مارس 2022

على شفا بحيرة

 

تغادر مكانك ، تهبط درجات السلم ، تجد القطة نائمة بوداعة عند مدخل البيت ، تطفئ المصابيح المضاءة منذ الليل ، تغلق الباب وراءك جيدا ، تتنفس ، تُقلب وجهك فى السماء ، تلتفت يمينا ويسارا ، تنظر إلى البيوت والشرفات ، الكل نائم والكون يستيقظ على مهل ، تفتح باب السيارة ، تضع حقيبتك وتشغل السيارة وتتركها بعض الوقت كى تستيقظ هى الأخرى من سباتها ، ترجع إلى الخلف ثم تسير إلى اليمين بخطوات بطيئة وعند تقاطع الشارع مع الطريق تتمهل قليلا وتطلق صافرات التنبيه ، تنحدر يمينا مجددا وتواصل سيرك ، فتاة صغيرة تعبر الطريق تحمل على كتفها حقيبة وفى يمينها حقيبة أخرى ، تنتظرها سيدة على جانب الطريق فى سيارة صغيرة ، تنتظر حتى تمر ثم تواصل سيرك .

عمال النظافة يجلسون على جانب الطريق يرتدون زيهم الأخضر ، سيارة لإعداد المشروبات تقف يمينا على ناصية الطريق تقدم مشروبا ساخنا لشاب ترجل من سيارته ، تدور ناحية اليسار وعن يمينك ترى جماعات من الناس تفترش الرصيف ينتظرون السيارات التى تقلهم إلى مقار عملهم ، تواصل سيرك إلى أن تصل وجهتك ، كل الأماكن المجاورة مازالت مغلقة ، سيارة حمراء ربع نقل تقف أمام بقالة صغيرة يترجل منها سائقها ويدفع بمفتاحه فى القفل ويرفع باب المحل ، تغادر السيارة وتحمل حقيبتك وتصعد إلى مكانك ، تعد مشروبك الصباحى وتتناول معه قطعا من البسكويت ، تصف الأوراق أمامك ، عقارب الساعة هى من تؤنسك فى تلك الأوقات ، أصبحت صديقتك ، تعد عليك أوقات تواجدك وتحصى لك أوقات غيابك ، تُخبرك متى شُغلت عنها ومتى انتبهت لها ، كانت مؤخرا تمل من إهمالك فأصبحت تتأخر وتتراخى عن أداء عملها ، فتكسل وتنام أكثر الوقت ، أما الآن فعاودت سيرتها الأولى ، تدون المهام المطلوب القيام بها ويخطر فى بالك المغادرة لإنجاز بعض المهام المؤجلة .

تتردد قليلا ثم تستعن بالله وتقرر إنجاز ما أكثرت من تأجيله ، ترتب الأعمال مع زملائك ثم تصطحب أحدهم معك وتبدأ رحلتك ، تطمئن على إطارت السيارة ، يطلب منك صديقك ان يتولى هو القيادة فتوافق ، بسم الله توكلنا على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، دقائق قليلة تقضى فى طرقات المدينة قبل أن تنتقل إلى الطريق الرئيسى الذى يعج بالسيارات ، أخر مرة كنت فيها فى هذا الطريق ربما قبل عامين أو يزيد وكانت مهمة لإنجاز بعض الأعمال لعميل فى مدينة ساحلية ، تطورات كثيرة ألحقت بالطريق وبدلت الكثير من معالمه .

الشمس قوية هذا الصباح ، تصدم وجوهنا مباشرة ، تنبه صديقك إلى عدم تجاوز السرعات المقررة ، بعض الوقات فى مناورات على الطريق مع سيارات أكثرها من النقل الثقيل ، تصل إلى الكارتة ، تسدد رسوم مرور الطريق ثم تستمر قبل أن تنعطف يمينا مستقلا لطريق جديد ، الطريق جيد إلى حد ما ، تغيب عنه أعمدة الإنارة كثيرا والقليل الموجود منها تستخدم الطاقة الشمسية لتشغيله ، مزارع كثيرة على الجانبين ، تتقدم كل منها لافتة تحمل اسم احدى الشركات ، قصر ذهبى فخم وسط الحقول وسياج يدور حول تلك المساحة ، وبالسياج بوابات تتقدمها أكشاك حراسة ومراقبة .

لافتات منتشرة على الطريق لتعريف المسافرين بالطرق والتفرعات المتجهة نحو المدن التى يريدونها ، تتخطى بوابة للعبور وتسدد رسوما مجددا ، تتخطى كمين أمنى أشار إلى الكثير من سيارات النقل للتوقف يمينا ، تواصل السير ، بعض الباعة كالعادة على الطريق ، تدور يسارا ثم تسير ببطء قليلا وعلى مهل تتجه ناحية اليمين إلى أن ينبت أول الطريق فتنعطف كليا داخله ، على اليمين تبدو فى الأفق مدينة اجتزأت من المياه مساحة لتسكن فيها ، قوارب صيد كثيرة وممرات صغيرة تتسلل إلى داخل البحيرة ، تتخذ منها سيارات النقل الخفيف مسارا تحمل من خلاله الأسماك ، الكثير من مثل ذلك منتشر على طول البحيرة ، أحدهم نزل بسيارته إلى الماء يغسلها ، نواصل المسير ، ترقبكم مياه البحيرة والأكواخ والمناطق المهملة والتى سيأتى يوم ويحسن استغلالها حتما ، تنتشون من رائحة شى الأسماك وغيوم أطلت تغطى رأسيكما .

لافتات تخبركم أنكما اقتربتما من وجهتكما ، خرائط جوجل تخبركما عن كيفية مواصلة السير داخل المدينة ، وكعادة كل المدة هذه الأيام الكثير من التكسير فى الشوارع والحواجز فى الطرق ، تسألون المارة فيرشدونكما إلى المكان الذى تسألان عنه فتتجهون إليه ثم تبحثان عن مكان تصفون فيه السيارة ، تسأل السائس عن المكان المنشود فيرسل معكما أحدهم فيصحبكما إلى مكان مغاير فتعتذرون للرجل وتسألونه عن الأخر فيخبركم فتغادرون متجهون إليه فيتبعكم "السمسار" الذى أرسله معكما السائس ليرشدكما إلى وجهتكم ، يحاول السمسار تحصيل عمولة من الطرفين على عمل لم يفعله ومعروف لم يصنعه ولكن ما باليد حيلة ، تقضون اليوم وتنجزون ما أتيتما من أجله وعند العصر تبدأون رحلة العودة .

الطرق مزدحمة الأن أكثر ورائحة شواء الأسماك تزداد أكثر وأكثر والشوارع تضج بالباعة والناس والسيارات تتداخل وجهاتها وكل منها يلقى براسه ليسبق غيره ، رؤوس النخيل تداعب النسيم والشمس تغرق رأسها فى البحيرة لتدرك الغسل الأخير قبل أن تبيت ليلتها ثم تودعنا بشفقها الأحمر تبكى على يوم لن يعود .



الثلاثاء، 1 مارس 2022

المؤذن

 

يتخطى الجميع ، يبحث عن فرجة يجلس فيها ، يلتفت حوله ، كاد أن يتعثر بالجالسين ، يجد فرجة صغيرة ، دس نفسه فيها وجلس متكئا ، عيناه مثبتتان على الشيخ ، تنهمر الكلمات من فيه كأنما تهبه الحياة ، كل كلمة تتلقاها أذنيه وتقسط بها على قلبه فتلمع عيناه وتنفرج أساريره وينشرح صدره .

سنوات طوال يتنقل فيها بين الموالد والليالى بصحبة فرقته ، مزماره معه فى النهار يقوم بصيانته وعندما يخلو بنفسه يستمع إلى الست ثم يحاول مع نفسه أن يعزف ما سمعه من فرقتها ، يقتضى وقتا طويلا يعيد العزف إلى أن يجيده ، ينفخ فى مزماره كأنما يقاتل نمر شرس .

زفة فى عرس أحدهم أو ليلة يقضيها فى مولد سيدى ابو مسلم أو سيدى الشيخ جوده او سيدى خضر أو سيدى أبو مسافر ... ما أكثر الموالد فى بلد تعج بأولياء الله الصالحين والمشايخ ومريديهم ورفاعية وصوفية وخلواتية و ..... لن تستطيع لذلك حصرا ، مع فرقته وبصحبة ألاتهم مهمتهم الترويح عن الناس بالانشاد والذكر ، يدعوهم أكابر القوم ، كل عائلة تصنع لنفسها خيمة وتنقل إلى الخيمة كل ما تحتاجه من متاع ، أجولة من الأرز والدقيق وأقفاص من الطماطم والخضروات وشعلات ومواقد وأنابيب غاز ، أطباق وأوانى وموائد تنتشر ، الذبائح لا تكف ، وروائح الشيشة والحشيش لا تنضب ، كل عائلة تتبارى أن تظهر أنها الأغنى وأن خيمتها هى الأفضل وأنها فى الضيافة هى الأكرم ، كل عائلة تتعاقد مع منشد لإحياء ليلة من الليالى ، عادة تكون مدة المولد سبعة أيام ، أسبوعا كاملا فى ليلته الختامية تعد زفة كبيرة يتقدمها أكابر العائلة التى تدعى مسئوليتها عن خدمة مقام الشيخ وقبره ، يمتطون جيادا بيضا زاهية ويحملون رايات خضراء ويكتسون بأفضل وأزهى الثياب وكأنه سقط الوقار عليهم لتوه ، وتصنع الهوادج على الجمال وتعبء بالنسوة والأطفال ويطوف من حولهم المريدون يحملون سيوفا صدئة والبعض طوقت الثعابين عنقه وسيارتان رع نقل تحملان الفرقة الموسيقية وألاتها كى يعلو صوت الانشاد والذكر .

يقضى الوقت منسجما مع معزوفاته ، تنسحب منه روحه وتبحر فى عالم مختلف فينهمر منه العرق فكأنه بال فى ثيابه ، يتمايل الناس أمامه وتعلو الأصوات ، تسحر الألباب وتُسكر العقول ، الله ... الله .. قول كمان يا مولانا ، يرفع أحدهم ذراعه ويعلو صوته ....الله حى الله حى الله حى ... يسقط منه ثوبه من فرط انتشائه ، فيعيد ويزيد ويعزف وينشد ويتمايلون أكثر وأكثر ، يواصل إلى أن تنتهى فقرته ثم تبدأ السهرة مع منشد الليلة ، أحد مشائح وأعلام المدح ، الشيخ أحمد مجاهد ، البنا ، الشوبكى ، عبد للمعبود ، الشيخة سمية ، وأحيانا فاطمة عيد وابنتها شيماء ... وغيرهم " .

يدخل إلى الخيمة ، يلتهم الطعام وكأنه ثور جائع فيأكل إلى تنتفخ بطنه ، مواعيد الموالد وأماكنها ثابتة كل عام وتتوالى فهذا الأسبوع هنا والذى يليه هناك وهكذا ...

تعجبه فتاة فينكحها وترفض أمها أن تصحبه فتبقى عند أهلها ولا يراها إلا فى أسبوع المولد الذى ينعقد فى بلدهم أو ربما يتسلل لها خلسة من الوقت عندما يغلبه الشوق إلى حضنها فقد علمته الغنج وأرته العشق كما لم تفعل غيرها امرأة .

يتزوج بقريبة له فى قريته النائمة وسط بساتين نبتت فى الصحراء كبقة زيت فى بحر ، أنجبت له ابنة كأنها القمر وتلتها بابن اتخذه سندا وصاحبا ثم أقعدها المرض ...

يقضى الليل وحيدا تعاتبه نفسه وتلومه ولا يرتاح لمطعمه ومشربه ويفكر أن رزقه لا يطيب له ولابد أن يغير طريقه ، يسير فى الليل يبكى ويستند الى السور الطينى المحيط ببستان الباشا فى تلك المزرعة التى تتخطى المئة فدان ، يسقط فى سيره مغشيا عليه فيرى وكأنه وحيدا وسط ضباع جائعة وكلها تقترب منه وتحيطه ويصرخ ويصرخ وينادى ثم قفزت عليه فجأة فأغلق عينه واستسلم لمصيره ثم أفاق .

تزوجه زوجته بأخرى قريبتها صغيرة فى السن لعلها ترعاه وترعى أبناؤهم فتنجب له الأخرى طفلين ويعاجلها المرض فتموت .

يحدثه قريبه معلم القرأن أن هناك مسجدا بمدينة قريبة يحتاج إلى مؤدى شعائر أن كان يريد ، فيبكى ويبتسم ويسجد لله شكرا .

يحين موعد الأذان فيتقدم بخطى ثقيلة ، يغلق المذياع ويرفع السماعة إلى فمه ويضع يده على أذنه ويرفع النداء

الله أكبر الله أكبر ............ لا إله إلا الله

ويسقط مغشيا عليه .



واجب مدرسى

 

أرسل لى صغيرى يسألنى عن واجب مدرسى مقرر عليه " لخص قصة قرأتها للأديب نجيب محفوظ " ، صغيرى بالصف الخامس فى المرحلة الابتدائية ، لا أظن ان واضع السؤال يشك أن أحدا سيكون قد قرأ شيئا مما كتبه أديبنا الراحل نجيب محفوظ فضلا عن أن يستطيع القيام بتلخيص تلك القصة فى ثلاثة سطور ، كما أكاد أجزم أن معلمينه أيضا لا يعرفون شيئا عن نجيب محفوظ سوى المشهور عنه والمتداول اعلاميا وأشك إن كان منهم إلا القليل قد قرأ شيئا مما كتب ، أذكر قديما أنه كان من المقررات الدراسية قصة كفاح طيبة وهى الرواية التى أتم بها ثلاثيته التاريخية التى بدأ بها حياته الروائية قبل الانتقال الى بحور الحارة الواقعية قبل أن يصبغ عليها شيئا من الفانتازيا والرمزية التى واصل فيها حتى توقف عن الكتابة فى 2004 قبل أن تدركه الوفاة بعد ذلك بنحو عامين ، قلت له يا صغيرى أكتب لهم لم أقرأ شيئا مما كتب الأديب نجيب محفوظ ولم أكن أعرفه ، سألت أبى عنه فأخبرنى أنه الأديب المصرى الوحيد الذى حصل على جائزة نوبل فى الأداب ، عاش من العمر 95 عاما ، شغل العديد من الوظائف وكتب الكثير من الروايات والقصص والأعمال المسرحية وحولت الكثير من كتاباته إلى أعمال فنية ، لم يشتهر نجيب محفوظ فى أدب الطفل مثلما هو معلوم عن أديبنا رائد أدب الطفل فى مصر " كامل الكيلانى " وقد كان مقررا سابقا فى المدارس ترجمته لقصة " مصباح علاء الدين " ومن تراجمه المشهورة أيضا " السندباد البحرى ، نوادر جحا ، روبنسون كروز ، حى بنى يقظان ...." .

أعلم أن للسؤال أهمية ولكن كان من الأولى أن يكون مقررا درسا أو فصلا كاملا يحكى مختصرا عن اهم الأعلام المصريين فى مجالات متنوعة و منها بالتأكيد الأداب وتحكى شيئا عنهم ، نفتح لأبنائنا المجال لتشغيل عقولهم وكذلك لأسرهم وعائلاتهم أيضا ، نلقى إليهم بطرف الخيط ونطلب منهم البحث عنه والوصول إلى معلومات أكثر ، نرشدهم إلى الطريق الصحيح بدلا من أن تعج الكتب وتتضخم بأشياء لا تغنى ولا تسمن من جوع ، ليس من الصعب أن يكون هناك فصلا بعنوان اليوم العالمى لكتاب الطفل نذكر لهم شيئا عنهم ونشير إلى الأبرز منهم على مستوى العالم مثل " تشارلز بيرو ، يعقوب محمد اسحاق ، جون نيوبرى ، طارق البكرى ، الدكتور سوس .... " ، ثم نفصل لهم بعضا من اعلامنا فى هذا المجال فنحكى لهم مثلا عن " سعيد محمد العريان ، أحمد محمود نجيب ، عبدالتواب يوسف ، الدكتورة عفاف طبالة ، محمد عطيه الابراشى ، محمد الهراوى ، فريد معوض ، ابراهيم عزوز ، أمل فرح ، نادية كيلانى  ... " .

التاريخ زاخم بأسماء لن نستطيع حصرها والمكتبة المصرية تعج بألاف الكتب من أدب الطفل نستطيع ببساطة أن نلخصها وندرجها فى الكتب المدرسية مقررات على أبنائنا وفى نهاية كل درس نشير إلى أنه ملخصا من قصة الأديب .... هذه الاشارة البسيطة تفتح أمامهم المجال للبحث والسعى والتعلم ومحاولة معرفة التفاصيل أكثر فالمعرفة لا توهب وإنما تكتسب .

نحن أمة الأدب وأصل اللغة ومعجزة نبينا الخالدة " القرآن الكريم " أنزل بلسان عربى مبين فجدير بنا أن نتخذ من ذلك اساسا ونتم عليه البناء .