الثلاثاء، 31 ديسمبر 2019

التجربة الأنثوية - صُنع الله إبراهيم


وكان الكتاب الأخير الذى أنهيت قرائته مع صباح اليوم الأخير لعام 2919 ميلاديا هو كتاب " التجربة الأنثوية " والذى عمل على جمعه واختيار مادته وترجمته الروائى الرائع " صُنع الله إبراهيم " وعمل على أن يحوى هذا الكتاب أجرأ الأعمال النسائية التى قامت بكتابتها عن نفسها المرأة ذاتها ، وأجرأ هنا قصد بها فى سرد المرأة لحياتها الجنسية وتجاربها فى هذا الشأن فجمع كتابات تتضمن بعض العلاقات بين النساء وبعضهن أو العلاقات الطبيعية واختار أحد عشر نصا لكاتبات من جنسيات مختلفة " فرنسية ، أمريكية ، إنجليزية ، إيرلندية ، أفريقية " والنصوص المختارة هى :-
بين ذراعى تمارا  للكاتبة الفرنسية فرانسواز مالية – جوريس
استيقاظ مود – للكاتبة الأمريكية مارج بيرسى
أنا الغريبة الجميلة – للكاتبة الأمريكية روزالين دريكسلر
لا يمكن أن يكون ميتا ، فقد تحدث إلى ! – للكاتبة الأمريكية رونا جافى .
أهلا بك ! – للكاتبة الأمريكية هاربيت سومرز .
الحب بالشخص الثالث والثمانين – للكاتبة الأمريكية جويس ألبرت .
يوميات زوجة غير مخلصة – للكاتبة الأيرلندية أدنا أوبريان .
الكراسة الذهبية – للكاتبة الإنجليزية دوريس ليسنج .
جامعة الكنوز – للكاتبة الإفريقية بيسى هيد .
سولا " رقيقة من الذهب تحتها مرمر " – للكاتبة الأمريكية تونى موريسون .
القلب النازف – للكاتبة الأمريكية مارلين فرتش .
تميزت تلك النصوص بجمال السرد وطلاقة العبارات وسهولتها ولم تخل الترجمة بجمال تلك المختارات والتى حصلت بعض كاتباتها على جائزة نوبل فى الأدب .
ومن بين تلك النصوص راقنى مقتطف من نص " سولا " للأمريكية تونى موريسون ، هذا سرده :-
لو أنا تناولت قطعة من جلد الشامواه ودعكت بشدة العظمة بالظبط فوق عظمة خدك فإن بعض الأسود سيتلاشى ، سوف يتقشر ويعلق بالشامواه كاشفا عن رقيقة من الذهب ، يمكننى رؤيتها تلتمع خلال السواد  ، أعرف أنها هناك ..
ولو أنا أخذت مبرد أظافر أو حتى قشارة ايفا القديمة – فهى تصلح – وكشطت الذهب ، سيتساقط كاشفا عن مرمر ، فالمرمر هو الذى يعطى وجهك تدرجاته واستداراته ، هو السبب فى أن ابتسام فمك لا يبلغ عينيك فالمرمر يعطيه وقارا يقاوم الابتسامة الكلية .
عندئذ ألتقط أزميلا ، ومطرقة صغيرة ، وأنقر فوق المرمر لأكشطه ، سيتصدع عندئذ كما يفعل الثلج أسفل المعول ، وخلال الشقوق سألمح الطفلة ، خصبة خالصة من الحصى وأغصان النباتات ، لأن الطفلة هى التى تكسبك تلك الرائحة ، سوف أدس يدى عميقا فى تربتك ، وأرفعها وأنخلها بأصابعى متلمسة سطحها الدافئ وقشعريرة الذى تحته .
لسوف أروى تربتك وأحفظها غنية مبللة ، لكن بأى مقدار ؟ ، كم من المياه تكفى للمحافظة على بلل الطَفلة ؟ وكم يعوزونى من الطفلة لكبح مياهى ؟ ومتى تصنع الاثنتان طينا ؟ .
ابتلمع فمها كما ابتلع فخذاها أعضاؤه وساد المنزل هدوء بالغ .
وكانت خاتمة التجارب الأنثوية المختارة نص القلب النازف ، وخاتمة الكتاب فى هذا النص هذه الرسالة البليغة المعنى  " لماذ تتكرر القصة القديمة دائما ؟ دائما المرأة هى التى تدفع الثمن ، رغم كل النوايا الطيبة من الجميع .

الجمعة، 20 ديسمبر 2019

ناقة صالحة ... سعود السنعوسى


يعود سعود السنعوسى ليغرد منفردا فى طريقه وخطه الكتابى الذى اختار فيأخذنا إلى الصحراء فى رحلة بديعة بجمال اللغة التى وصفتها ، أدمت منا العيون فى قالبها وإسقاطاتها فنكبر مع دخيل ونعشق مع صالحة وندمع لـ وضحى ونلهو مع حواريها المتبنى ، نحتار لحال صالح ونأسف لفعل فالح وسماء تغضب وذئاب تعوى حول الديار الصالحة ، هل نلتقى ؟  العلم عند الله .
من بديع ما جاء بها :-
الشمس تطبخ رؤوسنا ، ولا ماء فى قريتى والعرق لا يروى ظمأ ، ليس لى ولا للصغير إلا الصبر على سياط الشمس ، وحليب ضرع زاحمنا به الحوار ، ونبوءة بشرتنى بها سحابة لا تعود .
رغم أنى صموت مثل الصحراء ، لا أجيد لهجة الحاضرة البحرية الصاخبة الخالية من الحكمة ، المدينة ثرثارة بطبيعتها ، والحكمة وليدة صمت ، والصمت لا يصير صمتا إلا فى الصحراء .
والدتى تسب سوء حظى كانت دائما ما تقول لو أنى تاجرت بالأكفان لكسد الموت وغادر الديار .
أحببتها لأنها كثيرات فى واحدة ، صعبة سهلة حرة فاتنة ، ذكية غبية خجول ماجنة ، كذابة صدوق ، هى فى الحقيقة ما كذبت قط ولكنها مثل العجائز إن أرادت قول الحقيقة مثلتها بحكاية تختلقها .
تطلق جنون ضحكاتها إذا ما داهمها خوف أو حل بها كرب ، وتذرف الدمع سخيا فى فورة فرح ، أحببت وجها ما رأيت مثله قط ، يؤاخى بين ملامح النحيب دمعا وتقطيبة حاجبين ، وبين ثغر يكركر .
لم أفتقد شيئا إلا مقازة لا يرى أخرها وخياما متناثرة فى العراء مثل حبات خال ترصع ظهر فتاة عارية ، وعواء ذئاب الليل ، وعزيف رمال تسوقها الزوابع وعيون الماء العذب ، وغناء حادى الإبل وتمايل أعناق جماله طربا مع الحداء وأرضا تلفظ كمأها فى الربيع وأراضى خبراء بعد ليال مطيرة ...
لم أفتقد شيئا إلا ما ذكرت ، والنجوم ، حتى النجوم تبدو فى الصحراء أقرب ، تكاد تقطفها بيدك مثل بلح نخلة فتية ، أما النجوم هنا فتبدو بعيدة فى سماء مدينة الطين ... مثل صالحة .


الثلاثاء، 17 ديسمبر 2019

لسعة برد


البرد شديد ، الظلام يسود متوترا ، الشوارع خالية ، اعمدة الإنارة يتطاير منها الشرر ، القمر خامل ، يتوارى مبتعدا ، أقطع أمتارا وكأنى أشق طريقا فى صخر صلد ، كلب يرتعش ، سيارة تمر مسرعة ، الحوانيت خلت من الرواد ، بائع فاكهة يجمع أقفاصه ويلملم العبوات والصناديق  الفارغة ، بعض اللافتات مازالت مضاءة ، مياه سقيا الحديقة انتهزت غفلة المسئول عنها فتخطت إلى الطريق المقابل ، ورشة الكاوتش أغلقت أبوابها وصانع الرخام يصف الأجزاء المتناثرة حول طاولته ، المخبز يخمد نيرانه ، كوافير بهجة  ، شعر وطلاء شفاه ، حلاق يعلو صوت أدواته ، بائع الحلوى وحيدا كما عهدته دوما ومتجر الكتب كسته خيوط العنكبوت ، المقهى مازال به البعض ، زهر النرد صوته واضح ، رائحة النرجيلة ، بخار يعلو من براد الشاى ، أم كلثوم تغنى ......هذه ليلتى .
كنا نجتمع ، نشعل قطع الأخشاب والحطب والأغصان الجافة والأوراق ، نملأ وعاءا بالشاى ، نشكل دائرة بالقرب من أعمدة النار نكسر بها لسعات البرد ، نطمئن بعضنا ببعضنا ، نوزع أكواب الشاى نرشفها على مهل ، ماكينة المياه صوتها يشق صمت الليل منفردا ، المياه تغيب كثيرا هذه الأيام ولا تأتى إلا فى اوقات متأخرة من الليل وبكميات لا تكفى الجميع ، ينتظر كلا منا ليال طويلة حتى يحين دوره فيروى عطش أرضه ، قسمنا أنفسنا مجموعات وكل مجموعة لها أوقات محددة ثم التى تليها وهكذا حتى تسقى كل الأراضى ، البعض طباعه غليظة وقاسية كقسوة الصخر والبعض طيب وهادئ كرائحة الطمى ، كنت صغيرا ، أخشى الظلام وعواء الكلاب ورؤوس الشياطين وسارقى البشر، كنت أحاول تناسى ذلك بالبقاء وسط المجموعة دوما وأشد الأوقات صعوبة هى تلك التى أضطر فيها للنزول إلى الأرض للاطمئنان على جريان المياه فى كل جوانبها وإبعاد ما يعيق جريان المياه وتمهيد الطريق لها فى كل نواحى الأرض ، حكايا الفلاحين ممتعة ، الشقوق التى فى أيديهم وأرجلهم مثل شقوق الأرض العطشانة وهكذا حياتهم ارتبطت بها فاكتسبوا منها كل شئ سماتهم وألوانهم وهيئاتهم ، جدى ...... وابتسامته وصوت محمد رشدى .....أدهم الشرقاوى .