يعود سعود السنعوسى ليغرد منفردا فى طريقه وخطه الكتابى
الذى اختار فيأخذنا إلى الصحراء فى رحلة بديعة بجمال اللغة التى وصفتها ، أدمت منا
العيون فى قالبها وإسقاطاتها فنكبر مع دخيل ونعشق مع صالحة وندمع لـ وضحى ونلهو مع
حواريها المتبنى ، نحتار لحال صالح ونأسف لفعل فالح وسماء تغضب وذئاب تعوى حول
الديار الصالحة ، هل نلتقى ؟ العلم عند
الله .
من بديع ما جاء
بها :-
الشمس تطبخ رؤوسنا ، ولا ماء فى قريتى والعرق لا يروى
ظمأ ، ليس لى ولا للصغير إلا الصبر على سياط الشمس ، وحليب ضرع زاحمنا به الحوار ،
ونبوءة بشرتنى بها سحابة لا تعود .
رغم أنى صموت مثل الصحراء ، لا أجيد لهجة الحاضرة
البحرية الصاخبة الخالية من الحكمة ، المدينة ثرثارة بطبيعتها ، والحكمة وليدة صمت
، والصمت لا يصير صمتا إلا فى الصحراء .
والدتى تسب سوء حظى كانت دائما ما تقول لو أنى تاجرت
بالأكفان لكسد الموت وغادر الديار .
أحببتها لأنها كثيرات فى واحدة ، صعبة سهلة حرة فاتنة ،
ذكية غبية خجول ماجنة ، كذابة صدوق ، هى فى الحقيقة ما كذبت قط ولكنها مثل العجائز
إن أرادت قول الحقيقة مثلتها بحكاية تختلقها .
تطلق جنون ضحكاتها إذا ما داهمها خوف أو حل بها كرب ،
وتذرف الدمع سخيا فى فورة فرح ، أحببت وجها ما رأيت مثله قط ، يؤاخى بين ملامح
النحيب دمعا وتقطيبة حاجبين ، وبين ثغر يكركر .
لم أفتقد شيئا إلا مقازة لا يرى أخرها وخياما متناثرة فى
العراء مثل حبات خال ترصع ظهر فتاة عارية ، وعواء ذئاب الليل ، وعزيف رمال تسوقها
الزوابع وعيون الماء العذب ، وغناء حادى الإبل وتمايل أعناق جماله طربا مع الحداء
وأرضا تلفظ كمأها فى الربيع وأراضى خبراء بعد ليال مطيرة ...
لم أفتقد شيئا إلا ما ذكرت ، والنجوم ، حتى النجوم تبدو
فى الصحراء أقرب ، تكاد تقطفها بيدك مثل بلح نخلة فتية ، أما النجوم هنا فتبدو
بعيدة فى سماء مدينة الطين ... مثل صالحة .
0 رأيك يهمنى:
إرسال تعليق