الجمعة، 20 ديسمبر 2019

ناقة صالحة ... سعود السنعوسى


يعود سعود السنعوسى ليغرد منفردا فى طريقه وخطه الكتابى الذى اختار فيأخذنا إلى الصحراء فى رحلة بديعة بجمال اللغة التى وصفتها ، أدمت منا العيون فى قالبها وإسقاطاتها فنكبر مع دخيل ونعشق مع صالحة وندمع لـ وضحى ونلهو مع حواريها المتبنى ، نحتار لحال صالح ونأسف لفعل فالح وسماء تغضب وذئاب تعوى حول الديار الصالحة ، هل نلتقى ؟  العلم عند الله .
من بديع ما جاء بها :-
الشمس تطبخ رؤوسنا ، ولا ماء فى قريتى والعرق لا يروى ظمأ ، ليس لى ولا للصغير إلا الصبر على سياط الشمس ، وحليب ضرع زاحمنا به الحوار ، ونبوءة بشرتنى بها سحابة لا تعود .
رغم أنى صموت مثل الصحراء ، لا أجيد لهجة الحاضرة البحرية الصاخبة الخالية من الحكمة ، المدينة ثرثارة بطبيعتها ، والحكمة وليدة صمت ، والصمت لا يصير صمتا إلا فى الصحراء .
والدتى تسب سوء حظى كانت دائما ما تقول لو أنى تاجرت بالأكفان لكسد الموت وغادر الديار .
أحببتها لأنها كثيرات فى واحدة ، صعبة سهلة حرة فاتنة ، ذكية غبية خجول ماجنة ، كذابة صدوق ، هى فى الحقيقة ما كذبت قط ولكنها مثل العجائز إن أرادت قول الحقيقة مثلتها بحكاية تختلقها .
تطلق جنون ضحكاتها إذا ما داهمها خوف أو حل بها كرب ، وتذرف الدمع سخيا فى فورة فرح ، أحببت وجها ما رأيت مثله قط ، يؤاخى بين ملامح النحيب دمعا وتقطيبة حاجبين ، وبين ثغر يكركر .
لم أفتقد شيئا إلا مقازة لا يرى أخرها وخياما متناثرة فى العراء مثل حبات خال ترصع ظهر فتاة عارية ، وعواء ذئاب الليل ، وعزيف رمال تسوقها الزوابع وعيون الماء العذب ، وغناء حادى الإبل وتمايل أعناق جماله طربا مع الحداء وأرضا تلفظ كمأها فى الربيع وأراضى خبراء بعد ليال مطيرة ...
لم أفتقد شيئا إلا ما ذكرت ، والنجوم ، حتى النجوم تبدو فى الصحراء أقرب ، تكاد تقطفها بيدك مثل بلح نخلة فتية ، أما النجوم هنا فتبدو بعيدة فى سماء مدينة الطين ... مثل صالحة .


0 رأيك يهمنى: