الأربعاء، 27 سبتمبر 2023

العيادة

 

أعود من العمل مبكرا قليلا على غير عادتى ، أصطحب ولدى وننزل لموعد بعيادة العيون ، نصل قبل الموعد المحدد فنجد العيادة مازالت مغلقة فننزل الى السيارة ننتظر بها ، طال الانتظار فغادرنا السيارة نقف أمامها نستنشق بعض الهواء ، السيارات تمر مسرعة حولنا وأتابعها عسى ان أرى سيارة الطبيبة قادمة ، أمام المحال التجارية أعدوا حصيرا لأدا الصلاة ، تغرب الشمس ويعلو صوت المؤذن ( الله أكبر ... ) ، اسأل حارس العمارة فيخبرنى أن العيادة مفتوحة الأن ، فنصعد إليها ونجلس فى مرحلة تالية من الانتظار ، مناوشات بسبب أسبقية الحضور لتسجيل الأسماء أولا ، تزدحم الصالة والغرفة الأخرى برواد العيادة ، تدخل سيدة عجوز بصحبة فتاتين أحسبهما ابنتيها فأغادر مكانى وأطلب منها الجلوس ، أقف بالخارج بصحبة أخرين نواصل مراحل الانتظار ، تمر دقائق أخرى يشرد فيها خاطرى فى أشياء كثيرة لا أذكر شيئا منها الآن ، تقدم الطبيبة وتلقى التحية وتطلب منى الدخول ، تقدم مساعدتها السيدة العجوز أولا فأقبل ذلك راضيا ، أعاود الجلوس بجوار ابنى وتزدحم العيادة أكثر بالداخل والخارج ، على مقعد مساعدة الطبيبة جلست إحدى الفتيات منتظرة دورها ، تضع قدما فوق الأخرى وتحمل فى يدها بعض المسليات ، تطلب من احد الاشخاص غلق الباب بسبب مكيف الهواء ، يتمعض وجه البعض ويرضى البعض الأخر ، بجوار ابنى اصطفت مجموعة من النسوة لا تتوقف هواتفهن عن ملاحقتهن ، الحياة ومصاعبها واضحة جلية على الوجوه فتكاد الابتسامات تختلس حتى من الأطفال الصغار ....

يحين دورنا فى الكشف فنزلف إلى حجرة الطبيبة ونلقى عليها السلام ، تضحك مع صغيرى وتطلب منه أن يجلس على الكرسى المخصص للكشف ، ضع ذقنك هنا ، يشاكسها فى ردوده فتقول له لم تكن هكذا قبلا ، يجادلها كثيرا فتطلب منه أن يُقل كلامه فأطلب منه الاستماع لها حتى لا تغضب الطبيبة منا وتقوم بطردنا ، ينتهى من كشفه ويخبرها أنه يريد أن يصبح طبيبا لا لشئ سوى أن خط الأطباء سئ ولأن خطه فى الكتابة كذلك فيرغب أن يكون طبيبا ، تخبره أن خطها ليس كذلك وتقدم له ورقة ليرى بنفسها فيجيبها أن لا .. خطك سئ والدليل أنى استطعت قراءته ، انهاه عن الحديث ونتبادل المقاعد ..

تخبرنى أننى بحاجة إلى إجراء بعض التحاليل الطبية وبناء على نتائجها ربما أحتاج إلى المتابعة مع طبيب باطنة ، تواصل الكشف ثم تخبرنى بتغير قياسات النظارة وتطلب منى عدم خلعها مطلقا وأن أقلل التعرض للشاشات ، تعرف مسبقا طبيعة عملى ومقدار الوقت الذى أقضيه أمام الأجهزة والشاشات ، تقول لن أطلب منك عدم العمل لكن من الضرورى جدا تقليل التعرض للشاشات ، تجنب التعرض المباشر للهواء سواء من المروحة أو المكيف ، أغلق نافذة السيارة بجوارك أثناء القيادة إلا من مساحة صغيرة ، حافظ على ارتداء نظارتك حتى وأنت نائما وأسرع فى عمل التحاليل اللازمة ، نتحدث قليلا بخصوص العمل بشكل عام وأسألها عن أسرتها ثم أقدم لها الشكر ونغادر بعد أن طلبت منى أن أصب فى عينى قطرة مرطبة ثلاث مرات يوميا ....

الأحد، 3 سبتمبر 2023

كذبات صغيرة

 

كل الحكاية أنى كنت قد عزمت على تصفيف شعرى وعندما هاتفت الحلاق وجدت امامى بعض وقت الانتظار فشغلت نفسى قليلا بالعمل والتواصل مع البعض ، قرأت صفحات فى كتاب أطالعه حاليا برفقة غيره ولكن فى مجالات مختلفة ...

طبيبة تختص بالعلاج النفسى ، شقراء الملامح ، تبدو هائة وجذابة ، ابنتها بضع سنوات ، الزوج موظف حكومى كالمعتاد ، تنخرط فى تفاصيل مرضاها .

يهاتفنى الحلاق يخبرنى انه مازال لدى وقت أخر للانتظار لازدحام المكان ..

تحاول بذل النصائح مطالبة المترددين عليها بالالتزام بها ، مستمعة جيدة ، تحدد المواعيد بدقة ، تنزل الى الشارع حيث تبتاع الوجبات السريعة والمشروبات من مطعم بالقرب ، يمكننى أن أرسم صورة عامة عن حالها ومعاناتها دون إغراقك فى التفاصيل .

تمر مواقف حياتها التى عايشتها مع ما يحكى لها فخلاف الأم مع ابنتها يذكرها بخلافها الدائم مع امها وما يحدث مع طفلتها ذات ما كانت تفعله معها أمها وأمها تلقى اللوم على تصرفات والدها ...

فتاة ذات عينين خضراوين ، تجلس فى الحافلة ، غارقة فى التفكير وكأن كل الدنيا محملة فوق عنقها ، تغادر الحافلة وتنسى شنطة وضعت فيها حذاءها التى سترتديه فى الحفل التى قررت التسلل إليه بصحبة صديقتها ، تلتقين بشابين يافعين ، صديقتها تدعى أنها صحفية لإحدى المجلات ، تقص عليهم عن كتابات تنسبها لنفسها قد سمعتها مسبقا من أناس أخرين ، يتصنعون الضحكات ، تسمع الشبان يتهامسون بشأنهن ، يمنين أنفسهن بعشاء لم يعتدنه وليلة يتمنينها ...

الحكايات تتداخل والمشاكل تتشابك والصراعات لا تنتهى ، خلافات أسرية ، مشاكل وخيانات زوجية ، تناول للعقاقير والمواد المخدرة ، اكتئاب واختناقات نفسية وعادات خاطئة وكذب كثير ، تنغمس فى حكايا مرضاها حد الهوس ، تعرف أطراف الخلافات وتصطنع مواقف للالتقاء بهم والتقرب منهم ، تعيش حياة غير حياتها وربما هذه حياتها والأولى ليست بحياتها وربما الاثنتان محض خيال ...

أقف على البر الشرقى أمامى مياه البحر يغرقها سواد الليل ، يشق الظلمة أنوار السفن واطلالات البلدان المقابلة ، منطقة شديدة العداء لبعضها ، تسير السيارة بين مدقات صعودا ونزولا ، أصل الى بلدة صغيرة ذات طباع قديمة ، يكدسون القش فى أكوام بالأماكن المتسعة ، ثم يحملونه بالاندساس تحته وحمله فلا يظهر منهم أثر فتحسبهم أكوام قش تتحرك ، يفتحون مزاليج الأبواب ثم يتسللون إلى الداخل فيغيبون فى الظلام ...

النجوم تتساقط من السماء تغرق فى ظلمات البحر فيتناثر منها النسيم الرطب ، ألمح نجمة تقف وحيدة على سطح الماء يذرف من عينيها الدمع ،  انزع ثيابى ، ألقى بنفسى دفعة واحدة وسط المياه فتجذبنى إليها ......



الجمعة، 1 سبتمبر 2023

يا عزيزى إنها حياتك أنت !

 

الحقيقة أن السر يكمن فيك أنت ، ذاتك ، رؤيتك للأشياء ، قرائتك لما يدور حولك وما يحدث ، نظرتك للشئ واستيعابك للموقف هو ما يقرر التصرف الذى ستقوم به تجاهه بعد ذلك ، فقط تحتاج أن تصمت قليلا ، تهدأ ، تراجع التفاصيل الصغيرة ، تتغافل عن بعضها أحيانا ، تستعيد بعض ما أهملته ، تحذف وتضيف ، تعيد ترتيب الأماكن داخلك .

الصراع داخلك سوف يهدأ ويقل تدريجيا وبمرور الوقت كل شئ كان غامضا سيتضح أمامك وتدرك ماهيته وكيف تتعامل معه  ..

الحقيقة أن السر كلمة واحدة " الحدود "

اقرأها مرارا ، مررها امام عينيك ، رددها على مسامعك ، ثبتها فى عقلك ، افحصها ، استخرج ما وراءها وماذا تعنيه ، لماذا وجدت وما محتوياتها ؟ ، ستجد أنك كنت تفكر أكثر من اللازم ، تقلق أكثر من اللازم ، تتخطى أكثر من اللازم ، وتسمح لغيرك بالتخطى أكثر من اللازم ، وأنك سجنت نفسك داخل قوقعة غيرك وأغلقت فوهتها عليك فلم تستطع منها فرارا ..

آفة البشر الفضول وقليل من عافاه الله منها ، الانغماس فى أحاديث الناس وحكاياتهم الشخصية وتفاصيل خلافاتهم ومشاكلهم يغرقك فى دائرة مفرغة فلا مشاكلهم تنتهى ولا صراعاتهم تهدأ ولا كلماتك تجدى غير أنك تصاب بأضرار بالغة .

العمل هو الحل لهذه المعضلة ولأكثر معضلات الحياة ، الفراغ قاتل كنار تنهش كل ما يلقى فى طريقها ، الانشغال ببناء الذات وإصلاح ما بها من عيوب وإغلاق فجواتها ، تنمية وتطوير الذات يبدأ بجلسة هادئة مع النفس تحصر فيها احتياجاتك ، ومذكرة صغيرة بجيبك تدون فيها كل ما يخطر ببالك أنه ينقصك ، وتضع خطة تسجل بها خطوات السعى اللازمة للوصول إلى أهدافك ، وتضع علامات على كل ما انتهيت منه وأنجزته لتنتقل إلى غيره من الأهداف ولا تنسى أن تقيم ذلك دوريا ، العمل الجاد هو الحل .

ستحتاج أن تقرأ كثيرا وتستمع أكثر، تقرأ عن كل شئ وتستمتع إلى صوت كل شئ من حولك وليس بداعى زج أنفك فى أحاديث الناس وتفاصيل حيواتهم وأمورهم الخاصة ولكن بقصد المعرفة التعلم واكتساب المهارات والخبرات التى تنقصك ، فكل ما نلتقى به فى حياتنا يحمل فى جعبته رسالة من الله إلينا ولذا وضعه فى طريقنا حتى لو كنا نظن أنه يحمل الشر ، فلولا الشر ما علم للخير فضلا ولولا المر ما عرف مذاق الحلو .