الثلاثاء، 31 ديسمبر 2019

التجربة الأنثوية - صُنع الله إبراهيم


وكان الكتاب الأخير الذى أنهيت قرائته مع صباح اليوم الأخير لعام 2919 ميلاديا هو كتاب " التجربة الأنثوية " والذى عمل على جمعه واختيار مادته وترجمته الروائى الرائع " صُنع الله إبراهيم " وعمل على أن يحوى هذا الكتاب أجرأ الأعمال النسائية التى قامت بكتابتها عن نفسها المرأة ذاتها ، وأجرأ هنا قصد بها فى سرد المرأة لحياتها الجنسية وتجاربها فى هذا الشأن فجمع كتابات تتضمن بعض العلاقات بين النساء وبعضهن أو العلاقات الطبيعية واختار أحد عشر نصا لكاتبات من جنسيات مختلفة " فرنسية ، أمريكية ، إنجليزية ، إيرلندية ، أفريقية " والنصوص المختارة هى :-
بين ذراعى تمارا  للكاتبة الفرنسية فرانسواز مالية – جوريس
استيقاظ مود – للكاتبة الأمريكية مارج بيرسى
أنا الغريبة الجميلة – للكاتبة الأمريكية روزالين دريكسلر
لا يمكن أن يكون ميتا ، فقد تحدث إلى ! – للكاتبة الأمريكية رونا جافى .
أهلا بك ! – للكاتبة الأمريكية هاربيت سومرز .
الحب بالشخص الثالث والثمانين – للكاتبة الأمريكية جويس ألبرت .
يوميات زوجة غير مخلصة – للكاتبة الأيرلندية أدنا أوبريان .
الكراسة الذهبية – للكاتبة الإنجليزية دوريس ليسنج .
جامعة الكنوز – للكاتبة الإفريقية بيسى هيد .
سولا " رقيقة من الذهب تحتها مرمر " – للكاتبة الأمريكية تونى موريسون .
القلب النازف – للكاتبة الأمريكية مارلين فرتش .
تميزت تلك النصوص بجمال السرد وطلاقة العبارات وسهولتها ولم تخل الترجمة بجمال تلك المختارات والتى حصلت بعض كاتباتها على جائزة نوبل فى الأدب .
ومن بين تلك النصوص راقنى مقتطف من نص " سولا " للأمريكية تونى موريسون ، هذا سرده :-
لو أنا تناولت قطعة من جلد الشامواه ودعكت بشدة العظمة بالظبط فوق عظمة خدك فإن بعض الأسود سيتلاشى ، سوف يتقشر ويعلق بالشامواه كاشفا عن رقيقة من الذهب ، يمكننى رؤيتها تلتمع خلال السواد  ، أعرف أنها هناك ..
ولو أنا أخذت مبرد أظافر أو حتى قشارة ايفا القديمة – فهى تصلح – وكشطت الذهب ، سيتساقط كاشفا عن مرمر ، فالمرمر هو الذى يعطى وجهك تدرجاته واستداراته ، هو السبب فى أن ابتسام فمك لا يبلغ عينيك فالمرمر يعطيه وقارا يقاوم الابتسامة الكلية .
عندئذ ألتقط أزميلا ، ومطرقة صغيرة ، وأنقر فوق المرمر لأكشطه ، سيتصدع عندئذ كما يفعل الثلج أسفل المعول ، وخلال الشقوق سألمح الطفلة ، خصبة خالصة من الحصى وأغصان النباتات ، لأن الطفلة هى التى تكسبك تلك الرائحة ، سوف أدس يدى عميقا فى تربتك ، وأرفعها وأنخلها بأصابعى متلمسة سطحها الدافئ وقشعريرة الذى تحته .
لسوف أروى تربتك وأحفظها غنية مبللة ، لكن بأى مقدار ؟ ، كم من المياه تكفى للمحافظة على بلل الطَفلة ؟ وكم يعوزونى من الطفلة لكبح مياهى ؟ ومتى تصنع الاثنتان طينا ؟ .
ابتلمع فمها كما ابتلع فخذاها أعضاؤه وساد المنزل هدوء بالغ .
وكانت خاتمة التجارب الأنثوية المختارة نص القلب النازف ، وخاتمة الكتاب فى هذا النص هذه الرسالة البليغة المعنى  " لماذ تتكرر القصة القديمة دائما ؟ دائما المرأة هى التى تدفع الثمن ، رغم كل النوايا الطيبة من الجميع .

الجمعة، 20 ديسمبر 2019

ناقة صالحة ... سعود السنعوسى


يعود سعود السنعوسى ليغرد منفردا فى طريقه وخطه الكتابى الذى اختار فيأخذنا إلى الصحراء فى رحلة بديعة بجمال اللغة التى وصفتها ، أدمت منا العيون فى قالبها وإسقاطاتها فنكبر مع دخيل ونعشق مع صالحة وندمع لـ وضحى ونلهو مع حواريها المتبنى ، نحتار لحال صالح ونأسف لفعل فالح وسماء تغضب وذئاب تعوى حول الديار الصالحة ، هل نلتقى ؟  العلم عند الله .
من بديع ما جاء بها :-
الشمس تطبخ رؤوسنا ، ولا ماء فى قريتى والعرق لا يروى ظمأ ، ليس لى ولا للصغير إلا الصبر على سياط الشمس ، وحليب ضرع زاحمنا به الحوار ، ونبوءة بشرتنى بها سحابة لا تعود .
رغم أنى صموت مثل الصحراء ، لا أجيد لهجة الحاضرة البحرية الصاخبة الخالية من الحكمة ، المدينة ثرثارة بطبيعتها ، والحكمة وليدة صمت ، والصمت لا يصير صمتا إلا فى الصحراء .
والدتى تسب سوء حظى كانت دائما ما تقول لو أنى تاجرت بالأكفان لكسد الموت وغادر الديار .
أحببتها لأنها كثيرات فى واحدة ، صعبة سهلة حرة فاتنة ، ذكية غبية خجول ماجنة ، كذابة صدوق ، هى فى الحقيقة ما كذبت قط ولكنها مثل العجائز إن أرادت قول الحقيقة مثلتها بحكاية تختلقها .
تطلق جنون ضحكاتها إذا ما داهمها خوف أو حل بها كرب ، وتذرف الدمع سخيا فى فورة فرح ، أحببت وجها ما رأيت مثله قط ، يؤاخى بين ملامح النحيب دمعا وتقطيبة حاجبين ، وبين ثغر يكركر .
لم أفتقد شيئا إلا مقازة لا يرى أخرها وخياما متناثرة فى العراء مثل حبات خال ترصع ظهر فتاة عارية ، وعواء ذئاب الليل ، وعزيف رمال تسوقها الزوابع وعيون الماء العذب ، وغناء حادى الإبل وتمايل أعناق جماله طربا مع الحداء وأرضا تلفظ كمأها فى الربيع وأراضى خبراء بعد ليال مطيرة ...
لم أفتقد شيئا إلا ما ذكرت ، والنجوم ، حتى النجوم تبدو فى الصحراء أقرب ، تكاد تقطفها بيدك مثل بلح نخلة فتية ، أما النجوم هنا فتبدو بعيدة فى سماء مدينة الطين ... مثل صالحة .


الثلاثاء، 17 ديسمبر 2019

لسعة برد


البرد شديد ، الظلام يسود متوترا ، الشوارع خالية ، اعمدة الإنارة يتطاير منها الشرر ، القمر خامل ، يتوارى مبتعدا ، أقطع أمتارا وكأنى أشق طريقا فى صخر صلد ، كلب يرتعش ، سيارة تمر مسرعة ، الحوانيت خلت من الرواد ، بائع فاكهة يجمع أقفاصه ويلملم العبوات والصناديق  الفارغة ، بعض اللافتات مازالت مضاءة ، مياه سقيا الحديقة انتهزت غفلة المسئول عنها فتخطت إلى الطريق المقابل ، ورشة الكاوتش أغلقت أبوابها وصانع الرخام يصف الأجزاء المتناثرة حول طاولته ، المخبز يخمد نيرانه ، كوافير بهجة  ، شعر وطلاء شفاه ، حلاق يعلو صوت أدواته ، بائع الحلوى وحيدا كما عهدته دوما ومتجر الكتب كسته خيوط العنكبوت ، المقهى مازال به البعض ، زهر النرد صوته واضح ، رائحة النرجيلة ، بخار يعلو من براد الشاى ، أم كلثوم تغنى ......هذه ليلتى .
كنا نجتمع ، نشعل قطع الأخشاب والحطب والأغصان الجافة والأوراق ، نملأ وعاءا بالشاى ، نشكل دائرة بالقرب من أعمدة النار نكسر بها لسعات البرد ، نطمئن بعضنا ببعضنا ، نوزع أكواب الشاى نرشفها على مهل ، ماكينة المياه صوتها يشق صمت الليل منفردا ، المياه تغيب كثيرا هذه الأيام ولا تأتى إلا فى اوقات متأخرة من الليل وبكميات لا تكفى الجميع ، ينتظر كلا منا ليال طويلة حتى يحين دوره فيروى عطش أرضه ، قسمنا أنفسنا مجموعات وكل مجموعة لها أوقات محددة ثم التى تليها وهكذا حتى تسقى كل الأراضى ، البعض طباعه غليظة وقاسية كقسوة الصخر والبعض طيب وهادئ كرائحة الطمى ، كنت صغيرا ، أخشى الظلام وعواء الكلاب ورؤوس الشياطين وسارقى البشر، كنت أحاول تناسى ذلك بالبقاء وسط المجموعة دوما وأشد الأوقات صعوبة هى تلك التى أضطر فيها للنزول إلى الأرض للاطمئنان على جريان المياه فى كل جوانبها وإبعاد ما يعيق جريان المياه وتمهيد الطريق لها فى كل نواحى الأرض ، حكايا الفلاحين ممتعة ، الشقوق التى فى أيديهم وأرجلهم مثل شقوق الأرض العطشانة وهكذا حياتهم ارتبطت بها فاكتسبوا منها كل شئ سماتهم وألوانهم وهيئاتهم ، جدى ...... وابتسامته وصوت محمد رشدى .....أدهم الشرقاوى .


الخميس، 14 نوفمبر 2019

من آمن العقاب ... اساء الأدب .


روى لى أخى أن زميله بالعمل وكان شابا صغير السن متفوقا فى دراسته ما جعله يلتحق بهذا العمل فى تلك الجهة الهامة ، حسن الخلق ، جميل الهيئة ، حديث عهد بالخطوبة فلم يمر على خطبته سوى أيام معدودات وبينما كان يسير فى منطقته بصحبة والده إذ رأى شجارا وصريخا ، شخص غيبت المخدرات عقله ، توسط الشارع يحمل سلاحا ينهال به على الناس ترويعا وقتلا ، النسوة يصرخن والأطفال يفرون فزعا والرجال يصيحون والشيوخ يتضرعون يارب سلم ، الناس تخاف ، تكتفى بالمشاهدة ، لا أعلم من أين امتلكوا هذه القوة كى يشاهدوا دماء تراق وأعضاء تقطع أطرافا تتطاير كالشرر ، وكبف لرجل أن يتحمل ، تقدم منه الشاب يحاول تهدئته ، الحديث معه ، يستحلفه بالله أن يكف ، ويكفى دماء عند هذا الحد ، يتعلق بثيابه ، يقبل قدمه ، اقتلنى واترك الباقين إن شئت ، وبدون أن يرجف جفنه يقتله البلطجى ليتم به مجزرته ويواصل افتراء وتعدى على دماء الناس وأعراضهم فمن آمن العقاب أساء الأدب .
إن ما يحدث فى المجتمع فى الأونة الأخيرة ينذر بكارثة لن تكون السيطرة عليها من الأمور اليسيرة ما لم يتم الإسراع بوضع الوسائل للسيطرة عليها ووضع العقوبات الرادعة .
إن تفشى وإنتشار أعمال البلطجة والإتجار فى المواد المخدرة حتى أصبح ذلك يتم عيانا بيانا فى الأماكن العامة " على النواصى وفى الطرقات والشوارع .. " ، الإتجار فى الأعضاء البشرية ، حوادث وجرائم السرقات والخطف والاغتصاب والقتل والتطرف وترويع الآمنين وكل تلك السلوكيات المنبوذة والمحرمة فى الدين والعرف ، ينبغى أن يوجه انتباه المسئولين لبذل أقصى ما فى استطاعتهم وتسخير إمكانيات الدولة للقضاء على تلك الظاهرة والتى باتت مستوطنة فى بعض المناطق بسبب التأخر فى معالجتها بالأسلوب المناسب .
الأمور تتفشى حتى تصبح أشياء عادية يعتادها الناس وربما هذا يفسر سلوكهم عند حدوث مثل تلك الأشياء فلا تجد المارة يتحرك لهم ساكنا بل والأبشع حرص البعض على تصوير وبث هذه المشاهد مباشرة على مواقع وشبكات التواصل الاجتماعى دون أن يحاول بذل الجهد فى منع الجريمة من أن تحدث أو محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه رغم الفائدة التى تحصل من وراء القيام بالتصوير لتلك الأحداث ولكن لا تكون الفائدة بنشرها وإنما بتقديمها للجهات المختصة لمحاسبة الجناة ومعاقبتهم .
غياب الأخلاق بل وانعدامها عند البعض ، الابتعاد عن الدين والتشريع السماوى وأحكامه وتطبيق حدوده فضلا عن غياب الدور الدينى للجهات المنوط بها القيام بذلك وإنشغالها بمحاولة نيل الرضا والحفاظ على المناصب والكراسى ، التوجه الأحمق من الإعلام بوسائله ووسائطه المختلفة ساهم فى نشر الفاحشة وأعمال البلطجة وإشاعتها على كل المستويات وبين كل طبقات المجتمع وفئاته حتى أصبح الأطفال يقومون بمثل تلك الأعمال من باب تقليد الممثلين والفنانين وكأن رسالة الفن أصبحت نشر البلطجة والتطرف فى المجتمع ، غياب القدوة وتمكين أصحاب الحناجر العالية والخدود المنتفخة ، معدومى العلم والعقل والحكمة وقليلى الأخلاق من المنابر الاعلامية وأصبحت مشاهدتهم ورؤيتهم روتينا يوميا وفرضا على أفراد المجتمع رضوا ذلك أو أبوا ، غياب الرادع فمن آمن العقاب أساء الأدب ، الظلم ، الفقر ، الجهل ، المرض ، البطالة ، النفاق .... وغير ذلك الكثير أدى إلى تفشى هذه الأعمال بهذا الشكل المروع .
الأمر جد خطير ، الناس تتشاجر ، تتعارك ، تتقاتل ، الناس يشاهدون ، يصورون ، حرمة الدماء والأعراض والأموال ما عادت موجودة ، البيوت تهدم ، السيارات والمملكات تحرق ، الأعناق تذبح ، وبأيد ثابتة وعيون خلت من مائها وقلوب مات احساسها وبشر نُزعت منهم إنسانيتهم ، يقبضون على هواتفهم ويضغطون بأصابعهم على أذرة هواتفهم لتشغيل كاميرات الفيديو لتصوير وبث كل تلك المشاهد مباشرة وكأن الفعل عادى ، مشهد سينمائى يتم تصويره وبعد الانتهاء منه يعود أبطاله إلى حياتهم وقد اكتسبوا مزيدا من المال والشهرة وأكتسب المجتمع مزيدا من الجهل والتطرف والانحراف .
ربما تكون تلك الجمل القصيرة بمثابة رسائل عسى أن تصل إلى من يلقى لها بالا فيحاول السعى فى إصلاح ما يمكن إصلاحه ، وليس أفضل من الاستثمار فى التعليم ، حفظ الله الأرض ، الوطن ، الإنسان .

الثلاثاء، 5 نوفمبر 2019

ضباب


الشمس تطل على إستحياء بضوء واهن، تطرق برفق خد الصباح ، تسأله أن يستيقظ ، أن يسمح لها بمعانقته وإختراق حصونه ، الضباب يأبى ، يكسو كل شئ بلونه ، الكل غائب لا يكاد يُرى أطرافه ، الكون أبيض ، رمادى ، الندى ثقيل ، طبقات متكدسة فوق بعضها ، قلعة من البرد وحبات الندى ، طيور تنفض أجنحتها تحاول تلمس الدفء ، أشجار اغتسلت لتوها وتخضبت بأريج الصباح ، بيوت نائمة ، سيارات ومركبات كسى زجاجها الضباب، الأنفاس كأعمدة الدخان ، الوجوه مخضبة بحمرة والليل ولى عند بزوغ الفجر ، الأرض خاملة وترابها مازال ناعسا  .
أسير وكأنى خلقت وحيدا فى هذا العالم ، كأنى فى سجن من خيوط الضباب ، غرفة زجاجية تحيط بى ليس بها مخارج ، فقط تركت دون سقف كى أستطيع التنفس ،  لا أرى أبعد من أمام عينى ، أخشى التعثر ، أمشى تقودنى ذاكرتى ومعرفتى الفطرية بتلك الأماكن التى أخطوها دوما ، لو لقينى أحدهم الآن لاصطدمنا ببعضنا إلا أن تسعفنا الأنفاس قبلها أو الأصوات ، أسير بمحاذاة الجدران فى المنطقة الفاصلة بينها وبين الأشجار ، كلما خطوت أكثر تكسرت أمامى الأوعية الضبابية لكنها تعود مجددا بعدما أتخطاها وكأنها تخلق من جديد .
العالم كله انحصر فى تلك المساحة وخلى من المخلوقات سواى ، أتحرك يمنة ويسرة أبحث عن أى شئ وأصل إلى لاشئ فلاشئ مطلقا سواى وبعض أصوات الطيور تطل من بعد تخبرنى أن بالخارج حياة أيضا وترغبنى فى إدراكها ، أهرول ثابتا فى مكانى ، أجلس ، أستلقى ، أتكئ ، أنام ، أتقلب فى مكانى ، عزلة رمادية داخل بقعة غشاها الضباب واختلسها من العالم ، جزيرة من فراغ لا تزيد مساحتها عن موضع خطواتى ، موحشة إذا تكدرت الدنيا فى وجهى ، مبهجة إذا عشتها جنة ، خالية من الجرائم التى ترتكب و الدماء التى تراق باسم الدين ، باسم الطائفية ، باسم الفقر ، باسم القبلية ، باسم الحاكم ، باسم الحرية وباسم الوطن .
حالة غريبة ، جعلتنى مشتتا ، سلكت بى مسالك عدة فى ثوانى قصيرة ، ما لبثت الشمس أن شقت السماء فبدى شعاعها قويا  كنصر مؤزر أتى بعد حين ، لم يعد ضعيفا واهنا كما كان ، انقشع الضباب مسرعا وكأنه ما كان وظهرت كل المعالم التى كانت قد تاهت وبدت البيوت والأشجار والسيارات وابتهجت الطيور وأخذت تغرد وتزقزق ، أصوات صبية يعلو ، ساعة تعلن أوان الذهاب .


الاثنين، 28 أكتوبر 2019

تشتت


كنت قد قررت الكتابة عن كثير من الأشياء ثم أحجمت فجأة ، تراجعت عن الكتابة ، لا أعلم سببا محددا لذلك وربما أعرف ، فى الحقيقة هى أسباب كثيرة مجتمعة ومتفرقة فربما حديث البعض معى وطلبهم منى ألا أفعل بعد كل كتابة سابقة ومبررهم ما الداعى من سرد كلمات لن يستمع لها أحد رغم معرفة الجميع بها وقناعتهم بحقيقتها ولكن ... وردى دوما " معذرة إلى ربى " أولا وثانيا كلمة ربما تكون كلمة حق وضعت فى مكانها الصحيح ووقتها المناسب وكتب الله لها أن تجد الصدى المطلوب فردت باطلا ورفعت ظلما وأرشدت إلى صواب وعلى الأقل وجهت الانتباه نحو شئ معين كان قد غُفِل عنه ، وربما كى لا يتعاطى البعض مع الكلمات وكأنها موجهة له وهو المقصود بها دون غيره رغم ما فى ذلك من فائدة فربما إن صدق مع نفسه ووجد فيها بعضا مما كُتِب سارع إلى تصحيح مساره وضبط بوصلته والتوجه إلى الطريق الصحيح وليس أفضل من ذلك قيمة إن كانت الكتابة سببا فى تهذيب الأحوال وتزكية النفوس .
ربما لمعرفتى بنفسى وبعظيم أخطائى واعترافى بضعفى وإسرافى فى أمرى فأخشى أن أكتب وأحدث بينما أنا غارق فى الخطايا كى لا أقع تحت قول الله " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب .. " ثم أتذكر أن هذا من مداخل الشيطان العظيمة عندما يريد أن يثبط همة إنسان ويضعف عزيمته عن فعل خير وسعى نحو رشد .
ربما أخشى الوقوع فى النفاق فكثيرا ما تحدثنى نفسى أن أفعالى كلها نفاق ورياء فكل ما أكتبه يجعل من يقرأ يظن بى الخير وحسن الخلق والفضيلة بينما أنا كلما خلوت بإثم اقترفته  " يظن الناس بى خيرا وإنى لشر الناس إن لم تعف عنى " .
فى الحقيقة بعد أن أنتهى من تلك الخاطرة المملوءة بالجمل المقتطعة من سردها الصحيح ربما سأحذف منها الكثير وربما لن أنشرها من الأساس وربما سأعمل على تهذيبها خشية أن يغضب البعض ما جاء بها من جمل وكلمات وأقع فى معضلة أخرى أنى أبتغى من وراء كلماتى رضا البعض وأتجنب إغضاب البعض غافلا عن أن رضا الله هو الغاية حتى لو كره كل الخلق  .

الخميس، 24 أكتوبر 2019

والسبب المطر !


وبعد مقدمة قصيرة ، انهالت الأمطار ، بدأت قطرات ثم أصبحت فى عجلة من أمرها تتدفق أفواجا أفواجا ، بدأت مبشرات فطرب الناس وتسابق البعض ليلهو وسط زخاتها مبتهجا ثم تتابعت فغضبت فتبدل لون السماء وأصبحت تشتعل وتئن وتزأر ، لم يكن اللمعان إبتهاجا كما كنا نظن وإنما كان صراخا أحدث دويا هائلا ، هزيم الرعد مدوى سبقه وميض البرق المفزع ، وأصبحت القطرات كرات من الثلج تقذف جماعات جماعات ، الأشجار كانت تتراقص طربا وفجأة أصبحت تتلوى ألما وكمدا حتى صرعتها الرياح فاقتلعت جذورها ، الطيور التى كانت تغرد وتلهو هرعت إلى أعشاشها ضامة صغارها بين أجنحتها ، الشمس غفلتنا وانسحبت دون أن يدركها أحد منا .
أصبحت الأمطار كأسد غاضب ، خرج من عرينه لتوه ، جائع يبحث عن فريسته وهل من فريسة أيسر من تلك التى تتقاذفها الريح وتحملها الأمطار .
كأن كل شئ تحالف ضدها ، أعمدة الكهرباء اشتعلت ، لم تقوى على كبح جماح شرايينها فأنفجرت العروق ملقية بشحناتها إلى الأرض والأرض أغرقها الماء والماء يحمل الموت والفريسة .... تركت فريسة .
هواتف لعينة وأبواق نزع منها صوتها وسيارات تعطلت فسد وقودها ، صرخات أم وكسر أب وبكاء صغار وأمانة ضاعت بين جنيهات عفنة ومؤن مغشوشة وذمم خربة وأنفس مريضة وراع ضيع رعيته .
الماء الطاهر ابتلع الروح والجسد البرئ فارقته قواه ، الألم وقت مضى والوجع ليل سرمدى ، النهار ولى مفارقا والليل أبى القدوم ، الروح تشبثت بالضوء والضوء هزمته دموعه .

الثلاثاء، 15 أكتوبر 2019

صغيرة


هل هذا الوقت سيرحل ، هل ستمضى كل تلك الدموع التى انسالت ، ليست مما يمكن احتماله ، الأيام ربما تخفف الألام ، هل يموت الألم ؟! ، لا أظن ... ، أعتقد أنه يشتد ويشتد مع كل صورة وذكرى ، مع كل كلمة ولحظة ، مع كل شئ تلمسه وكل مكان خطت عليه بقدميها الصغيرتين ، يشتد ثم يبحث عن ركن يهدأ فيه ليمنح النفس وقتا تجمع فيها بقاياها حتى يستطيع أن يهجم عليها مجددا ويمارس معها أفعاله ، كأن الألم لذته رؤية الأرواح معذبة ، يبدل صوره ومظهره ، يقدم على غفلة ولا يرحل دون أن يترك علامة .
ابتسامتها ، كانت صافية كسماء اغسطس ، ساحرة كليالى الأندلس ، وهادئة كصلاة الصبح .
كلماتها حانية كريش نعام ، طيبة كرحيق الياسمين ، لمساتها دافئة وأشد حنانا من الدموع .
كانت تلهو سعيدة ، تلقى بكل الأشياء هنا وهناك ، تجرى ، تقفز ، ويتقافز الفرح أمام ناظريها ، تقرب المسافات ، ضحكتها صاخبة ، بريئة كتغريد الكناريا ، ثم  خملت فجأة ، سكتت فجأة ، وساد الصمت من يومها وحل الغياب .
يا طفلتى ، صغيرتى ، أميرتى ، الحلم الذى لم يكتمل والعمر الذى لم يتم ، يا جنتى ومهجتى وضحكتى التى رحلت معك ، يا قوتى التى وهنت وأوقاتى التى ضلت ، ودمعتى التى جفت وعينى التى جمدت.
لعبك ، أرجوحنك ، تنوراتك وفساتينك ، عرائسك ، فرشاتك ، مرآتك ، وقبلاتك ......... قبلاتك .
نظرة أخيرة وقبلة وداع ودمعة تغسل خدك ، من يمسح دموعى بعدك ، من يلهو معى ، من يختبئ لى خلف الستائر وتحت الأسرة وفى خزانات الملابس ، من يقطع لى الفاكهة ويصب العصائر على ملابسى ويملأ الأركان بالشيكولاته ، من يبتسم فى وجهى قبل النوم وعند الصباح ، من سيكون صباحى وليلتى ، من يصحبنى فى نومى وغفوتى ، من أبكى فيقبل دموعى ، وأضحك فيرقص لفرحى ، وأجرى فيطير يسبقنى ، من يعانق رأسى حتى تختفى فى كف يديه الصغيرتين ، من يسبقنى فيعانقنى ، من يصرخ فى وجهى إذا غضبت ، حتى تلك اللقيمات التى كنت تضعيها فى فمى ...؟! .
هل أعد ما تبقى من عذاب حتى يحملنى القدر إليك ، كم ستمهلنى الأوقات وهل يقوى قلبى على التحمل ؟ ، تحمل بعدك ، وأيام خلت منك وأوقات طعمها علقم .
الحياة هبة والفراق موعد والرحيل حقيقة وليس أشد منه وجعا ...

الجمعة، 11 أكتوبر 2019

لم نعد صغارا " 13 "


بالقرب يقف دوما شاب حسن الخلاق ، يكتسب قوته من تقديم وجبة الإفطار ، فى بادئ الأمر كان يضع ترابيزة صغيرة فى مكان غير الذى يقف فيه الأن ، أصبح اليوم جراج لصف السيارات بين مجموعة من المبانى التجارية وكان أحيانا يقف بدلا منه صاحبه ، لسنوات عدة إعتدت على شراء إفطارى منه ، كان قديما يكتفى بتقديم ساندوتشات الفول فقط واليوم أصبح يقدم برفقتها الطعمية وشرائح البطاطس والبيض ومزيج من السلاطات ، قديما كان يعمل كل يوم وحده أو يستبدل بشريك له واليوم بفضل الله عليه أصبح يقف وبرفقته اثنان أو ثلاثة من المساعدين أو يزيد بعد أن استبدل المكان وابتاع عربة يعد بها الوجبات وترابيزات يقدمها عليها وسيارة ربع نقل لينقل عليها المؤن والاحتياجات .
بالقرب كانت هناك مكتبة شهيرة ، أصحابها شديدى الود ، ابتسامتهم لا تفارقهم ، تجاورها مكتبة أخرى والمنافسة بينهما شديدة ، سمعت أنهما كانا يوما شركاء ولكنى لم أقف على حقيقة الأمر .
توالت الأيام وتغير الأمر وتفرق أصحاب المكتبة وأصبحتا مكتبتان ، الأولى فى نفس مكانها والجديدة من خلفها كل منها تطل على جهة مضادة ، الأولى أصبحت تديرها مجموعة من الفتيات والجديدة تديرها عائلة أحد الشركاء بالمكتبة الأولى قبل أن تفرقهم السنن .
مبنى للثقافة أو لنشر الثقافة أو هو مبنى فقط ولكنه يتبع إداريا وزارة الثقافة ، بناية صغيرة تحيطها الأشجار ، المساحات الواسعة حولها وفرت للسائقين مرادهم فى وجود مكان ظل يصفون فيه سياراتهم فى انتظار مواعيد ورديات عملهم أو دورهم فى الاصلاح فى الورش القريبة وأيضا مكانا جيدا يستطيعون فيه غسل سياراتهم وتنظيفها لوجود خطوط المياه والمعدة فى الأساس لرى الأشجار .
الجدران مشبعه بكلمات الغرام أو ما يقابلها من الألفاظ والأشكال المعبر عنها بالرسم و التى تخدش الحياء وتعبر عن فعل الغرام ، وخلف المبنى كان مكانا جيدا للقاء مختلسى اللذة أو راغبى الهوى أو لمن غافلتهم الرغبة فى قضاء حاجتهم ولا يجدون مكانا .
بالقرب مساحات مترامية تفترشها الرمال مكدسة كتلال وأحيانا مستوية وعلى مسافات متباعدة تخرج بعض الحشائش رؤوسها ، أحجار وبقايا مبانى مهدمة وأوراق مبعثرة تتصدر أحدها صورة اقتطعت من مجلة يملؤها نهد ثرى وزجاجة عتيقة .

الأحد، 6 أكتوبر 2019

مسافة


لا أعرف السباحة لكنى لم أغرق ، تخطيت تلك البحيرة إلى الجسر الأخر أحمل الصبى فوق كتفى ، أغرق رأسى فى الماء حتى أغيب عن السطح ثم أرتفع ، أضرب الماء وكأنى أقاتل عدوى ، أتشبث بالحياة ولو كانت مسافة نسمة .
تخطى حاجز الخوف يا صغيرى ، الظلام كامن فى العقل وفى تلك الأشياء التى يبثونها فى وسائل الاعلام والصحف ومواقع التواصل والمناهج وبعض الكتب ، أما ما تراه فليس سوى كسوة يرتديها الكون ليلا كـ -لون قميص أبيك ، الرؤى يا صغيرى هى أحاديث عقولنا ، أفكارنا ، خواطرنا ، ما نشغل به ونفكر فيه ونبحث عنه ونسعى إليه ..
لا خوف يا صغيرى ، نخشى فقط أن تخيب آمالنا ، أن تضل الأحلام طريقها أثناء سيرنا إليها ، أن يغيب الطريق وتطول الرحلة ويرحل الآثر ..
السلام النفسى ، الطمأنينة ، الراحة ، أن يكون لك مسارك الخاص ، أن تسعى حتى يسعى الحلم خلفك فتجعله فى قبضة يدك ، أن تعانق متعتك ، أن تصل إلى ذاتك .
إذا أردت البكاء فافعل ، فى وقت أخر كنت لأزجرك قائلا .. إن البكاء غير لائق ولكن الآن وقد أدركت كل هذه الأشياء وصقلتنى كل تلك المواقف وحفرت داخلى السنوات علاماتها سأقول لك ابكى كما شئت حتى تغسل روحك وتمحو ما علق بنفسك من دنس .

السبت، 5 أكتوبر 2019

عن ... بعض...


الليل ... الوقت .... الحافلة ... الطريق .... وتلك الموسيقى
أبحث عن القلم ... عن النص الذى أفتقد... عن الكلمات التى غابت ...عن ذاك الذى كان ... ومضى .
أتصفح الأخبار ، كلها تشبه بعضها ... اعلانات .... مباريات ... هتافات وهتافات مضادة ، فتن وصراعات تشتعل ، تظاهرات ، عقارات فاخرة ، أسعار ومبالغ قد يموت البعض ولا يعرف ماهيتها ، شاليهات ، إنجازات ، تبرعات ، بهيه ، 57357 ، أبوالريش ، علاقات زوجية  ، البرود العاطفى ، أبراج ، اكتشاف المواهب ، إلغاء بعض القيود على العمرة وتخفيض الرسوم ، مهرجان الجونة وصور السجادة الحمراء تطغى على المواقع ، فريق يذهب للعب مباراة فى موعد ومدينة بينما الفريق الذى سيلاقيه فى نفس المباراة يذهب للقاء فى اليوم التالى فى مدينة أخرى وكل منهما يقول أنه على صواب ، اغانى ورقص فوق الدماء النازفة غدرا خيانة ..
كلمات أسافر معها إلى هذا البعد ، فى الزمن ، فى الوقت ، فى حب عاش به وتخلل مسامه ولا يستطيع منه فرارا ، ستون عاما وفوقها بضع أصبح عمره ولازال يبحث عن تلك التى كانت معه يوما ،  ينظر إليها وتسحره وتنظر إلى غيره وترتمى فى أحضانه ، لا يعرف عنها سوى اسمها أو ذاك الذى ظن أنه اسمها واسم أخيه أو ذاك الذى ظن أنه اسمه أيضا ..
الأيام تتغير والسنن تتوالى وتتداول بين الناس فلا يبقى شئ على حاله ولا يبقى العشق كما تخيلته وما خفى عنك فغيابه رحمة ، الأيام تصفعك أحيانا فلابد أن ينالك منها نصيبك فليس كل ما تراه صوابا يراه الأخرون مثلما تراه فالأمر نسبى خاصة إذا كان الحكم الهوى .
الحب لص برئ ، يسرق منك كل شئ أمام عينيك ، يلقى بك فى كل شئ وأنت صامت لا تملك من أمر نفسك شئ ، ينزع عنك عقل كخمر تسكر دون احتساء ، تظل تتبع خطواته وتأتمر بأمره ، لا تعى وجهتك ولا تملك الرفض ، مستسلما ومسالما ، تفعل كل شئ عن طيب خاطر ولحظة أن تدرك ذلك تكون قد انتهيت أو بالأصح يكون قد انتهى منك ، تملك منك كل شئ حتى أصبحت مدمنا عاشقا ، علامات العشق تخضب ملامحك ، جسدك واهن ، عقلك مشتت ، تركيزك غائب ، مفرط فى الشراب ، مفرط فى الهوى ، مفرط فى الموت ، الحب يا ولدى داء لا دواء منه .  

السبت، 28 سبتمبر 2019

الليل


الليل فى هذه المدينة صاخب ، صاخب كـ ضجيج سوق العاهرات ، مفعم بالمتعة ، تفوح منه رائحة العفن ، الظلم أفسد كل شئ ، حتى تلك الزروع الخضراء أصبحت تخشى أن ترى النور ، تختبئ فى باطن الأرض تستظل بأى شئ وكل شئ خشية أن يصيبها الفزع .
الليل هادئ يا أبى ، يغلفه الصمت كـ سكون المقابر وصراخ الموتى وأنين المفقودين ، كـ ألم الأسرى وقهر الفقراء وبكاء اليتامى ونظرات الجوعى .
الليل أفسد بهجته الحمقى ، تركوا المنافقين يعيثون فى الأرجاء فسادا ، المنافقون غمروا الدنيا صياحا وعويلا ، كذبا وافتراء ، حتى أضحى لون كل شئ أسود برائحة بيض فاسد ، اختلط كل شئ حتى ضل النبلاء طريقهم .. والتاريخ لا يسطره من صنعه .
الليل يا أبى كـ صحراء موحشة ، ألقيت وسطها وحدى ، السماء تكشف سوءتها ، عارية خالية من الأقنعة ، متعثر الخطى ، مشتت التفكير ، تائه ، حائر ، عابس الوجه ، متبلد المشاعر ، صخب أبواق السيارات يصم أذنى ، ضجيج السفن ، صفير قطارات وأنين المكلومين ، من اين أتى كل هذا فى هذه البقاع الخاوية ، الخالية ، أكاد لا أرى أناملى ، الظلام هو السيد الآن ، يحكم قبضته ، ضائع أنا تحت أكوام مكدسة من الرؤى ، من المشاهد المقتطعة من أفلام رخيصة ، كــ نص غير مكتمل ، تاهت ملامحه ، لا تعرف له بداية ولا نهاية ، لا تعرف سبب مهده ولا حقيقة وجوده ، الظلم قاسى والوطن دوما هو الفريسة ، والنتائج يتحملها الضعفاء  .
الليل محطم ، تدهور بشكل بالغ ، لأول مرة أراه يبكى ، وكأنه لا يعرف ماهيته ، الظلم حطم كبرياءه ، جعل منه هشا احمقا لا يملك من امر نفسه شئ ، كـ دمية فى يد أحمق غبى متغطرس ، يظن أنه يمتلك كل شئ ، يعرف كل شئ ، يحكم فى كل شئ ، رغم أنه لا شئ ، هى فقط مرآة حمقاء كاذبة تزين للبعوض أنهن فراشات .

الخميس، 26 سبتمبر 2019

لتلك اللحظة


أغيب عند هذا الجانب المظلم ، أسترق السمع إلى البحر تداعب موجاته شاطئه ، تهزمنى الدموع رغم إبتسامة قنعت بها ملامحى ، تواريت عن مرأى القمر ، نزعت ثيابى ، ألقيت بنفسى دفعة واحدة فى جوف تلك الموجات ، تركت لها نفسى ، تغرقنى ، تلقى بى هنا وهناك ، تدفعنى إلى أى وجهة تفضلها أو تهواها .
المياه باردة ، أشعر أن جسدى كـ نار تلظى ، الدموع تطفو على السطح ، أنسحب إلى الأعماق ، إلى نقطة لا أعلم مداها وأعود فأطفو ، هشا كـ زبد البحر لا قوة لى ولا حيلة .
الضوء أسود ، الموج أزرق ، الليل حالك ، الموج أصم ، أبكم ، غبى كـ ثور هائج ، وديع كـ حمل ، قوى كـ نمر ، ضعيف كـ هر ، مخادع كـ ذئب ، وفى كـ ذئب ...
البحر مخيف ، البحر خائف ، يهرب مبتعدا عنى ويتلقانى كـ عناق أب ، يبوح لى بكل ما سمع ، يقص على أسراره ، عن أولئك الذين حاول أن يبقيهم آمنين فأبوا ، عن أولئك الذين خدعوا فقبلوا وعن أولئك الذين يحاكون حالى .
الظلام يؤلف ، أجرى على الشاطئ حتى كأنى اسابقه وأعود حتى كأنى خشيت فقدانه ، أجرى أكثر وأكثر ، أرغب فى أن أقطع كل هذا الشاطئ حتى ينتهى ، أنفث كل هذا الغضب ، أنسى كل تلك الأشياء ، الأحداث ، الأشخاص ، حتى أنسى أنى نسيت ...
أفر... لا أعلم من أى شئ  ، أختبئ فى جوف الظلمة وأصدح بأعلى صوت ، الصوت رحمة والبكاء دواء ..
الليل يمضى ، الوقت ينتهى ، الموج يغيب ونسينى فى جوفه ...

الأحد، 22 سبتمبر 2019

سجن


أصبح رهينا لكل ما حدث قبلا ، لا يقوى على التخلص من الذكريات ، الآثار محفورة فى كل مكان ، الأوراق ، الصور ، الكلمات ، الكتب ، الألوان ذاتها مخضبة بهيئتها ، غارقة برائحتها ، مطلية بخمرها ، الأصوات مرتبكة ، متلعثمة ، لا يميز أى الأصوات ليس بصوتها ، الحنين قاتل والوجع مسيرة عمر والألم مسكنه الروح ...

لم تعد الطيور تغرد ، وحده الغراب ينعق قيقذف عليه ما فى جوفه ثم يفر وكأن العقبان تطارده ، النوارس أصبحت تخشى الاقتراب من المياه ، يلقى لها ما يحمله عساها تقترب كسابق عهدها ، تنظر إلى ما ألقى وتلتفت إليه ، تنظر حائرة ثم تغرب إلى لا مكان أو أى مكان لا يشبهه .
نسمات البحر جافة ، حارقة كأنما نبعت من ثغر بركان يفور ، الروح بها أزيز كأزيز المرجل ، العين كلمى والليل أصم ، الصبح يأتى متعثر الخطى يحمل قمرا بعد أن ضلت الشمس الطريق إليه .
الوقت سجن ، جداره الذكرى ، العقاب فيه صداها ، ليس بأقوى فى العقاب من أن يترك المرء للذكريات فهى كفيلة بأن تبدل حاله وتضعف بدنه وأهون العقاب أن النوم يفارق مضجعه والليل سنوات تيه ، والوطن كل ذلك .

الجمعة، 20 سبتمبر 2019

الصمت ... ذنب !

ليس أكثر مللا من هذا الذى يقضى الوقت منتظرا ، حتى أنه لا يعلم ماذا ينتظر تحديدا ، فقط ينتظر ، يجر بأسنانه عقارب الساعة يدفعها ليس إلى جهة محددة فقط يدفعها لتتحرك ، تباغته وتعود من حيث بدأت ، رأسه يدور ، كنت هنا قبلا وتخطيت هذا الوقت فكيف أرانى مستقرا على ناصيته ، قط لم أتزحزح عن مكانى ، هى فقط تهيؤات فى خلدك ، لن أمضى قبل أن يحن الأوان ، لا تتعجل الرحيل فكل شئ يجرى لأجل ...
القمر ... اين القمر ؟!
فى ليل سرمدى ، ضوءه حالك ، هواءه مربك ، هواءه ؟! ... ليس به هواء ، هى ليلة عقيمة نزعت من رحمها مهبط النسمات ، حتى عواء الكلاب غاب ، الكل اجتمع على الصمت .
الصمت ... ما الصمت ؟!
سكون ساذج ، ضحك مخادع ، تظن ثم تدرك " إن بعض الظن إثم " ، وقت يعج بالخوف ، بالترقب ، بالتفكير ، متى وكيف وماذا ولماذا وأين ؟
السكون ناصح ضال ، يشبهنى تماما ، يرتدى ثوب النصح ويقود خطواتك إلى الهوى .
الهوى ... ما الهوى ؟!
شغف اللذة ، نشوة الأمنية ، متعة المراد ، شبق الشهوة ، كل شء ولا شئ ، سبل متقطعة رغم توازى الخطوات ، تأخذك إلى درب الوحدة .
الوحدة ... ما الوحدة ؟!
أهو ذلك الوقت الذى تنتظره ، أما الغائب الذى تترقبه ، أما هى مشاعرك المرتبكة ، أفعالك التى تخجل منها ، تصرفاتك الحمقاء ، كتاباتك الملقاة فى كل موضع ، أوراقك المبعثرة ، أعمالك المؤجلة ، قائمة القراءات التى لا تنتهى ، قبلة لم تنسى مذاقها شفتيك ، ضحكة كصهيل خيل تسكر عقلك ، تسحر لبك وتفعل بك الأفعال .
السحر ... ما السحر ؟ !
السحر .. أنت !
الكلمات تعشق الغياب فى أشد أوقات حاجتك لها ، طرح جوف ، صرخة عقل ، ثورة خجل ، دموع الوقت ، بهجة المكان وحزنه ، نبض القلب ودقاته ، الأرقام التى لا تنطق ، الحقائق التى تهرب من البوح بها وهى الحاجة ... هى أنت !
الكتابة ... صمت وسكون وانتظار ... ذنب لا توبة منه ... حتى حين .

السبت، 14 سبتمبر 2019

شوق الدرويش

لم يدر فى ذهنى أن تلك الصفحات ستسرقنى إلى هذا الحد ، الرواية بقربى منذ صدورها لكنى لم أقرأها ، تركتها وكل مرة أتناول كتابا أقترب منها ثم أدعها لغيرها واليوم وقعت يدى عليها ، بدأت الصفحات وبدأت معها خواطرى وما إن وجدت الوقت حتى إلتهمتها كاملة ، ما بين درويش ودرويش تدور الرحى وينتشر الحب ويظلل السماء الموت ، فى بعثة كنسية تهرب حواء " اسمها بعد ذلك " من اعتصار ابن بائع الزيتون لشفتيها المربكتين ، عيناها واسعتان كبحيرة عسل ، انفها به طول محبب وشفتاها وحشيتان ، شعرها البندقى يتحدى خمارها ويسيل كالنهار المشرق ، عذابها ورقها لم يزيداها إلا فتنة ... عيناها تحملان حزنا دائما ...
ثمان وعشرون ليلة فى رحلة من مصر إلى السودان تمر بـ " سواكن " فتأنس بها – مدينة عربية عتيقة مبانيها أشبه بخيالاتها عن الليالى العربية ، ألف ليلة وليلة ، بيوت من طابقين أو ثلاثة ، من حجر مرجان كلس مستخرج من قعر البحر وعلى الشوارع الضيقة تطل الشرفات الخشبية .
القاهرة – الاسكندرية – سواكن – الخرطوم – أم درمان ...
تغادر أمها وأبيها مودعة تحنو إلى عالم جديد فى سنوات تقضيه فى تلك البعثة الكنسية تعلم الرعايا وتنشر الأهداف الكنسية ولا تعلم أن هذا وداعها الأخير لهم ...فى صحبتها من هنا فى مثل عمرها ومن هن أكبر ، من سبق لهن السفر ومن هن مثلها لم يذقن طعمه قبلا .
قافلة تقطع الصحراء طوال المسير ومدينة أهلها يأكلون لحوم البشر ، يونس أول من تأنس به وتفرح بقربه وأول من يهديها هديه وأخر من ينتزع منها الحياة ، دليل تعشقه جمالها فتبتسم له ، قساوسة ورهبان يحنون عليها وأقارب جعلوا منها ابنتهم بعد موت ابنتهم وعجوز تخدمها وتعلمها اللغة وزوجة شيخ تفرح بها وتهون عليها أوجاعها ..
بخيت منديل " عبد " مهما تغيرت السنوات ودارت بن الناس السنن ، أينما حل أصبح عبدا فى السودان ، فى مصر ، فى السجن ، وفى عشقها يموت " عبدا " .
أيتها الطفلة النارية شفتاك من نبيذ الشيطان ... من أى مرمر نحتتك الملائكة ؟ ....
تقاربها فى البياض المشرق كأنها دفقة هاربة من نور الصباح ..
لا يطمع أن تحادثه ، هى غضبى كعادتها ، يريد فقط نظرة من بُعد ، لعلها تروى اشواقه ، ترطب يباس روحه .. حين يرى وجهها لا يسكن الشوق لكن ينتظم عالمه وتسرى فى عروقه القوة فإذا غابت أحسن انسحاب الحياة من جسده ... هى كالروح .
يتخطف النظرات إليها ، ينتظرها عند العصر فى سقيفة بائع الخضار ، كانت تلقاه صدفة أما هو فكان يعد الأوقات وإن غابت غابت روحه ..
الموت يظلل على المدينة ، لم يعد هناك مكان آمن – الجوع يغلف كل شئ حتى أكلت الأم صغيرها حتى " مريسيلة " كادت أن تأكل لولا أن الحياة لا زالت تحمل لها أحوالا وأحوال ..
" مريسيلة " كل من يلقاها يشتهيها أما هى فتشتهيه وهو ملتبس بحواء فلا يرى غيرها ..
حواء .. الماء يسيل على جسدها ، عارية كبهجة متوحشة ، بيضاء كحليب البلابل ، شعرها البندقى مبلل يلتصق بعنقها ويتشبث بوجنتيها ، عنقها طويل كغزال ونهداها ثمرتى تبلدى .
بخيت – عيناه حائرتان كطفل ، صافيتان كنهر ، يحاصره الوجع .
لا تحب النساء العاشق ، إن كنت وضعت بين ساقيها ما يشبع غلفتها لملكتها .
حسن ... فاطمة ... وما أدراك ما فاطمة ؟ ! ..
القتل يزداد ، يأكل كل شئ فى مدينة تعج بالأوربيين والمصريين والأتراك ، المدينة ترتجف يكسوها يأس حزين ، الهواء رطب مشبع بالملح ينضح ببرودة خفيفة والسماء مثقلة بالسحب توشك أن تسقط على البيوت .
وليلة الاحتفال تكون ليلتها وحفار قبور تفتنه رائحة المسك والخمر سكرها أشد .
دين المحبة يقتل .. دين المحبة قيد ... إن الحرية فى إخلاص المرء لقيده .


الخميس، 12 سبتمبر 2019

كنت فى بالى

حاولت عبثا الكتابة ، الهروب إلى ذلك الملجأ الذى لا يتركنى مكبلا بجراحى ويركض ، تتسابق الكلمات إلى شفة القلم ، تشتعل ، تلتهب ، تقئ نارا موقدة ، تستعر وتتأجج ، تأتى على كل ما تدركه أو يدركها سهوا كان أو خطأ .

بعض المواقف والأحداث لا نستطيع تبرير حدوثها ولكنها حدثت وتحدث ، كل ما نفر منه يسرع نحونا ...

على عجل أصف الكلمات فتفر منى ، تحوم حول الحمى يوشك أن تتخطى جدرانه ، تقتلع نوافذه وتحطم أصفاده ، لم يعد الأمر بهين على القلب ... ينزف من فرط شوقه .

الرؤيا أفسدت كل شئ ، كل العقبات التى ظن أنه تخطاها تهدمت أول ضحكة ، ارتبكت  فانسكب الماء يغرق كل شئ أدركه ،  عندما إلتقت عينى بعينيها المشاغبتين ، الأنفاس عادت إلى سابق عهدها ما غيرها الغياب ...

لسه انت كنت فى بالى حالا من مفيش ....

يرتجف القلم ، تغسل الدموع الأعين ، الإثم إثمك ، أنت اقترفته والآن تنال جزاء صنيعك ، الروح أصبحت ثقيلة كأطنان صخر تكدست ... فلا يقوى البدن على تحملها ، يا قلب إنما الحب شر فإتقه ..

من بعدى عايش ولا مش عارف تعيش ...

الأحزان كأنها الشاطئ على بحر لا بر له سواها ، الوجع سرمدى ، والآلم مسافة عمر والقلب غلفه التعب .......

الأربعاء، 11 سبتمبر 2019

لم نعد صغارا " 12 "


تتوالى الأيام تترا تجر بعضها بعضا ، يزحف الناس الى المكان ، المساحات الخاوية أصبحت تشتعل ضجيجا كل وقت ، صوت أبواق السيارات يتعالى خاصة فى وقت الصباح عند انصراف الجميع الى اعمالهم وساعة الغروب عند إيابهم ، الازدحام يسبب العديد من المشاكل كالعادة عندما تكتظ السيارات وتتلاقى عند هذه المفارق ،  أصوات احتكاك الاطارات بالأرصفة ورائحة المكابح تتعالى مع كل مسرع يفاجئه الدوران ، ورش السيارات انتبهت للأمر فاتخذت من هذا المكان مقرا لها ، أصبت البقعة الهادئة قلما تكون كذلك دوما يطغى عليها الطرق بالمطارق وأصوات ألات تغيير الاطارات .
بالجوار مقهى يرتاده الكثير فى مدينة كان سكانها نادرا ما يرتادون هذه الأماكن فكانت معدودة وقتها والآن أصبحت تعج بالمقاهى  ، رائحة الشيشة تختلط برائحة مكابح السيارات ، ورشة لحام حديد تنفس رائحتها هى الأخرى فيختلط الجميع وتضيع راحتنا وسط ذلك ، رواد المقهى من أولئك الشباب الذين يجدون من ينفق عليهم وأولئك الذين يقتنصون بعض الأوقات لتعاطى شيئا مما يكره وبعض الصبية ممن فروا من مدارسهم ومعاهدهم تصحبهم بعض الفتيات ممن يعتقدن أن مع هؤلاء تتم الحياة وبين هذا وذاك تتفك عرى المجتمع وروابطه فلا هذا ذهب إلى تعليمه ولا ذاك بحث عن عمله وضل أمل الوطن فى أبناء يشيدون مجده وقل من يتخذ من المكان مقرا للترفيه عن نفسه قليلا ولقاء أقرانه وأصحابه فى مكان يناسب وقتهم وليت الوقت ينقضى دون شجار .

الاثنين، 9 سبتمبر 2019

لم نعد صغارا " 11 "


إنتقل التفكير الى زاوية أخرى حيث تخطط لمستقبلك فلابد من السعى نحو بلوغ الأهداف المنشودة ، العمل هو السبيل فلابد من إعطائه الأهمية الأولى حتى الوصول للمبتغى .
تتوالى الساعات التى أمكثها فى العمل أو بالمعنى الدقيق فى مكان العمل لعل وعسى تتحسن الأمور ، وشيئا فشيئا يمن الله على وأستطيع إدخار مبلغا من المال ، فكرت أن أستفيد به فى التقديم لاقتناء مكتب بمكان جيد للتخلص من كثرة الانتقال وتغيير مقر العمل بسبب القيم الايجارية التى تتزايد بشكل لا يعقل ، بحثت كثيرا بصحبة بعض الأصدقاء وقضينا اياما نسعى على أقدامنا نبحث عن مكان مناسب ولكن المبلغ كان صغيرا أكثر مما نظن فلم يمكننا من التقديم على أى شئ وفى خضم سعينا وبحثنا تعثرت برجل طيب القلب عرفته سابقا فى أعوامى الأولى فى هذه المدينة ، كان يعمل بالأمن فى الشركة المالكة للعقار الذى كان به مقر عملى ، جلست إليه وتحدثت معه مرات ومرات ، أخبرنى أن لديهم بعض أصحاب الوحدات يريدون بيعها وأنه يستطيع التحدث معهم فى الأسعار ولكن كانت المشكلة دوما فى أن المبلغ المدخر صغير يقل أحتاجه إلى أربع أضعافه كى يستطيع اقتناء تلك الوحدة الصغيرة التى يتكلم عنها ، استخرت الله وطلبت منه التحدث إلى ملاك الوحدة ليصل معهم الى السعر الأخير وكيفية السداد وكان الأمر أن تم تخيض السعر قليلا لكن السداد نقدا غير أن الوحدة مستحق عليها بعض الأقساط للشركة المنشئة للعقار ولم يحن موعد استحقاقها فيستطيع المشترى الجديد أن يتم سداد الأقساط حينما يحن موعد استحقاقها وكانت تعادل ربع المبلغ تقريبا .
وللمرة الأولى ألجأ إلى الاقتراض وليس اقتراضا لقيمة بسيطة ولكنه مبلغ كبير ولا أعلم كيف سأقوم بسداده لكن فضل الله على أنه أعاننى على الادخار ممن لا يطالبوننى بتعجيل السداد .
الفترات من يونيه الى منتصف أغسطس كانت هى فترات البحث والتفاوض وفى أغسطس تم الاتفاق والتعاقد بفضل الله وكرمه .
كان يتبقى لى فى عقد الأيجار مدة تقارب العام كاملا حتى أجدد التعاقد أو أرحل مغادرا المكان ، وحتى لا أضع رأسى بين المطرقة والسندان اجتهدت بكل ما استطعت حتى أتمكن من إنهاء تشطيب المكتب الجديد خلال فترة بسيطة وفى خلال ثلاثة شهور تم الأمر وفى منتصف نوفمبر انتقلت إلى المكان الجديد مغادرا المكتب المستأجر بعد ثلاثة أعوام أو ما يقاربها قضيتها فيه ، ساعدنى على إتمام هذا الأمر فى هذا التوقيت هؤلاء الشباب الجيدون الذين كانوا يعملون معى فى تلك الفترة وحرصوا على مساعدتى قدر استطاعتهم ولم يدخروا وقتا أو مجهودا فى فعل ذلك .
لم يكن بالأمر اليسر فعل ذلك ولولا توفيق الله وفضله ما استطعنا ، لقد كنا نحمل الرمال والسيراميك والأسمنت وكل ما يحتاجه العمال من مؤن فوق أعناقنا كى تتم أعمال التشطيبات ، كنا نشد على ايديهم ، نلازمهم طوال الوقت حتى يعطوا الاهتمام الكافى للعمل لينجز فى أقل وقت ممكن ، الله وحده يعلم كيف تدبرت المبالغ المطلوبة للقيام بالتشطيبات فى هذا الوقت بخلاف ما يسدد معها من أقساط وما يتكلفه المحافظة على سير العمل بالمكتب دون تعطل أو تأخير لمصالح العملاء ، حتى أنا نفسى أتعجب وإلى الآن كيف تم ذلك ولكن يسر الله غالب .

الخميس، 5 سبتمبر 2019

باب موارب

رغم قساوة كل ما كان وصعوبة ما حدث ، رغم كلمات اللقاء الأخير وغلظتها ، رغم تلك النظرات الجامدة ، القاسية ، الدامعة ، لحظة ختام ولن يكون هناك بعدها عودة إلى هنا .... أبدا 
ربما الصمت هو ما يؤلم أكثر لكن ما أدراك أن الحديث وقتها سيجدى ، ربما كان سيزيد الأمور سوءا ، الصمت والنظرة الأخيرة المغلفة بالعتاب تكفى .. ربما تكون هى مفتاح العودة ، الباب الذى ترك مواربا فإن عدت وجدت مكانك دافئا وكأنك ما غيبت عنه سوى مسيرة بسمة ....
الأوقات الخالية سترغمك على استرجاع شريط الذكريات ، تمر أمام عينيك كل لحظة وكأنك تعيشها ، رغما عنك تبتسم فجأة ، تبكى فجأة ، تصرخ فجأة ، وجهك يشتعل احمرارا ، عيناك تلمع ، يديك يغطيها العرق فى شتاء ديسمبر ، شفتاك تعضان على بعضهما بقسوة ، دقات قلبك تتارجح صعودا وهبوطا ..
لا تقطع دوما خيط الوصال الأخير ودع " شعرة معاوية " متصلة فربما يأتى يوم وتكون هى السبيل الوحيد للعودة ...

الأربعاء، 4 سبتمبر 2019

بيع قلبك

بيع قلبك ... بيع ودك ... شوف الشارى مين
تحاول أن تبدى شيئا مما كانت عليه بإبتسامة كانت قديما صاخبة ولكن مهما علا صوت الضحكات فذاك لا يخفى ما استقر بالقلب ، قتامة تلك الأوقات وما صارت إليه الأحوال أفسدت كل شئ رغم محاولة الاندماج بين الكثير ولكن ربما تلك السنوات كان لها شديد الآثر علي حالها فلا تستطيع التخلص منه بسهولة لذا سعت إلى محاولة شغل كل تلك الأوقات والمساحات بأخرين سواء كان ذلك يناسبها أم لا ، لابد من ملئ كل تلك التجويفات وسدها بما يشغلها حتى تمتلئ الحياة ...
شوف عهدى ... مين بعدى  ... حايصونهولك مين ...
محاولة التلفظ ببعض الجمل والكلمات التى كانت تخص أوقاتنا وحدنا لن يبدل من الأمر شئ ، لم نكن قبلا مصطنعين ، كنا نترك الأمور على سجيتها ، يحدث كل شئ بشكل عفوى ، لا نتدخل فيه مطلقا ، لذا عندما نحاول الآن استخدام نفس ما كنا نتلفظ به حينها لن يعيد الأمور الى طبيعتها ولن سيشوه اللحظات ويفسد الذكرى ...
العهد اللى رعاك ... والقلب اللى فداك ... ايامه عمرها بسنين ... شوف الشارى مين
ربما يستطيع اولئك الجدد أو من يقع عليه الاختيار منهم من شغل مساحة بعينها وربما ينسيك ما كان يوما ولكن ما يسرى فى الروح دواءه الروح ...الروح ذاتها
قبل ما تنسى العهد الغالى ... فكر ليله وهات لياليه
شوف مين غيرنا قضى ليالى ... عايشة بعمر شبابى فيه ..
أعلم أنك تسعى للتخلص من كل ما اقتنيناه سويا وربما يمكنك ذلك .. ولكن كيف يمكنك التخلص من المواقف والأوقات والذكريات ... وتلك الرائحة .... مهما كان يمكن التخلص فإن البعض يبقى آثره ....
هتلاقى خطوة قلبى وقلبك .... مستنية هناك 
شايلالى كلمة فضلت ... منك لما كنت معاك  ... شوف الشارى مين ....
انا يسعدنى تبعد عنى وتجرب غيرى فى هواه ...
شوف مين حبه أكتر منى ... لو شاف اللى انا شفته معاك ...

الأحد، 18 أغسطس 2019

كان ولن يعد

تمر على أعتاب الألم دون أن يطرف جفنك أو يتحرك بصرك فما عاد شئ يزهر فى هذه الأرض الغاضبة ، تجشأت فأفرغت ما فى جوفها من علقم فأتى على كل ما حل به ، كل يبحث عن صالحه ينتظر فرصة مواتية كى ينقض ويقتنص ، البعض يعد ذلك ذكاء .. ربما والبعض يعد ذك جشعا وطمعا ... ربما ، فى كل الأحوال هو افتراس كل شئ لكل شئ .
لا تكاد تآمن لإبتسامة بدت فى عين أحدهم عندما إلتقت النظرات فربما كانت المخدر الذى يسبق الذبح ، لا يستحى أن يخرج أحشاءك ويتباهى بها أو يسارع بإلتهامها قبل أن ينقض عليه احدهم فيفتك به ويفوز بها وبه ..
تمحو بعض السطور ، تبدل بعض الكلمات ، تزيد بعض الجمل ، العبارات ثكلى نزعت منها مفاتنها ..
ذاك الذى كان يوما ... كان ولن يعد !