الخميس، 14 نوفمبر 2019

من آمن العقاب ... اساء الأدب .


روى لى أخى أن زميله بالعمل وكان شابا صغير السن متفوقا فى دراسته ما جعله يلتحق بهذا العمل فى تلك الجهة الهامة ، حسن الخلق ، جميل الهيئة ، حديث عهد بالخطوبة فلم يمر على خطبته سوى أيام معدودات وبينما كان يسير فى منطقته بصحبة والده إذ رأى شجارا وصريخا ، شخص غيبت المخدرات عقله ، توسط الشارع يحمل سلاحا ينهال به على الناس ترويعا وقتلا ، النسوة يصرخن والأطفال يفرون فزعا والرجال يصيحون والشيوخ يتضرعون يارب سلم ، الناس تخاف ، تكتفى بالمشاهدة ، لا أعلم من أين امتلكوا هذه القوة كى يشاهدوا دماء تراق وأعضاء تقطع أطرافا تتطاير كالشرر ، وكبف لرجل أن يتحمل ، تقدم منه الشاب يحاول تهدئته ، الحديث معه ، يستحلفه بالله أن يكف ، ويكفى دماء عند هذا الحد ، يتعلق بثيابه ، يقبل قدمه ، اقتلنى واترك الباقين إن شئت ، وبدون أن يرجف جفنه يقتله البلطجى ليتم به مجزرته ويواصل افتراء وتعدى على دماء الناس وأعراضهم فمن آمن العقاب أساء الأدب .
إن ما يحدث فى المجتمع فى الأونة الأخيرة ينذر بكارثة لن تكون السيطرة عليها من الأمور اليسيرة ما لم يتم الإسراع بوضع الوسائل للسيطرة عليها ووضع العقوبات الرادعة .
إن تفشى وإنتشار أعمال البلطجة والإتجار فى المواد المخدرة حتى أصبح ذلك يتم عيانا بيانا فى الأماكن العامة " على النواصى وفى الطرقات والشوارع .. " ، الإتجار فى الأعضاء البشرية ، حوادث وجرائم السرقات والخطف والاغتصاب والقتل والتطرف وترويع الآمنين وكل تلك السلوكيات المنبوذة والمحرمة فى الدين والعرف ، ينبغى أن يوجه انتباه المسئولين لبذل أقصى ما فى استطاعتهم وتسخير إمكانيات الدولة للقضاء على تلك الظاهرة والتى باتت مستوطنة فى بعض المناطق بسبب التأخر فى معالجتها بالأسلوب المناسب .
الأمور تتفشى حتى تصبح أشياء عادية يعتادها الناس وربما هذا يفسر سلوكهم عند حدوث مثل تلك الأشياء فلا تجد المارة يتحرك لهم ساكنا بل والأبشع حرص البعض على تصوير وبث هذه المشاهد مباشرة على مواقع وشبكات التواصل الاجتماعى دون أن يحاول بذل الجهد فى منع الجريمة من أن تحدث أو محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه رغم الفائدة التى تحصل من وراء القيام بالتصوير لتلك الأحداث ولكن لا تكون الفائدة بنشرها وإنما بتقديمها للجهات المختصة لمحاسبة الجناة ومعاقبتهم .
غياب الأخلاق بل وانعدامها عند البعض ، الابتعاد عن الدين والتشريع السماوى وأحكامه وتطبيق حدوده فضلا عن غياب الدور الدينى للجهات المنوط بها القيام بذلك وإنشغالها بمحاولة نيل الرضا والحفاظ على المناصب والكراسى ، التوجه الأحمق من الإعلام بوسائله ووسائطه المختلفة ساهم فى نشر الفاحشة وأعمال البلطجة وإشاعتها على كل المستويات وبين كل طبقات المجتمع وفئاته حتى أصبح الأطفال يقومون بمثل تلك الأعمال من باب تقليد الممثلين والفنانين وكأن رسالة الفن أصبحت نشر البلطجة والتطرف فى المجتمع ، غياب القدوة وتمكين أصحاب الحناجر العالية والخدود المنتفخة ، معدومى العلم والعقل والحكمة وقليلى الأخلاق من المنابر الاعلامية وأصبحت مشاهدتهم ورؤيتهم روتينا يوميا وفرضا على أفراد المجتمع رضوا ذلك أو أبوا ، غياب الرادع فمن آمن العقاب أساء الأدب ، الظلم ، الفقر ، الجهل ، المرض ، البطالة ، النفاق .... وغير ذلك الكثير أدى إلى تفشى هذه الأعمال بهذا الشكل المروع .
الأمر جد خطير ، الناس تتشاجر ، تتعارك ، تتقاتل ، الناس يشاهدون ، يصورون ، حرمة الدماء والأعراض والأموال ما عادت موجودة ، البيوت تهدم ، السيارات والمملكات تحرق ، الأعناق تذبح ، وبأيد ثابتة وعيون خلت من مائها وقلوب مات احساسها وبشر نُزعت منهم إنسانيتهم ، يقبضون على هواتفهم ويضغطون بأصابعهم على أذرة هواتفهم لتشغيل كاميرات الفيديو لتصوير وبث كل تلك المشاهد مباشرة وكأن الفعل عادى ، مشهد سينمائى يتم تصويره وبعد الانتهاء منه يعود أبطاله إلى حياتهم وقد اكتسبوا مزيدا من المال والشهرة وأكتسب المجتمع مزيدا من الجهل والتطرف والانحراف .
ربما تكون تلك الجمل القصيرة بمثابة رسائل عسى أن تصل إلى من يلقى لها بالا فيحاول السعى فى إصلاح ما يمكن إصلاحه ، وليس أفضل من الاستثمار فى التعليم ، حفظ الله الأرض ، الوطن ، الإنسان .

0 رأيك يهمنى: