الثلاثاء، 7 يناير 2020

تلك الرائحة – صُنع الله إبراهيم


تلك الرائحة
تلتصق عيوننا بعيون جامدة لا تنطق ، وتصطدم أذاننا بأصوات سريعة بانرة لا تتمهل ، وتتعلق قلوبنا بأيدى سمينة ثقيلة لا تفكر ، وحولنا الجدران تلتقى فى أربعة أركان ، والباب مغلق والسقف قريب ، لا منجاة .
كانت عيناها نجمتين فى فضاء ساكن ، وكنت سابحا فى الفضاء ضائعا ، وكان بالليل عندما إلتقت عيوننا ، وكانت عيناها تلمعان فى الضوء ، رأيت صورتى فى بياضهما الواسع ورأيتها فى سوادهما العميق .
وكانت بشرة وجهها ناعمة وشفتاها ممتلئتين والسفلى دائما منفصلة قليلا عن العليا ومقوسة ، داكنة اللون كأنها ملتهبة من شئ ما .
الثعبان
من الخلف فقد كان الثعبان يلتوى بوضوح تاركا ذيله بعيدا بُعد الواحة ، أما الرأس فكانت تزحف إلى الأمام بسرعة محمومة ، تشرئب بعنقها فى شوق ولهفة لترى ماذا بعد ، وتبدو الجبال فجأة وكأنها تسد الطريق .
أرسين لوبين
كانت الروايات قديمة ، اختفت أغلفتها واسمرت صفحاتها وتمزقت ، وكان التراب يتصاعد منها ممزوجا برائحة غريبة كانت تأتى من كل شئ فى الدكان ، وكنت أحب هذه الرائحة .
بعد الظهر عبر ثلاثة أسرة
كل منهم يتصور عصارى الصيف فوق مقاعد القش فى الحديقة ، والهواء يهب خفيفا وكلما أوغل الليل ازدادت رطوبته ، أو صباحيات الشتاء فى الجانب الأخر من المنزل ، والشمس تسقط مترددة فى البداية ثم تزداد دفئا كلما تقدم النهار .
أغانى المساء
كانت السماء قريبة دانية ، والنجوم تتحرك فى خفة ، وخفقت إحداها فى اضطراب وضعف .
لم أكن أسمع شيئا مطلقا وبعد لحظة تبينت صوت تنفس أبى وكان قويا ، وكانت رأسى مستندة إلى جانبه ، فشعرت بصدره يتحرك ، واحتكت قطعة قوية من المعدن فى حزام الفتق الذى يلفه حول وسطه بإذنى فآلمتنى ، وما لبثنا أن سمعنا صوت انفجارات متتالية ، كان الصوت قريبا جدا كأنه فى الشارع المجاور ، وتصورت أن هناك طائرة تتقدم نحو منزلنا ، وهى تسقط القنابل أثناء تقدمها ، ولأول مرة توقعت أن تقع علينا قنبلة بين لحظة وأخرى .
أبيض وأزرق  
غادر الجميع السيارة فتبعتهم أنا وزوجتى بعد أن بسطت الجريدة فوق مقعدنا ، وعبرنا بوابة صغيرة إلى أزقة ضيقة رصفت بالحصى الكبير وتصاعدت من جنباتها رائحة القهوة المنعشة مختلطة بنغمات خفيفة من الموسيقى اليونانية .
استنشقت الهواء المحمل برائحة السماك فى لهفة ، وبدت حافة الماء نظيفة من أى مخلفات وبالمثل كانت رمال الشاطئ التى اصطفت فوقها مظلات المصيفين الملونة فى نظام بديع .
ثم صافحت عينى زرقة كثيفة لم أر مثلها من قبل وكانت تزداد كثافة كلما قاربت الأفق .

0 رأيك يهمنى: