الاثنين، 6 يناير 2020

خيوط الصمت


الليل ، الوقت ، الصمت ، الكلمات ، كتاب مفتوح ، حروف ضالة ، البرد ثقيل ، يقتل كل شئ ، الأرض مرهقة ، السماء ناعسة ، العيون جامدة ، الفكر شارد ، العزلة سوداء ، صماء ، بكماء ، كـ سجين .. قعيد ... مكبل بالأصفاد .. حلق جاف ، قلب نازف ، خيوط صمت تنسج على جسد ميت ، أو هو حى ميت .
نشعل الأخشاب تغطيها بعضا من أعواد القطن والحطب الجاف وأغصان الشجر، بقايا خبز من طعام مضى وقته ، أسماك صغيرة حصيلة صيد العصارى ، حزمة جرجير وعيدان سريس ، حبات طماطم وباذنجان ، فول أخضر ..
الساقية تهدر يتدفق منها الماء يعانق الأرض العطشى ، يشق طريقه عبر قناة صغيرة ، يطوى المسافات متعجلا ، متلهفا ملاقاة معشوقه ، يتقافز ، يلهو مع الأركان ، يتخطى هذا ويصطدم بكتف ذاك ، يتخلل بعض الفجوات ويقفز إلى غيرها ويتسلل إلى ارض الجيران ، أسرع فأضع الحواجز فى طريقه وأسد عليها تلك الفتحات التى يتسلل منها إلى الأرض المجاورة  كى لا يفسد الزرع بها .
ننتهى من شواء السمك ، نلتهمه مع اللقيمات والخضروات ، نملأ وعاءا بالماء ونضيف إليه حبات الشاى ، نشتهيه مصنوعا على تلك النيران الهادئة ، نتسامر ، نتذاكر حكايا الماضى وأحداث الحاضر ، الذئاب التى دوما تهاجم ليلا ونسمع صوت عوائها ، عن الرجل الذى صعد الشجرة فرارا من ذئب هاجمه حينما أتى فى الليل إلى حقله ، عن البيوت المجنونة التى تشتعل فيها النيران وحدها ثم تطفئ وحدها وتعاود كرتها مرارا دون أن يعلم سبب ، قيل أنه يسكنها الجن والعفاريت ، عن الراقصة التى كانت بالمولد وانحسرت عنها ثيابها أو بالأحرى تلك القطع التى كانت تغطى بعضا من جسدها ، عن الأغنام التى سرقت أمس عند الظهيرة ، عن الرجل الذى ترك تعليمه وغادر أسرته ورحل برفقة صاحبيه إلى أوروبا ، عن الفتاة التى تخرج ملطخة وجهها بالأحمر والألوان وتكشف بعضا من شعرها وترتدى ثيابا " محزقة " تصف كل جسدها ما برز منه وما انحنى ، عن الرجل الذى فقد عقله عندما ذُبح أخوه أمام عينه ، أصبح يرتدى ثيابا غريبة ويقيم فى عشة صنعها من أغصان الأشجار وقطع الأخشاب وأعواد الحطب وعيدان الغاب وجذوعها من سيقان البامبو، مقرها على حافة الترعة ، يعلوها لافتة تحمل رسما لحمار وكلب وشعلة نار ، يصحبه كلبه ، يبهرج دراجته ويزينها ، يطلق لحيته ويحمل قلما وأوراقا يكتب فيها بخط صغير منمق ، يقول أنه يكتب القرأن كله فى ورقة واحدة .
الأرض كلمى ، يقتلها الوجع ، يدمى فؤادها تقاتل أبنائها ، تنظر إليهم ، تنحنى تقبل اقدامهم ، تسألهم بالله ألا يفعلوا ..... تتوسل إليهم أن يبروا بقسمها ... يبتسمون لها باشمئزاز ويتجاهلون طلبها ، يعقونها ويفعلوا ...
الليل يبكى ، يقسم أن يرحل ويرحل يصحبه قمره فتذبل النجمات وتتساقط فى خريف عمر فتسارع الغربان تدفنها فى بطن الألم  .

4 رأيك يهمنى:

Asmaa Latif يقول...

الله الله جميل وصفك تخيلته وكأني هناك

رحاب صالح يقول...

يااااة ولسة فينا الروح وبنكتب
جميل اوي ي محمد

مدونة رحلة حياه يقول...

روحنا اساسا فى الكتابة يا رحاب

مدونة رحلة حياه يقول...

شكرا جزيلا