الخميس، 21 يناير 2016

لم نعد صغارا (3)

خطوات قليلة تفصلنى عن المسجد ، "اللهم اجعل فى قلبى نورا وفى لسانى نورا وفى صدرى نورا وفى سمعى نورا وفى بصرى نورا ومن خلفى نورا وعن يمينى نورا وعن شمالى نورا ومن فوقى نورا واجعل لى نورا يارب العالمين " ، أدخل المسجد مستفتحا بالدعاء ، أضع حذائى فى مكانه المعتاد ، سنوات لم أبدل هذا المكان إلا إذا وجدت غيرى شغله ، خلف العمود الأخير فى الجانب الأيمن من المسجد اصف قدمى لركعتى تحية المسجد وخلالهما يقيم المؤذن الصلاة ، أنهى صلاتى وأصطف بجوار المصلين الواقفين كاللبنات المرصوصة وقد خشعت قلوبهم وسكنت أرواحهم وارتقت أفئدتهم واطمأنت نفوسهم بأيى الذكر الحكيم .
أختم الصلاة وأسير رويا ألتفت هنا وهناك أطمئن على نظافة جنبات المسجد كعادتى كلما تواجدت ، أسلم على خادمى المسجد وأسألهما إن كان هناك شئ يحتاجونه لمتابعة عملهم ثم أحمل حذائى وأخرج ، أقلب بصرى فى السماء ، أفتح صدرى ، أستنشق نسيم الجنة الذى يهب مع كل صلاة صبح ، أصبحنا وأصبح الملك لله .
أعود إلى مسكنى ، أفتح الباب برفق حتى لا يحدث ضجة تيقظ الأطفال ، أهمس فى أذن زوجتى أن قومى للصلاة ، أتطلع إلى الصغيرين وأقبل وجهيهما سائلا الله لهما السعادة ، أذهب الى المطبخ ، أشعل الموقد لتجهيز مشروب الصباح ، أنتظر حتى تغلى المياه وأصبها فى الكوب المخصص لى فيمتزج السكر بالماء بالقهوة باللبن ويصبح وجه الكوب كزبد البحر .
أسير الى مكتبى ، أحضر مصحفى وقلمى وأوراقى والكتاب الذى حان وقت مطالعته ، أرتشف بعضا من مشروبى بينما أقرأ بعض ما يتيسر لى من كتاب الله المجيد ، أنتقل بعد ذلك الى الكتاب فألتقط أخر ما توقفت عنده فى القراءة وأتذكر ما سبق من أحداث سريعا ثم أواصل الاستمتاع ، أمر على بعض الكلمات والفقرات التى تنفذ إلى داخلى فأقتبسها وأدونها فى أوراقى معنونا لها بمقتبسات من كتاب ... أتم القراءة حتى يقترب موعد التوجه الى العمل فأعيد كل شئ مكانه بعد أن أدون أخر ما توقفت عند قرائته وأستعد لمغادرة البيت .
أفتح السيارة وأضع حاسوبى على الكرسى الأمامى المجاور لى ، أخرج فوطة التنظيف ، أزيل ما علق بالسيارة من أتربة ، أطمئن على أن جميع العدادات تعمل ، أطمئن على عجلات السيارة وأتأكد من كفاية الوقود و كفاية الزيت الموجود لمساعدة محركاتها على العمل ، أشغل السيارة ، أتركها فترة ليتقوى المحرك ويصبح قادرا على السير ، عادة ما يفعل الجميع مثلى مع سياراتهم القديمة ، كعمليات الإحماء التى يجريها اللاعبون قبل البدء فى مباراياتهم ، دقائق قليلة تصبح بعدها محركات السيارة جاهزة ، أرتدى نظارتى الشمسية بُنية اللون ، أرجع بالسيارة خطوات الى الخلف وأعيد ضبط وجهتها ، متوكلا على الله أتحرك ، "سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون" .
أشق طريقا ممهدا نسبيا ، عن يمينه تصطف المبانى وعن شماله صحراء خاوية اغتصبت أكوام القمامة بعضا منها ، بعض القاطنين أصلحوا أمام منازلهم ونثروها أشجارا فتبدو من بعيد كسياج يطل على الرمال الصفراء وحارس يعيق تمددها أكثر وأكثر .

أنعطف يمينا لأمتار قليلة ثم أنعطف يسارا متخللا لشارع ضيق ، تركت بالوعات الصرف فيه دون تغطية جيدة ، أسير فيه برفق ينتهى بمساحة ترابية ، أنعطف يمينا إلى الطريق الرئيسى مسافة قصيرة ،  تقاطع للطرق انعطف فيه ناحية اليسار مجددا شاقا مجموعة الطرق المتداخلة والتى تصطف فيها السيارات متكتلة وكأنها ديوكا شبت بينهم معركة للتو فكل وجهاتهم متداخلة والكل يرمى بمقدمة سيارته طامعا فى المرور أولا ، الأصوات تعلو متلاطمة فى بعضها ولا توجد نقطة نظام ، رائحة المخبوزات تفوح من مخبز بالقرب من التقاطع ولافتة واهنة تعلن اسم المنطقة .

5 رأيك يهمنى:

Unknown يقول...

معك فى رحلتك
فى الحياه

Unknown يقول...

معك فى رحلتك
فى الحياه

كلمات من نور يقول...

اللهم عظم لك نورا

محمد سلامة يقول...

وصف رائع
أحسنت

Unknown يقول...

جممميل جممميل