الأربعاء، 27 يناير 2016

لم نعد صغارا (4)

محطة للتزود بالوقود اصطفت حولها السيارات من كل جانب ، إعتدنا على نقصان الوقود وندرته دوما فلا تستطيع مد سيارتك بما يكفيها من غذاء إلا بعد أن يجف حلقها من العطش ، مرغما أخاك لا بطر ، رغم الزيادات المتتالية التى أضافوها الى أسعار الوقود إلا أن معاناة عدم توفره مازالت مستمرة وأصبح من يمتلك سيارة يعانى الندم من المشقة التى يكابدها حتى يستطيع السير بسيارته ويكاد يقيم حفلا ويعد مؤدبة يدعوا اليها كل من يعرف إذا ابتسم له نصيبه واستطاع تزويد سيارته بما يكفيها من وقود فى هذه الأيام .
هذه المنطقة دوما خاوية رغم أنها تعد من المناطق الخدمية إلا أنها لا تدب فيها الحياة إلا عندما تهب عربات الوقود لتزويد المحطة بحصتها التى تأتيها على استحياء وبالطبع يكون العاملون بالمحطة قد أخبروا السائقين وهؤلاء الذين يمرون عليهم باستمرار ومعارفهم وغيرهم فضلا عما يتم توزيعه وبيعه فى السوق السوداء وهذه طامة أخرى ، فما هى الا أوقات قليلة تفرغ فيها السيارة حمولتها ويبدأ الصراع حول أحقية التزود أولا وهذا قبل ذاك وهكذا كعادة هذا الشعب دوما يصارع شيئا فإذا لم يجد من ينشب معه خلاف صنع خلافا مع ذاته رغم الابتسامة التى دوما ما تغطى وجوه أكثره .
أتخطى الجموع الواقفة بصعوبة فالمساحة التى تركوها خالية فى الطريق لا تكفى لمرور سيارة ، على بعد أمتار قليلة تجذب عينى جموع أخرى من الناس ، أنظر إليهم أعرف سبب تجمعهم ، هنا منفذ لتوزيع الخبز المدعم وهذه المنافذ شحيحة فى هذه المدينة لكن تجمعهم لا يدوم إلا لحين انتهاء حصة المنفذ من الخبز ، أتخطاهم وأتم سيرى ، مستشفى تقطن يمين الطريق طليت واجهتها حديثا وأضيف إليها قسما جديدا انتشرت دعايته على واجهتها وأضيف إليه زجاج واجهات أزرق اللون يجذب انتباه الماره من هنا ، أنعطف يمينا من أمام المشفى ، أساسات مسجد ، أعمدته وقبته ، خرسانات فقط ، سنوات أمر عليها وهى على حالها ، لم تجد من يتم البناء رغم أننا فى بلد معروف عن أهلها أنهم يقدسون دور عبادتهم ويقدمونها على كل شئ لكن يبدو أن الواقع هو صدق المثل الدارج " اللى يعوزه البيت يحرم ع الجامع " .
 جموع أخرى تشبه المظاهرة وكأن كل المدينة تجمعت هنا ولم يخلفوا وراءهم سوى هؤلاء الذين اصطفوا أمام محطة الوقود ومنفذ توزيع الخبز ، أحاول الاقتراب فأفشل ، هنا الطرق اغلقت تماما واصطفت الجموع وتلاحمت وتداخلت فاختلط الحابل بالنابل والذكر بالأنثى وبعض السيارات مصطفة فى الجوانب المحيطة ، لا عجب فى تجمعهم ، هنا مستودع توزيع اسطوانات الغاز ، رغم أن المدينة زودت بمد خطوط الغاز إلا أن الخطوط التى تم مدها لم تغطى المدينة بأكملها وتركت أماكن كثيرة خالية الوفاض بخلاف تلك الأماكن التى تضاف كتوسعات للمدينة باستمرار ، كنت أمر هنا عند انتصاف الليل فأجد الاسطوانات الفارغة تملأ المكان سلسلت مع بعضها وصفت بترتيب أسبقية الحضور ، أقام أصحابها دوريات كل مجموعة تأتى تجلس بجوارها بعض الوقت فإذا أتت السيارة يقوم الحضور باستبدال الاسطوانات الموجودة ويبلغون أصحابها للقدوم لاستلام ما يخصهم ، فى ليل الشتاء يتجمعون يجمعون بعض الأخشاب ويشعلون فيها النار يستعينون بها على الصقيع الذى غلف جو المدينة التى تبدو للناظرين هادئة ويعدون عليها بعض أكواب الشاى تعينهم على سهر الليل فى انتظار تحقق الأمل ، تتوالى الأيام والليالى وربما الأسابيع حتى تنتهى التظاهرة ويحصل كل منهم على حاجته وتعود الأوضاع إلى طبيعتها مجددا إلا الأسعار تكون قد اكتسبت زيادة جديدة تثقل كاهل المواطنين .

أعود بالسيارة إلى الخلف لأول تقاطع وأدور من هناك عائدا حتى بدء الطريق الذى انعطفت من عنده فألتحق مرة ثانية بالطريق الرئيسى وأقطع مسافات تحفنى الصحراء من الجهتين ، أنعطف يمينا ثانية ، بدأت المساكن تظهر على الساحة من جديد ، اصطفت المبانى على الجانبين ، لا يسمح هنا بالارتفاعات الشاهقة ، المبانى على اليمين تقف على حافة الطريق مباشرة ، زخرفت واجهاتها وزينت للناظرين ، أما المبانى فى الجهة الأخرى فغلفت بحدائق تحيطها فلا ترى العين سوى ما ارتفع من البيت عن الأشجار التى تحيطه التى انتشرت خلف الأسوار المحددة لكل مسكن ، هنا يهتمون بتوفر المسطحات الخضراء ، يقضون فيها بعض الأوقات التى تتركها لهم المدينة دون أن تشغلهم بحاجتهم ومشقتهم وراء لقمة العيش ، تعينهم بعملياتها الضوئية على تنقية الهواء من الملوثات التى تنتجها المصانع التى غصت بها المدينة ، وتهدي ألوانها وروائحها لهم الراحة التى يسعون للحصول عليها ، يفتحون صدورهم ويشبعون رئاتهم بحاجتها من الهواء النقى .

2 رأيك يهمنى:

كلمات من نور يقول...

حقا هي رحلة حياة ...

Unknown يقول...

متابعين