السبت، 5 مارس 2022

على شفا بحيرة

 

تغادر مكانك ، تهبط درجات السلم ، تجد القطة نائمة بوداعة عند مدخل البيت ، تطفئ المصابيح المضاءة منذ الليل ، تغلق الباب وراءك جيدا ، تتنفس ، تُقلب وجهك فى السماء ، تلتفت يمينا ويسارا ، تنظر إلى البيوت والشرفات ، الكل نائم والكون يستيقظ على مهل ، تفتح باب السيارة ، تضع حقيبتك وتشغل السيارة وتتركها بعض الوقت كى تستيقظ هى الأخرى من سباتها ، ترجع إلى الخلف ثم تسير إلى اليمين بخطوات بطيئة وعند تقاطع الشارع مع الطريق تتمهل قليلا وتطلق صافرات التنبيه ، تنحدر يمينا مجددا وتواصل سيرك ، فتاة صغيرة تعبر الطريق تحمل على كتفها حقيبة وفى يمينها حقيبة أخرى ، تنتظرها سيدة على جانب الطريق فى سيارة صغيرة ، تنتظر حتى تمر ثم تواصل سيرك .

عمال النظافة يجلسون على جانب الطريق يرتدون زيهم الأخضر ، سيارة لإعداد المشروبات تقف يمينا على ناصية الطريق تقدم مشروبا ساخنا لشاب ترجل من سيارته ، تدور ناحية اليسار وعن يمينك ترى جماعات من الناس تفترش الرصيف ينتظرون السيارات التى تقلهم إلى مقار عملهم ، تواصل سيرك إلى أن تصل وجهتك ، كل الأماكن المجاورة مازالت مغلقة ، سيارة حمراء ربع نقل تقف أمام بقالة صغيرة يترجل منها سائقها ويدفع بمفتاحه فى القفل ويرفع باب المحل ، تغادر السيارة وتحمل حقيبتك وتصعد إلى مكانك ، تعد مشروبك الصباحى وتتناول معه قطعا من البسكويت ، تصف الأوراق أمامك ، عقارب الساعة هى من تؤنسك فى تلك الأوقات ، أصبحت صديقتك ، تعد عليك أوقات تواجدك وتحصى لك أوقات غيابك ، تُخبرك متى شُغلت عنها ومتى انتبهت لها ، كانت مؤخرا تمل من إهمالك فأصبحت تتأخر وتتراخى عن أداء عملها ، فتكسل وتنام أكثر الوقت ، أما الآن فعاودت سيرتها الأولى ، تدون المهام المطلوب القيام بها ويخطر فى بالك المغادرة لإنجاز بعض المهام المؤجلة .

تتردد قليلا ثم تستعن بالله وتقرر إنجاز ما أكثرت من تأجيله ، ترتب الأعمال مع زملائك ثم تصطحب أحدهم معك وتبدأ رحلتك ، تطمئن على إطارت السيارة ، يطلب منك صديقك ان يتولى هو القيادة فتوافق ، بسم الله توكلنا على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، دقائق قليلة تقضى فى طرقات المدينة قبل أن تنتقل إلى الطريق الرئيسى الذى يعج بالسيارات ، أخر مرة كنت فيها فى هذا الطريق ربما قبل عامين أو يزيد وكانت مهمة لإنجاز بعض الأعمال لعميل فى مدينة ساحلية ، تطورات كثيرة ألحقت بالطريق وبدلت الكثير من معالمه .

الشمس قوية هذا الصباح ، تصدم وجوهنا مباشرة ، تنبه صديقك إلى عدم تجاوز السرعات المقررة ، بعض الوقات فى مناورات على الطريق مع سيارات أكثرها من النقل الثقيل ، تصل إلى الكارتة ، تسدد رسوم مرور الطريق ثم تستمر قبل أن تنعطف يمينا مستقلا لطريق جديد ، الطريق جيد إلى حد ما ، تغيب عنه أعمدة الإنارة كثيرا والقليل الموجود منها تستخدم الطاقة الشمسية لتشغيله ، مزارع كثيرة على الجانبين ، تتقدم كل منها لافتة تحمل اسم احدى الشركات ، قصر ذهبى فخم وسط الحقول وسياج يدور حول تلك المساحة ، وبالسياج بوابات تتقدمها أكشاك حراسة ومراقبة .

لافتات منتشرة على الطريق لتعريف المسافرين بالطرق والتفرعات المتجهة نحو المدن التى يريدونها ، تتخطى بوابة للعبور وتسدد رسوما مجددا ، تتخطى كمين أمنى أشار إلى الكثير من سيارات النقل للتوقف يمينا ، تواصل السير ، بعض الباعة كالعادة على الطريق ، تدور يسارا ثم تسير ببطء قليلا وعلى مهل تتجه ناحية اليمين إلى أن ينبت أول الطريق فتنعطف كليا داخله ، على اليمين تبدو فى الأفق مدينة اجتزأت من المياه مساحة لتسكن فيها ، قوارب صيد كثيرة وممرات صغيرة تتسلل إلى داخل البحيرة ، تتخذ منها سيارات النقل الخفيف مسارا تحمل من خلاله الأسماك ، الكثير من مثل ذلك منتشر على طول البحيرة ، أحدهم نزل بسيارته إلى الماء يغسلها ، نواصل المسير ، ترقبكم مياه البحيرة والأكواخ والمناطق المهملة والتى سيأتى يوم ويحسن استغلالها حتما ، تنتشون من رائحة شى الأسماك وغيوم أطلت تغطى رأسيكما .

لافتات تخبركم أنكما اقتربتما من وجهتكما ، خرائط جوجل تخبركما عن كيفية مواصلة السير داخل المدينة ، وكعادة كل المدة هذه الأيام الكثير من التكسير فى الشوارع والحواجز فى الطرق ، تسألون المارة فيرشدونكما إلى المكان الذى تسألان عنه فتتجهون إليه ثم تبحثان عن مكان تصفون فيه السيارة ، تسأل السائس عن المكان المنشود فيرسل معكما أحدهم فيصحبكما إلى مكان مغاير فتعتذرون للرجل وتسألونه عن الأخر فيخبركم فتغادرون متجهون إليه فيتبعكم "السمسار" الذى أرسله معكما السائس ليرشدكما إلى وجهتكم ، يحاول السمسار تحصيل عمولة من الطرفين على عمل لم يفعله ومعروف لم يصنعه ولكن ما باليد حيلة ، تقضون اليوم وتنجزون ما أتيتما من أجله وعند العصر تبدأون رحلة العودة .

الطرق مزدحمة الأن أكثر ورائحة شواء الأسماك تزداد أكثر وأكثر والشوارع تضج بالباعة والناس والسيارات تتداخل وجهاتها وكل منها يلقى براسه ليسبق غيره ، رؤوس النخيل تداعب النسيم والشمس تغرق رأسها فى البحيرة لتدرك الغسل الأخير قبل أن تبيت ليلتها ثم تودعنا بشفقها الأحمر تبكى على يوم لن يعود .



2 رأيك يهمنى:

Asmaa Latif يقول...

ويا جمال حكاياك ...ما أروع سردك وما أمتع كلماتك رسام بترسم فعلا وكان الكلمات أرواح نتعايش معها
لا حرمنا الله من متعة قلمك

Unknown يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.