السبت، 18 يونيو 2022

هجرة

 

قمت فى الليل تؤرقنى معدتى وبعض أثار البرد تزحف على جسدى ، أشد الأغطية جيدا وأسد المسام التى ينفذ منها البرد لكن مساما أخرى لم أستطع معها سبيلا ، هاجمتنى منها الخواطر فكأنى أحلق مع سرب من الطيور مهاجرا أذر خلفى كل تلك الأشياء التى تكدر وقتى ، أوزا ذا أقدام وردية يقطع مسافة من أيسلندا متجها إلى بريطانيا ، اوزا أسودا يسافر من تايميار الى بحر ودان مارا بساحلى البحر الابيض وبحر البلطيق .

كأنى أسبح مع أفواج الأسماك التى تدع موطنها وتفر بحثا عن مستقبلها وسعيا نحو عالم تأمله آمنا على أبنائها من بعدها ، لا تحتاج الى أوراق وأختام وشهادات وطوابير طويلة وساعات انتظار وطرق وتدافع أمام أبواب المصالح الحكومية ولكنه مجرد اتفاق مع الأصحاب والعائلة وعنده تبدأ الرحلة .

تهاجر لأنك تحملت الكثير من الأذى ولم تعد تمتلك الطاقة اللازمة للمقاومة ، الذى يأتى من كل مكان ، حيثما وجهت نظرك وجدت سهما موجها نحوك ، جيش كامل مهمته حصارك ، ذنبك هو طموحك ، أنك تحارب كى تنجح ، أنك لم تلتفت لهم ولم تدع لهم مجالا يثنوك فيه عن الطريق الذى اخترته ، البعض يدعى أنه يدعمك ، يسخر كل طاقاته لخدمتك ، يعجبك فيه طموحك وعنفوان شبابك ، يرى فيك الاجتهاد والعزيمة والاصرار للبلوغ ثم تكتشف أنه يفعل كل ذلك من أجل حاجة فى نفسه ، البعض يريدك طوع أمره ، كدمية فى كف يده ، يتلاعب بك بأصابعه كيفما راق له ، البعض يتقرب إليك طمعا فى حاجة عندك ، علها تفوتك وتقع فى يده ، البعض يستكثر عليك ما حصلته وما وصلت إليه ، يرى أنه أحق منك بذلك .

السماء رمادية اشتدت عتمتها ، مريبة كأنها فضاء لا ينتهى ، عميقة كمحيط تكتلت ظلمه من تدافع امواجه ، خائف أفر بنفسى إلى أبعد مكان خارج حدود ذاتى ، تحيطنى مخاوفى ، تصيبنى نوبات الهلع وتهلك القشعريرة بدنى ، لا اعلم جنايتى ولا ما اقترفته حتى يحصل معى كل ما يجرى .

الصدر ضيق كأنى سقطت فى فخ صنعه صياد ماهر ليوقع به فريسته وما كان يخطر  بباله أن فريسته ستكون انا او انه أعد الفخ لى وأنا من فرط طيبتى لم أكن أعلم ذلك وخطوت نحوه برغبتى وظننت أن فى سلوك طريقه نجاتى ثم وجدته مآساتى .

حتى الالم لا يأتى سهلا ، مقدماته أشد منه قسوة ووجعا ، الدموع تسقط حارة كأنها اللهب ، تخطو على الوجه فتشق فيه أخاديد ، القلب ما عاد يقوى على التحمل كأن لهوهم غرس خناجرهم فيه حتى كلماتهم قاسية كصحراء تنزروفت .

أستعين بالبكاء على نفسى فإذا البكاء نفسه ألم ويزيد فى وجعى ويقتل خلايا رأسى ويوم يرأف بى يجعلها خاملة كسولة .

متعب أنا حد ثقل تلك الكلمة فى كتابتها وقولها ، متعب أنا كأول ليلة فى سجون كارانديرو ، كبحار خائف ضلت سفينته طريقها فى ليل موحش ، كصبى فقد لتوه والديه ، كمحارب لأول مرة يطرق قلبه الخوف .

1 رأيك يهمنى:

Asmaa Latif يقول...

متعب انا حد ثقل تلك الكلمة فى كتابتها حتى الالم لا يأتى سهلا .....متعب انا كصبى فقد لتوه والديه أستعين بالبكاء على نفسى فإذا البكاء نفسه ألم .......
يا الله يا أستاذ محمد يا الله والله كانك تلمس ما بداخلنا بسحر كلماتك تكاد تقتلع ما نكن من وجع
لا حرمنا الله من كتاباتك فاللهم بارك فى هذا القلم 💙