الأربعاء، 29 يونيو 2022

موسيقى الصبح

 

الساعة تقترب من الخامسة صباحا ، الشمس تصعد إلى السماء رويدا رويدا ، تنثر حولها الضى ، تخضب لون السماء ، النسمات تروح وتجيئ تداعب الوجوه وأغصان الأشجار وأوراق الزروع ، الطيور تنفض أجنحتها تلقى من على كاهلها أثار الليل .

السائقون يرفعون أغطية السيارات التى غلبها النوم ، البيوت هادئة لم يطغى عليها صوت الأطفال بعد ، بعض النسوة يكنسن أمام الدور ، رجال ونساء وصبية أمام فرن العيش الجميع يزاحم كى يحصل على الحصة المقررة لأسرته بعد أن أصبح العيش يصرف بعدد أفراد الأسرة المدرجين على البطاقات التموينية ، يصفون أرغفة الخبز على أى مكان خالى أمامهم ، يتركونه ليبرد وتخمد حرارته حتى لا يتعجن فى أوانيهم أو حقائبهم ، وفى البر الأخر يقف صهريج المياه شامخا يضخ مياه الشرب لعدة قرى وبلدان مجاورة ،  يسير ممتطيا حماره جارا خلفه بهائمه وإحداهن تفرغ بطنها على حافة المصرف الذى يمتد يمينا مع الطريق .

يزيح باب الكشك فيحدث أزيزا ثم يخرج كراتين الشيبسى والمقرمشات ، يقابله فى الجهة الأخرى عربة الفول يقف خلفها شابان يجهزون وجبات الافطار السريعة ، مناضد صغيرة لتناول الافطار على عجل تظلهم شجرة جميز ضخمة ، ترقبهم السيارات المنتظرة لنقل المسافرين إلى أعمالهم والطلاب الى مدارسهم وكلياتهم وصوت القرأن يعلو من مسجلها !.

تزداد السماء بياضا ، يشتد توهجها ولمعانها ، يمينا على ذلك البر ومنذ عقود يقام سوق فى نفس الموعد المعتاد كل أسبوع ، يرتاده تجار الخضر والفاكهة وكل السلع المستهلكة من كل القرى والبلدان المجاورة ، يبيتون ليلتهم هنا يصفون بضاعتهم وكل منهم يختار المكان الذى يناسبه مقابل مبلغ نقدى يعطى لملاك هذه الأرض وتحصل منهم الوحدة المحلية مبلغا مقابل ذلك ، ومع بزوغ الفجر يقدم المشترون من الأنحاء المجاورة وقطعا النسوة أكثر فهن القائمات على حاجات البيوت الأسبوعية ، يبتاعون الخضر والفاكهة والبقول ومنتجات الألبان والأحذية والأنية والأوعية التى يجدون منازلهم فى حاجة إليها ، الملابس للأغراض المنزلية ، سيارات ربع نقل تنقل الجميع يتكدسون فوق بعضهم ويعودون إلى بيوتهم يحملن الطسوت والحقائب التى امتلأت بمشترواتهم ..

تترنح السيارة صعودا وهبوطا مع الطريق الذى تغافلت عن رصفه أنظار المسئولين منذ زمن وربما مع كل مشوار على هذا الطريق تحتاج عفشة السيارة لإعادة صيانة وفى بعض الأحيان تجديد ، قديما كانت العربات التابعة للمحافظة هى وسيلة المواصلات الرئيسية هنا قبل أن يختفى المشروع تماما وتحل محلها سيارات الأهالى ، اقتناها أولا أولئك الذين قضوا بعضا من أعمارهم فى الخليج ثم تبعهم أولئك الذين تخلوا عن جزء من أرضهم وميراثهم ثم ابتكر أصحاب المال فكرة يقومون بشراء تلك السيارات للراغبين بعد أن يعقدوا اتفاقا على ذلك يقضى بأن يردوا إليهم ثمنها مضاعفا على أقساط دورية مقابل ايصالات أمانه توقع من المنتفعين .

الزمان يدور وتتوالى الأيام والسنون ، الانشاءات تتبدل والمعالم تتغير وما كان خرابا أصبح بناءات مكتظة وبعض البنايات صارت خرابا تسكنها الكلاب الضالة ومدمنى المواد المخدرة وفاقدى العقل ، حتى بعض الورش التى كانت مكتظة بالصبية أغلقت أبوابها ، البعض قضى نحبه والبعض غادر والبعض بدل مهنته والأيام تمضى .

تسقط الشمس على رؤوس الحقول ، تداعب وجوه الأنعام وأعين المزارعين ، تتدفق المياه من أفواه ماكينات الرى تجرى فى الأخاديد الصغيرة ، تملأ الشقوق وتغمر المساحات العطشى وتغسل الأرض مما إلتصق بها .

الزروع تبتهج ، تتراقص فرحا ، تسمع موسيقى تناغمها وضحكاتها ، ترى ابتسامتها واضحة جلية ، يفوح منها عطر طيب ،  تلمع ، تتزين كأنها عروس ليلة عرسها .!

1 رأيك يهمنى:

Asmaa Latif يقول...

موسيقى الصبح صدقت ....... ابدعت كعادتك استاذ محمد تشببهاتك التى لم تفشل قط فى رسم الأحداث وتجسيدها كأنك تراها وتتعايش معها ...ما أجمل كلماتك وتشبيهاتك فعلا مبهجه مبهجه ☺️