تولى قيادة السيارة شاب ذو سمنة تكاد تكون
مفرطة أما صاحبيه فكانا بخلافه تماما ، أظن الثلاثة فى العقد الثالث من العمر ،
أعطوا لكل واحد منا علبة من العصير ، أمد بصرى وأقلبه فلا يتخطى الرمال وأفكر فى
المكان وأحداثه ، الصحراء تغطى ثلث مساحة المملكة والصحارى هنا متنوعة ولكل منها
سمات مختلفة ، ورغم ان الصحراء فى جدة ربما لا تتخطى ال15% من مساحتها إلا أن حظنا
منها كان هذه الصحراء ، ورغم كل ما كتب ونشر عن هذه المدينة والمقومات السياحية
التى تمتلكها والطبيعة الخلابة التى تجذب السائحين من شتى بقاع العالم ووقوعها على
ساحل البحر الأحمربل أنها عروسه والكثير من المميزات إلا أن كل ذلك تلاشى تماما من
طريقنا وحلت محله الممرات الوعرة والشمس القاسية والصحراء اللعوب .
يقسو
الشاب على السيارة كى تستطيع تخطى الكثبان الرملية ثم هبت عاصفة ترابية غمت أعيننا
تماما إلى أن زالت فواصل السير ثم انزلقنا إلى منطقة كثبان رملية صفراء تميل إلى
الاحمرار ، الشمس تتوسط السماء والسيارة كنجمة وحيدة فيها تسقط عليها الشمس كل
حرارتها ، عدة محاولات بالسيارة لتخطى تلك الكسبان وتتوقف السيارة ثم ترجع للخلف
ويعيد الكرة مجددا ونحن نتشبث بمقاعدنا والقلق يسيطر علينا وبعد عدة محاولات نجح
وقفزت بنا السيارة إلى كثبان رملية جديدة وفى هذه المرة أشد قسوة من سابقتها ،
حقيبة سفر ملقاة كادت الشمس أن تاكلها ، تفكرت كيف وصلت إلى هنا وما مصير صاحبها ،
هل ضاع فى تلك الصحراء وضل فيها سيره حتى ابتلعته ، أم انه واصل سيره حتى ارتطم
بتلك الجبال التى تواجهنا أم أنه بلغ مسعاه .
اندفع السائق ناحية اليسار ضاغطا بشدة أكثر على
السيارة فوجدنا يمينا منطقة بها بعض مظاهر الحياة لا أعلم تحديدا هل كانت تستخدم
فى رحلات السفارى المنتشرة فى هذه الأماكن أم أنها كانت لوحدات من الجيش ، هرول
بسرعة أكثر متخطيا تلك المنطقة وفى المقدمة على اليسار اصطدمنا بمنطقة شبيهة لكنها
أكبر هذه المرة وفجأة لمحنا سيارة تجرى ناحيتنا بسرعة شديدة ، لا نعلم من أين أتت
ولا من فيها ففزع السائق وقاد بجنون وانزلق من هنا إلى هنا ثم إلى هناك وكلما دخل
إلى مكان يزلف منه الى الطريق الرئيسى اصطدم بسور ووجد المنفذ إلى الطريق مغلق .
طلب
منا النزول من السيارة والاختباء بذلك المكان بجانب الطريق الرئيسى المتجه يمينا
نحو مكه وأوصانا ألا يرانا أحد ريثما يذهب هو إلى الأمام ويتجاوز الكمين ثم يعود
إلينا ، هممنا بإنزال حقائبنا فقالوا لا داعى لذلك ، دقائق سنعود إليكم فقط احرصوا
ألا تجذبوا الأنظار إليكم .
بمحاذاة الطريق نزلنا ، حاولنا الجلوس كى لا
ترانا السيارات التى تمر على الطريق ، الارض شديدة السخونة ، ابحث عن اى شئ افترش
به الارض كى نجلس عليها لكنى لا أجد ، حشائش وأشواك كثيرة تجعلك تخشى اختباء
الثعابين والافاعى وغيرها فيها ، أدور برأسى فى المكان أقلب عينى فى كل صوب ، برج
للمحمول ربما ، على مقربة ، بجانبه سيارة تقف فوق تبة تعلونا بكثير ، جلسنا ننتظر
وننتظر وتدور فى رؤسنا الخواطر ، لا نعلم بمن نتصل ونخشى ان تنفذ بطاريات هواتفنا
، الوقت يمر والشمس تأكل رؤسنا ، كنت أرتدى قميصا بأكمام قصيرة فأنضجت الشمس جلدى
وتحول لونه حتى صار شديد الاحمرار ، كلما مرت سيارة خفضنا رؤوسنا وأحنينا أجسادنا ، نفذ الماء الذى معنا
، نرقب الطريق ونتلهف للسيارة تأتى لكنها لا تأتى ، حلقى أصبح شديد الجفاف وصاحبى
أستلقى وتمدد على الأرض رغم شدة قسوة حرارتها ، لمحنا سيارة تأتى من اليسار مسرعة
فخشينا أن تكون تابعة لإحدى دوريات الشرطة فجلسنا القرفصاء فى ظهر العمود نغرق
رؤوسنا فى أكفنا لكنهم رغم ذلك تجاهلونا ومروا أمامنا بسرعة مفرطة ، الشمس تشتد تعامدت فوقنا مباشرة ، ما عدنا ننتظر السيارة ولكننا نقاوم للبقاء
أحياء ، صوتى لم يعد يخرج ، العرق يشتد
ويغلف أعيننا حتى سقط الدمع منها كأنه ملح ، وجدت سيارة مقبلة فخرجت واقفا أمامها
وأشرت لسائقها أنى فى حاجة إلى ماء فأجابنى
أنه ليس معه سوى زجاجة مياه ولكنها شديدة السخونة ورغم ذلك أخذتها وتجرعت منها حتى
استطعت النطق فسألته عن السيارة فقال أنه أتى من أول الطريق ولم يرى اى سيارات
متوقفة تماما ونصحنا أن نحاول المغادرة قبل أن يدركنا الموت هنا وتركنا وانصرف .
0 رأيك يهمنى:
إرسال تعليق