الخميس، 13 ديسمبر 2012

مشاهد مبكية



نمر فى حياتنا بكثير من المواقف والأحداث ، بعضها نعيشها وبعضها نعايشها ، بعضها يترك فينا أثرا وكثير منها يمر علينا مرور الكرام ، بعضها يكون  سببا فى تغيير مجرى حياتنا وبعضها ننساه بمجرد تجاوزه وأحيانا قبل أن نتجاوزه ، ليس بالضرورة أن يكون الموقف أو المشهد متعلق بشخصك أو بأحد تعرفه عن قرب ، ولكن الطبيعة الانسانية تغلب على أمرنا فتبقى داخلنا معالم الكثير مما مرنا بنا ومما مررنا بنا ، فمهما ظننا أننا صرنا بلا قلب تخبرنا الرسائل أنه مازال فى الأبدان قلوبا تنبض ، تحتاج فقط من يأخذ بيدها إلى مبتدى الطريق .
يبكينى ويبكى الكثير معى ما نراه حادثا من فرقة وصراع بين  أبناء وطننا حول دنيا زائلة ، حول مناصب وكراسى لا تدوم ، ويجعل قلوبنا تنزف ما نراه من استباحة الدماء والأعراض أما ما يبكى أكثر فهم أولئك المحرضون على تلك الأفعال وهذه الممارسات فضلا عن المقترفين لها .
يبكينى رؤية سيدة عجوز تبحث وسط أطنان القمامة عن بقايا طعام تقيت بها أولادها ، تبحث متفحصة بمهل متحملة رائحة القمامة النتنة التى تسبب لنا الاغماء عندما نمر عليها من بعد فما بالكم بمن تبحث وسطها بل وتستخرج رزقها وطعام أبنائها منها ، ونحن تمتلأ بطوننا بما لذ وطاب وتغمر موائدنا شتى الأصناف والمشتهيات ورغم ذلك قل من يشعر بها ويؤدى شكرها ويحمد الله عليها ،أإلى هذا الحد أصبحت الفجوات بين المستويات عظيمة ؟ أإلى هذا الحد أصبحت الانسانية فينا نادرة ؟ أإلى هذا الحد أصبح الخير فينا شحيحا ؟
 ربما لا أستطيع تحديد المسئول بدقة عن هذه الاوضاع المتناقضة من أناس يموتون جوعا وأخرين يموتون تخمة ،من أناس لا يجدون ما يسترون به عوراتهم وأخرين تغطى أجسادهم شتى أنواع الفراء باهظة الأثمان ،  لكن يقينى أننا كلنا مسئولون عن ذلك بدرجات متفاوتة .
يبكينى رؤية  صبية وشبابا بدت عليهم علامات المشيب وأعمارهم لم تتخطى الخامسة والعشرين بعد ، أتفحص وجوه بعضهم فأجد الهموم قد أثقلتهم وأجد الألام قد غمرتهم وأجد الدنيا قد استعصت مفاتحها عليهم وأجد وكأن الأرض قد ضاقت بهم وكأن الحياة قد بخلت عليهم بإبتسامة تشرق لها عيونهم وكأنهم سقطوا من حساباتنا فلا نلقى لاحتياجاتهم بالا ولا لطلباتهم فى أجنداتنا مكانا .
يبكينى رؤية فتاة تعمل كادحة واصلة الليل بالنهار لإعالة أسرتهم فى الوقت الذى تخلى فيه أبيها عن أسرتهم وفقد أخوها الرجولة والنخوة فاكتفى بالجلوس على المقهى يؤذى كل مار بنظراته وكلماته وأحيانا يخدش حياءه بأفعاله ويظن أن ذلك من الرجولة فى شئ ولو صدق مع نفسه لعلم أن أخته تزن ألافا ممن يدعون ذكورا مثله .
يبكينى رؤية فتاة صغيرة تجلس على حافة الطريق فى ثياب بالية ينام أخوها على قدمها ، وجهيهما شاحبا قد بدت عليه أثار الاتساخ وأيات الفقر ، شعرها خال من أى غطاء متشابك وأنه استعصى فك عقده على علماء الفيزياء والرياضيات ، تبكى عينها من الفقر رغم ما فيها من توهج ولمعان ، تتلوى بطنها من الجوع رغم أن قلبها قد امتلأ عن أخره بالرضا ، فتطبع على وجه أخيها النائم قبلة وتحتضنه بكلتا يديها بقوة وكأنها تحميه وتحتمى به فى زمان قل فيه من ينظر اليهما بابتسامة حب ونظرة مودة  .
يبكينى رؤية أم تعبت سنين طوال فى تربية ابنائها وعندما كبروا كبروا عليها وهجروها وعقوها ، بعضهم يلقى لها بالفتات وبعضهم لا يذكرها أساسا وبعضهم يزورها متخفيا خشية أن تعلم زوجته وبعضهم يلقى بأمه فى بيوت المسنين وبعضهم يخفى عنوانه عنها فقد أصبح مشهورا وأمه بشكلها هذا تسبب له الكثير من الاحراج ، وبعضهم يفر عندما يراها وبعضهم لا يسأل عنها حتى عبر الهاتف وبعضهم يتمنى موتها وبعضهم يقتلها بالفعل وما علموا أنها فقط تحتاج أن تراهم بخير ، فقط هذا كل ما تطمع فيه .
يبكينى رؤية أب يستدر عطف أبنائه عليه ، رضاهم عنه ، سؤالهم عن أحواله ويكاد يرقص اذا زاروه يوما رغم أن قدمه لم تعد تستطيع حمله ورغم ذلك يتفى هنا وهناك من أجل أن يحصل على رزق يهديه لهم ، قدم لهم كل حياته عن رضا وطيب خاطر ولو استطاع أن يهبهم ما تبقى من عمره كى تطول أعمارهم لفعل ورغم ذلك يحجرون عليه ويتهمونه بالسفه وسوء التصرف بل ويتعدون عليه بالسب والضرب والطرد حتى لا يجد لنفسه مأوى .
يبكينى رؤية أخلاق انعدمت وقيم اندثرت وعادات أصيلة كانت فى مجتمعنا يوما واليوم أصبحت تاريخا لا نتعثر بها سوى فى بعض صفحات الكتب أو الأفلام القديمة ، يبكينى رؤية صبية فى الشوارع قد سقطت رغما عنهم أو برضاهم سراويلهم وفتيات قد أكتسين بالعرى وألسنة غمرتها البذاءة وعيون عشقها الخيانة ورجالا تاهوا وسط أسراب النساء ونساء لا تستطيع معرفة نوعهم إلا بسؤالهم إن صدقوا فى الاجابة عليك .
يبكينى رؤية وطنى يضيع تتفكك روابطه أمامنا ، نشدد بأيدينا على رقبته الوثاق حتى أصبح يلفظ أنفاسه الأخيرة بين أيدينا ونحن نشاهده مستمتعين برؤية روحه تفارقه والمسكين يصرخ مستغيثا بنا يظننا منقذين له ولا يدرى أننا من يفعل به ذلك .
لم أكتب هذه الأمثلة كى تبكيكم وفقط بل أردت فى الأساس أن ألمس الجانب الحى فى قلوبكم وعقولكم عسى أن تكون خطوة فى خطوات تصحيح المسار والعودة الى المضمار الصحيح حتى لا تصير أمتنا ذكرى وسط الأمم فيقولون يوما كانت أمة والآن صارت سرابا .




3 رأيك يهمنى:

زينة زيدان يقول...

يسرني أن أكون أول الموجودين هنا

لكم تبكينا الصور
ولكم تدعونا الموقف للتغير
ولكن هل من معتبر؟؟
مواقف موجعة سردتها من حياتنا
مواقف رغم صعوبتها متواجدة بل صارت مؤلوفة..
وأوطان باتت في أيدٍ تؤذيها
وعيون لا تحرسها ولا تحميها

كل الود أخي

Baskouta يقول...

بوست واقعي جدا
ومؤلم جدا
بس الجميل ان الاحساس بالاخرين نعمة
ندعوا الله ان يديمها علينا في زمن مبقاش فيه حد بيحس بحد
تحياتي

مدونة رحلة حياه يقول...

شرفت بوجودكم
شكرا لكما