السبت، 20 أغسطس 2022

وأشرقت الشمس من جديد

 

أدور عائدا إلى الخلف ، قلق يراود قلبى وكأن شيئا سيحدث ، لم تنتهى الكلمة من خاطرى حتى شاهدت إطار سيارة غادرها يجرى مسرعا نحوى ، تنحيث جانبا متحاشيا اصطدامه بى ، وجدت السيارة تعقبه مترنحة يمينا وشمالا يحاول قائدها التحكم لكن السرعة التى كان يسير بها منعته من القدرة على التحكم الجيد ، سيارة أخرى مسرعة لم ينتبه قائدها للسيارة منزوعة الاطار فحاول تفاديها يمينا عندما فوجئ بها لكن المقطورة التى كانت تخلفه اصطدمت به وانقلب الجميع فعلت النيران .

الصدمة جعلتنى أصاب بالهلع ، لم تتحملنى قدماى ، جلست على حافة الطريق محاولا إلتقاط أنفاسى ، يفزعنى فوج من الناس يجرون قادمين ، ما ويح هذا اليوم ؟ ، أفاجئ بينهم صغيراى وابن عمهم فى زمرة الفارين ، أجذب بأيدى أولادى وابن عمهم وإلتقطهم من وسط الفارين ، أتنحى بهم إلى طريق جانبى ، يجرى صغيرى فأدفع بالأخرين نحو صاحب لى لم أعرف كيف جاء بجوارى فى هذا الوقت وأجرى نحو الذى فر أمسك بيده وأعود به وأصحب الجميع شاقا غابة من الأشجار السوامق ، دقات القلب كأنها مطارق ..... أستيقظ على صوت الهاتف .

لا أعلم سبب ما رأيت فى نومى ، ألهذا علاقة بإصابة أحد الصبيه فى عينه أثناء لعبه مؤخرا ، أم لهذا علاقة بما انشغلت بقرائته مؤخرا " وأشرقت الشمس من جديد " الكتاب الذى يروى حياة السجين الأمريكى الأشهر والذى قضى ما يزيد عن الثلاثين عاما فى طابور الاعدام فى جرائم لم يرتكبها " انتونى راى هينتون " ، وظل يقاتل ويقاتل ولم يفقد الأمل وحافظ على صموده منذ ألقى فى السجن عام 1985 وحتى تم تبرئته عام 2015 فى رحلة قضى فيها فى طابور الاعدام بالسجن أكثر من الوقت الذى قضاه خارجا ، ماتت أمه فى انتظار عودته إلى البيت ، وأعدم من زملائه أربعا وخمسينا سجينا ، الله وحده يعلم كم منهم كان بريئا ، ذنبه الوحيد أنه كان أسودا فقيرا لا يملك سلطة ولا مال فى مجتمع أبيض عنصرى يعامل الناس على حسب ألوانهم وقدر أموالهم وحجم نفوذهم ، آمنت به أمه حتى عاجلتها الوفاة وبقى بجانبه صديق طفولته " ليستر " حتى نال براءته وقاتل معه ولما يزيد عن خمسة عشر عاما محاميه " برايان ستيفنسون " بعد أن ضاعت قبلها مثلها من الأعوام مع أناس خطأ .

من فتى يملك أحلاما بسيطة ، أمه هى كل حياته وغاية حلمه أن يقتنى سيارة يطوف بها البلاد برفقة من يحب ، ليس انسانا بلا أخطاء ولكنه انسان كغيره أخطأ وحوسب ولكنه فى هذه المرة يعاقب عن جرائم لم يرتكبها وأفعال لم يأتها ولم يعرف أصحابها سوى مما كتب عن تلك الجرائم فى الجرائد لكنك فى حياتك تصطدم بأناس كل همهم اثبات أنك مخطئ وأنك لابد أن تعاقب وأنه بسبب لونك لو لم تكن أنت فاعلها فأحدهم له نفس لون جلدك وسمات فقرك عملها فأنت وهو سيان ولا فرق أن تنال العقاب بدلا من أخيك ، البعض يخشى الاعتذار ويقضى عمره يتهرب من أخطائه ولا يعترف أبدا من أجلها بل ويقاتل ليثبت أنه كان على صواب ويدفع كل ما يمتلك من أجل ذلك حتى لو كان نتيجة ذلك اعدام أحدهم أو على الاقل سرقة سنوات شبابه .

ثلاثون عاما قضاها فى طابور الاعدام فى انتظار دوره ،  متى سيجر بعد منتصف الليل ويجلس على الكرسى الكهربائى ويغطى رأسه بكيس بلاستيكى أسود ويطلقون كهرباء بقدرة 2000 فولت فى جسده حتى يشم السجناء الأخرون رائحة شواء لحمه .

أينما وقع نظرك فى أى مكان على خارطة العالم لوجدت كما مهولا من المظلومين ومن المفترى عليهم والمسجونين قهرا والذين يتجرعون المعاناة ليل نهار ، لذة البعض فى مشاهدة معاناة الأخرين ودموعهم ودمائهم ، ينتشون عندما يرون هؤلاء يصرخون وجعا ، العالم ليس مكانا آمنا للحياة ، لم يجعله الناس أرضا صالحة للحياة ولكن لتجرع شهواتهم وملذاتهم ... رغم انهم ما خُلقوا لذلك ولكن غلبتهم أنفسهم فظنوا أن بإمكانهم التحكم فى مصائر الجميع وعليهم الانصياع لأمرهم أو ... ليس هناك خيار أن تقول نعم أو تموت .

ربما من شدة اندماجى فى القراءة وكأنى أعيشها مع صاحبها أجاوره فى غرفته وأتناول معه الافطار فى الثالثة فجرا والغداء فى العاشرة صباحا والعشاء فى الثانية ظهرا ونضع سويا ملابسنا تحت وسادتنا وننزع ألبستنا ونقف عرايا مفرقين بين أقدامنا للجان التفتيش ونبكى الليل ونشتم شواء لحوم زملائنا ، ربما سبب ذلك خوفى على صغارى من حياة لا ترحم ومصير غير معلوم وأم ما أسهل أن تنبذ أبناءها فى سبيل الحصول على جنيه واحد ! .



1 رأيك يهمنى:

Asmaa Latif يقول...

العالم ليس مكانا آمنا للحياة أصح وأصدق تعبير فعلا ......أصبت ورب الكعبة 🙂