الخميس، 8 نوفمبر 2012

هنا المحطة


هنا حيث كل شئ وضده ، هنا حيث الصخب والهدوء ، هنا حيث العجلة والطمأنينة ، هنا حيث يأتى الأهل ليلقون على احبابهم التحايا قبل السفر، يعلو وجوههم الأمل ، يسألون الله حفظهم ، يستودعون الله دينهم وأمانتهم وخواتيم اعمالهم ، هنا حيث يتضرعون الى الله أن يعيدهم اليهم سالمين غانمين محققين أمالهم ناجحين فى مسعاهم ، هنا تذرف الدموع فى لحظات الفراق تتساقط مصاحبة الإطلالة الأخيرة قبل أذان الرحيل ، هنا تختلط الوجوه تمتزج التعبيرات تتداخل الكلمات وأحيانا يخيم الصمت فوق كل ذلك .
هنا يأتى الأحباب لاستقبال أحبابهم وذويهم ، تبتهج تقاسيم وجوههم بمجرد أن تهب عليهم نسائم العودة تحمل طيب روائحهم ، هنا يتخذ الفرح الوجوه لوحة ينثر عليها أزاهيره وألوانه ، هنا تتعالى أصوات الزغاريد ، هنا تذرف الدموع رغما عن العيون مع الإطلالة الأولى والنظرة الأولى واللمسة الأولى ، هنا تتكلم الشفاه وأحيانا وحدها العيون تقول كل شئ .
هنا عرق الأجساد يشع من كل صوب ، هنا مشقة السعى فى طلب الرزق بادية على كل الوجوه ، هنا حيث الرفق والقسوة ، هنا حيث العنف والرحمة ، هنا حيث البر والسرقة ، هنا حيث الأرض مزدحمة ، هنا حيث الكل مشغول ، هنا عاقل ومخبول ، هنا سائل ومسئول ، هنا الثورة هنا الفلول ، هنا حيث الكد والتعب ، هنا حيث السماحة والجشع ، هنا حيث القناعة والطمع ، هنا غنى وفقير ، هنا قوى وضعيف ،هنا مجرمون يتخفون ، هنا مقهورون ضائعون ، هنا ثكالى حائرون ، هنا أناس تسترهم ملابسهم وغيرهم يظهرون أكثر مما يسترون،هنا أضواء مبهرة ، هنا ممرات مظلمة ، هنا كلاب ضالة وقطط جائعة وأبناء من شدة الجوع يتلوون ، هنا لا تسئل عن ديانتك ، لا تسئل عن جنسيتك ، لا تسئل عن منصبك ، فقط تسئل عن وجهتك .
هنا الكل فى عجلة من أمره،عقارب الساعة وحدها تشغل بالهم ،البعض تمر عليهم حركتها كأنها سنوات عجاف والبعض تسرق منه دون أن يشعر بوخزهها فى جلده كانسلاخ النهار من الليل ، هذا يسأل عن وجهته وهذا يتعجل رحلته وهذا يشكو من تأخر الرحلات القادمة وهذا يؤلمه الانتظار وهذا يحاول ايجاد الأعذار وهذا يعمل هنا ليله موصول بنهار .
صبية بمناديل ورقية جائلون وباعة جرائد فى أطراف المحطة جالسون وبائع مثلجات صوته فظ غليظ وبائع أدخنة مفترش للرصيف وشحاذون يقطعون على المسافرين الممرات وطفلة تبكى تستجدى عطف المارة وشيخ يمد يده طالبا الحاجة وفتاة الى جانب تقف تنادى على البعض تحدثهم منفردة وحملة أمتعة على كل قادم يتسابقون ، ورجال شرطة يحاولون فرض الأمن واحكام السيطرة ورجال النظافة يجدون لرفع القمامة ويحرصون على تجميل المكان ، هنا أناس يقابلون القادمين ببسمة تملأ وجوههم وبشاشة تطغى على ملامحهم مثلها تماما يودعون بها المسافرين .
هنا المحطة حيث الحياة بكافة صورها مصغرة ، حيث المشاعر متضادة متطابقة مترادفة فقط الكل يسعى لحاجته ، البعض يجرى مكبا على وجهه والبعض يسير فى ثقة واعتدال يعلم جيدا مواضع قدمه وكل لمسعاه يغدو.

0 رأيك يهمنى: