السبت، 7 مارس 2020

لم نعد صغارا " 14 "


أنفض الغبار من على الذكريات فتتناثر أمام عينى كأنها حلقات مسلسلة تتوالى بسرعة فائقة ، بالأمس كان المكان خال مظلم ، يصف بعض الشباب سياراتهم فى ركن منزوى ، يستعينون بالظلام على التخفى وتناول تلك المواد المخدرة ، عقار حديث لم يسكن بعد يتسلل إليه طالبى الرغبة ، أكوام من الرمال والزلط والسن ، شكائر أسمنت رصت فوق بعضها ، بلدورات وحواجز أسمنتية ، بلوعات لم تضع عليها أغطيتها بعد ، الطرق رملية أو رملية متربة ، الليل فى هذا المكان موحش ، تنشط فيه الكلاب الضالة ، تتشكل مجموعات وكأنهم اجتمعوا لإنجاز عمل ، تعوى على كل من يمر وإن كان وحيدا أو صغيرا هرولت خلفه ، تهاجمه ،  ترغب فى نهشه وإصابته ، تشم رائحة الخوف والفزع فتزيد من قوتها وقسوتها ، كثير من البشر أخذ عن الكلاب نفس الصفة ، حتى أن الكلاب لا تأخذ ما يزيد عن حاجتها أما البشر فلا يكف أفواههم سوى التراب  .
نوافذ مكسورة ، أقفال صدئة ، أبواب مخلعة ، ألعاب أطفال متناثرة هنا وهناك ، سيارات يستغل سائقوها المساحة الخالية فيغسلونها وينظفونها ، كتب على بقايا الجدران التى يصطفون حولها " ملك للجهاز " .
الكلمات مثل العمر تشيب وتضعف ، حالها كحال هذه المدينة ، لم يصل عمرها بعد الخمسين ولكنها شاخت ، شاخت رغم حداثتها ، المصانع التى أنشئت من أجلها المدينة أصبح أكثرها مغلق ، قرارات خاطئة ، إدارات فاسدة ، قراءات خاطئة أدت إلى استنتاجات اكثر خطأ ، تمر على تلك البنايات فتدمع عينك ، وتسأل نفسك ، لما كل هذه الموارد مهدرة ومتروكة دون استغلال ؟ ، لو أنهم أوكلوا إدارتها إلى إدارات تعمل مقابل نسبة من الأرباح الناتجة عن إعادة تشغيلها مجددا ، لو أنهم قاموا على حصر كل تلك المصانع والمنشآت المغلقة ودرسوا المشكلات والعوائق التى أدت إلى إغلاقها ووضعوا استراتيجية لحل تلك المشكلات وإعادة تشغيل تلك المصانع والمنشآت ، ألن يكون ذلك أكثر فائدة للجميع ؟ .
كل مصنع ومنشآة تغلق يفتح بديلا عنها الكثير من المقاهى والكافيهات التى لا تؤدى إلى أى منفعة اقتصادية سوى إلى أصحابها فضلا عن الوقت الذى يضيعه روادها بخلاف المشكلات التى تنتج عنهم أيضا ، لا نقول بإغلاقها أو منع الجلوس عليها ولكن نقول لكل شئ وقته ومكانه والعمل والتعلم مقدم ومن بعده تأتى أوقات الراحة والاسترخاء والتنزه ، لابد من وضع ضوابط لإدارة وتشغيل مثل هذه الأماكن ولابد من المتابعة والرقابة المستمرة لها من الجهات المعنية ،  أطفال وصبية تسربوا من الدراسة واصطفوا حول هذ المقاهى والكافيهات ، ألا يعد ذلك نذير خطر ؟ ، شباب جلسوا يلعبون النرد ويلقون بالزهر ويدخنون السجائر والشيش منذ مطلع الصباح وحتى بعد انتصاف الليل ، ألا يعد ذلك نذير خطر ؟ ، فتايات يحيطون المناضد وينافسون الشباب فى تدخين الشيشة بمختلف أعمارهم ، تسمع منهن الألفاظ والأقوال التى يحمر وجهك أنت كرجل من سماعها فما بالك من قولها من فتاة صغر أو تقدم عمرها ، ألا يعد ذلك نذير خطر ؟ .
الوقت يمر ، المبانى تتبدل ، المناطق الخالية أقيمت عليها الكثير من المبانى ، محال كثيرة للملابس الشبابية ، منافذ لشركات الاتصالات المختلفة ، متاجر للمحمول واكسسوارته ، معرض للسيارات ، وعدد من مراكز خدمات السيارات ، محال للعطور والروائح ، مكتبات للهدايا والخردوات ، ادوات منزلية ، منظفات ، محال بقالة ، عصائر ، مخبز ومتجر حلويات ، متجر نظارات ، صيدلية يعلوها الكثير من العيادات الطبية التى تجاورت فى التخصصات المختلفة ، رمد ، جلدية وتناسلية ، باطنة ، أسنان ، معمل للتحاليل ، مركز للأشعة ، نساء وتوليد ، أطفال ، عظام ، جراحة ، مكاتب مهنية متنوعة ، سماسرة عقارات .
بوسط كل مجموعة من البنايات تركت مساحة خالية ، أعدت لركن وانتظار السيارات للرواد الذين يترددون على هذ المبانى ، حديثا اصبح يقف مجموعة من الصبية فى مناطق انتظار السيارات ، يدعون أنهم يقدمون المساعدة فى ركن وحراسة وتنظيف السيارات وفى الواقع فهو من أساليب الابتزاز والتسول بشكل مختلف قليلا ، البطالة داء علاجها يبدأ من التربية فى البيت وثقافة وتوعية من المجتمع والتعليم مفتاح العلاج .


0 رأيك يهمنى: