الأحد، 1 مارس 2020

الواحة 2


أنتظر حتى تقترب المعدية بها رجل عجوز ، أشرت إليه بيدى وناديت عليه فأقترب ، نزلت عبر تضاريس الجسر ، مد إلى يده فأمسكت بها وقفزت إلى القارب ، ألقيت عليه التحية باسما ، بدأ يحرك المعدية إلى الناحية الأخرى ، لم ينطق بكلمة ولم أفعل ، فئران تجرى على الجسر ، رُفات كلب ميت تفوح منها رائحة نتنة ، المياه تتراقص حين يشقها القارب ، ترسو المعدية على الجسر فى الناحية الأخرى ، أشكر الرجل وأتسلق عبر زاوية ممهدة فى الجسر إلى الأعلى ، أقف على الطريق منتظرا أى سيارة تمر ، الشمس حامية ، الطريق من بعيد خال من الناحيتين فلا أرى شيئا فى منتهى نظرى يمينا أو يسارا ، أمشى يمينا بمحاذاة الطريق ، أقلب النظر فى الحقول والأشجار المصطفة على ناصية الجسر كأنهم جنود يحرسون المصرف ، أفكر فى هؤلاء الذين يعيشون هنا ، من أين يحصلون حوائجهم وأسباب عيشهم ومؤنتهم ، هل هناك أماكن تقدم لهم العلاج أم أنهم مازالوا يتداون بالأعشاب وما شابهها ، كل معالم الحضر غائبة عن هذا المكان وكأنه وُلِد لتوه ، تكوى الشمس رأسى ، أحاول السير تحت ظلال الأشجار ، تتساقط حبات العرق على وجهى ، وتدور فى نفسى الخواطر ، هل لهذا الطريق أخر ؟! .
يرهقنى السير بلا جدوى ، أنظر خلفى فكأن الطريق الذى قطعته غاب ، ومن أمامى يبدو الطريق صاعدا إلى السماء ، أجلس مستندا بظهرى إلى جذع شجرة ، بها أستظل وبجانبها أستريح ولعل عينى أن تغفو قليلا ....
الوقت طويل ، لازلت أنتظر ، أسير متلفتا حولى ولا أصل ولا سيارات تمر ، المكان خال من كل شئ سوى هذا الطريق والمساحات المتسعه يقطعها من جانب ومجرى مائى تصطف على جانبيه الأشجار بالجانب الأخر ، السكون غريب ، أمضى سعيا كما بدأت ، تدور فى رأسى المخاوف ، كقطار العمر يمضى دون أن نشعر يحمل تلك اللحظات التى كم تمنينا لو بقيت أبد الدهر بصحبتها تلك الألام التى ابتهلنا كى تنقضى ، كل مسافة تقطع تنتهى بمحطة نفقد عندها أحبة وتسلمنا إلى وجوه أخرى يحملون خططا جديدة .. الجروح لا تداوى هى فقط تسكن فى تلك المناطق البعيدة وتحل محلها بعض الأشياء التى نستعين بها على تخطى الوجع مستعينين بتلك الوجوه الجديدة التى إلتقتنا فى تلك الأوقات حتى تستمر بنا الرحلة ومن بقى منا أسير الجرح لحق به .
العرق يزداد ، الصداع يطغى ، أشعر بدبيب النمل يسرى فى رأسى ، أخشى أن يزيغ البصر وتطول المسافة وأفقد الوجهة وينتهى بى الحال فى بقعة خاوية سوى مما قل من الحياة ، أتحامل على نفسى وأواصل السير حتى يغلبنى التعب فألقى بنفسى تحت ظل شجرة مجددا .
ضجيج كثير ، أصوات عالية ، تأوهات وتوجع ، حركات سريعة ، أشعر بالبرد ، يدى مثبتتان بهما محاليل معلقة ...

0 رأيك يهمنى: