السبت، 13 سبتمبر 2025

صلاة القلق

 

إلى جموع الصامتين الذين شهدوا على كل تاريخ لم يُكتب بعد

بهذا الاهداء بدأ " محمد سمير ندا " روايته البديعة " صلاة القلق والتى فازت عن استحقاق وجدارة بالجائزة العالمية للرواية العربية " البوكر العربية " لعام 2025 .

تتناول الرواية فترة ما بعد نكسة 67 ، تستعرض النكسة بشكل مغاير ، العبث بالوعى ، النفوذ والسلطة ، التلاعب بكل شئ والمتاجرة بكل شئ ، يصحبك صوت حليم مع صفحاتها .

جلسات متتالية كل جلسة يطل فيها وجه جديد وكل يحكى حكايته ويروى ملحمته ، يذكر ما مضى وما يتمنى حدوثه وتتقاطع الطرق وتلتقى ، تتلاعب بك الأحداث فكلما تقدمت للأمام أعادتك للخلف ثانية تبحث معها مجددا .

صحراء قاسية وليل موجعة ظلمته ، شيخ يبحث لنفسه عن كرامه ، وقابلة تحمل الفرح والوجع ، شواهى قبلة الولى والصبى .

سائر بليل يفضح الستر وأخرس شاهد على كل واقعة وطاغية يحكم قبضته ، لا يُعرف من أين قدم ولا ما تخفيه سريرته .

قرية منسية تحكى عشر سنوات قاسية ، شجرة جميز ، ترعة صماء ، جمال هاربة وتمثال يخيف رجال النجع وتنتشى النساء بسيرته .

صرخات وجع ، صرخات تمرد ، صرخات خوف وصرخات حرية ، عشرية قاسية على الجميع فلم يسلم من وجعها أحد ، بدأت بانفجار غامض تلاه دوى هائل صم أذان الأجنة فى الأرحام وانتهت نار تسود المشهد " تخترق ستر الليل وتنعكس لمعتها فى الأحداق فتلفظ المشاعل غضبها حمما بين الزروع ، صلاة قلق قد تكون هى المنجية .



الأربعاء، 10 سبتمبر 2025

التأشيرة " 16 "

 

صلينا المغرب ثم اصطحبت أمى وأخرين لنتوجه إلى الحرم لإتمام المناسك والطواف والسعى ولكن الازدحام الشديد واستغلال السائقون للأمر جعلنا ننتظر الكثير من الوقت حتى أتيح لنا استقلال سيارة بسعر معقول ، نعم يزيد عن عشرة أضعاف السعر الطبيعى لكنه معقول وسط هذا الاستغلال وما عند الله خير وأبقى ، انطلقت بنا السيارة حتى الحرم وكانت الساعة حينها قد تخطت التاسعة مساء .

نخطو الى الحرم ولأول مرة تقر عينى برؤية الكعبة المشرفة ، ارفع يدى الى السماء قائلا " اللهم زد هذا البيت تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة، وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا وبرًّا " ، يوجهنا الحراس نحو الدرج ونصعد إلى الطابق الأخير فالازدحام شديد .

على مهل طفنا حول البيت سبعة أشواط وصلينا خلف مقام ابراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وازكى السلام ، شربنا من ماء زمزم حتى ارتوينا ثم بدأنا السعى بين الصفا والمروة وقبل أن ننتهى أذن علينا الفجر فصلينا الفجر وتبعته صلاة جنازة ثم أتممنا مناسكنا .

عندما انتهينا كانت الشمس قد أشرقت والنور قد علا سماء مكه ، أما الشوارع فقد كان يتسابق فيها الناس عند قدوم كل سيارة فربما يوافق سائقها على أن يقلهم إلى مساكنهم ، ولم يكن حظنا بأسعد من غيرنا فقد جرينا يمينا كثيرا وشمالا كثيرا وطلبت من أمى وصحبتها الجلوس على الرصيف حتى نتمكن من إيقاف سيارة بأجر معقول وانقضى بعض الوقت حتى أذن الله بذلك .

فى الطريق لم يكف السائق عن محادثة أصحابه وأخبرنى انهم كونوا مجموعات لمتابعة حركة السير وأى الشوارع أيسر خاصة فى هذا الازدحام ورغم أننا لازلنا فى الصباح إلا أن الازدحام كان شديدا جدا فاستغرقت السيارة بعض الوقت حتى وصلنا ، غادرت انا اولا بالقرب من مسكنى واخبرت أمى أن لا تنزل ثانية وبأننى سأتم عنها رمى الجمرات ، ودعتهم ثم أتمت أمى وصاحبتها وزوجها المسير لدقائق معدودة حتى وصلوا مقر إقامتهم .

الأحد، 7 سبتمبر 2025

التأشيرة " 15 "

 

غادرت المنزل انعطفت ناحية اليسار ثم اليمين حتى وصلت الى الطريق الرئيسى فإذا بازدحام كأنه يوم الحشر فلم أرى مثل هذا الزحام من قبل ، أشرت إلى تاكسى فوقف لى فوجدت سائقه يحمل احدى جنسيات جنوب شرق اسيا كعادة الذين يقودون السيارات هنا فسألته عن الأجر فقال مائتا ريال فتركت السيارة ونزلت لشدة المبالغة فى المبلغ الذى طلبه ، فتحت الخرائط مرة ثانية وقررت أن أذهب إلى أمى سيرا على قدمى فكما تشير الخرائط أن المسافة قريبة وفى كل الأحوال السير أفضل فى هذا الوقت لولا ملاحقات الشرطة والحرارة والرطوبة التى لا تحتمل .

استعنت بالله وقطعت الطريق إلى الجهة المعاكسة وانطلقت سيرا متتبعا أثر الخرائط ، تجنبت أفراد الشرطة فى البداية ثم لم أجد بدا من سؤالهم عن وجهتى ، انعطفت يمينا فسرت فى شارع يأخذ فى الارتفاع شيئا فشيئا ثم منه اتجهت ناحية اليسار الى شارع أخر فى طريق السير فيه كصعود جبل ثم انعطفت منه ناحية اليمين وكان العطش قد بلغ بى مبلغا لا يحتمل فوجدت أحدهم يجلس أمام بيت وبيده زجاجة مياه فطلبت منه شربة ماء فأعطانى الزجاجة وقال لها دعها لك فشكرته وواصلت السير .

انعطفت يمينا حسبما تشير الخرائط ثم مرة أخيرة إلى اليمين فوجدت البيت المنشود ، صعدت الدرج حتى وصلت الشقة التى يفترض أن تقطن بها والدتى ومن معها ، طرقت الباب ففتح لى أحدهم فسألتهم عنها حتى اتأكد أن العنوان صحيح فأسرعوا بالنداء عليها .

ما يزيد عن الشهر لم تقر عينى برؤية امى ولم أسمع صوتها فى الأيام الأخيرة ولم أعرف عنها أى شئ ، كان يقتلنى الخوف عليها مما كنت أسمع أنه يحدث وحدث وعايشته بنفسى من أفعال ، تصاعدت دقات قلبى وأنا أنتظر قدوم أمى وسبقت الدموع عينى ، أقبلت أمى بوجه كالقمر وسكينة ملائكة السماء ينبع من عينيها النور ونظرة حائرة فلم تكن تعلم من الذين أتى سائلا عنها ، حتى رأتنى فترقرت الدموع فاختلطت بأنفاسها  .

عانقتها كثيرا ولم تصدق أمى أننى أمامها فأخبرتها أنى وصلت أمس للتو وتوجهت مباشرة إلى عرفات ولم أقصى عليها شيئا مما حدث معى كى لا تحزن ، أقبل معارفنا الذين كانوا بصحبة أمى من أهل قريتنا فسلمت عليهم وجلسنا سويا ثم اتصلت على أسرتى فى البلد كى يتمكنوا من محادثة أمى والاطمئنان عليها .

السبت، 6 سبتمبر 2025

التأشيرة " 14 "

 

انتهينا من رمى الجمرات وانطلقنا متجهين نحو العزيزية الشمالية حيث المكان الذى استئجرناه مسبقا كى نقيم فيه أيام الحج ، قادنى صاحبى الى المسكن وافترق عنا صاحبينا فقد اتخذوا مسكنا أخر ، الشوارع مزدحمة جدا وسيارات الشرطة فى كل ناصية ، وصلنا البيت وركبنا المصعد الى الطابق الثالث ، فتح صاحبى الغرفة وقال ان تلك الغرفة التى نقيم بها وكنا قد دفعنا لها مقابل الايجار قبل سفرنا بفترة ودفعنا اكثر من الخرين لأن بالغرفة دورة مياه خاصة بنا، خمسة اسرة مغطاة بفرش بيضاء ، تلفاز ، مكيف هواء لا غنى عنه فى هذه البقعة أبدا ولا تقوى على إيقافه ولو لدقائق من ليل أو نهار وتساعده المراوح ايضا .

وضعت حقيبتى وألقيت بجسدى على السرير بملابس الاحرام فلم أحلق شعرى بعد حتى أستطيع التحلل من إحرامى ، تواصلت مع أسرتى وهنأتهم بالعيد وسألتهم عن أمى وأخبرتهم أنى سأحاول اليوم الوصول إليها مهما كلف الأمر ثم استسلمت للنوم حتى خارت قوايا وغرقت كليا   .

ساعات قضيتها فى النوم وعندما استيقظت وجدت الغرفة امتلأت ، عرفنى أصحابى على الأشخاص الأخرين ثم تناولنا بعض الطعام ، توضأت وصليت ونزلت الى الشارع بحثا عن حلاق كى أحلق شعرى حتى أستطيع التحلل من إحرامى ، تجولت فى عدة شوارع محيطة إلى أن وجدت أحدهم وكان يقف أمامه الكثير من الحجاج فى انتظار دورهم وغيرهم انتهوا منه فخرج ورأسه مخضبة بالدماء من فعل موسى الحلاقة ، شاب يجلس على كرسى أمام المحل يحصل الأجر ويعطيك ورقة صغيرة مدون عليه رقمك ، محل صغير يعمل به ثلاثة من الهنود أو من الجنسيات القريبة منهم ، يجلس المنتظرون فى الخلف ممن سمح لهم بالدخول كى يتقدموا للحلاقة ، يصطفون على مقعد صغير ، أشار لى أحد الحلاقين فتقدمت ودقائق قليلة كان قد انتهى منى ، خرجت حامدا الله أن رأسى لم تخضبه الدماء مثل الذين سبقونى ، انعطفت ناحية اليمين ثم يمين أخر حتى وصلت البيت الذى نسكن فيه ثم صعدت إلى الطابق الثالث ودخلت إلى الشقة التى بها غرفة إقامتى ، جهزت ملابسى ودخلت إلى الحمام فاغتسلت ثم خرجت فصليت العصر وأخبرتهم أنى سأبحث عن أمى .

هاتفت الرجل المسئول عن سفر والدتى والمرافق لفوجها وطلبت منه أن يرسل لى الموقع الذى يقيمون فيه وفتحته على خرائط جوجل فوجدته لا يبعد عنى كثيرا .