الجمعة، 24 فبراير 2012

موعد مع الامطار ( 2 )

الساعة تقترب من الحادية عشرة صباحا ، بدأت السيارة خطواتها الاولى فى طريق ضيق بشكل شديد تسير فيه السيارات فى الاتجاهين رغم انه يسع سيارتين بصعوبة ، على يمين الطريق متسع من الحقول تقف على ناصيتها الاشجار تؤمنها وعلى اليسار مجرى مائى مياهه رائقه جمالها بديع على أطرافه جلست بعض النسوة تغسلن الاوانى وقارب صغير أرتكن على حافته يرتاح من عناء رحلاته رغم قصرها ، قطيع من المواشى يرعى فى المزروعات على جانب الطريق ، هذه السيارة بخلاف التى سبقتها معظم ركابها يتحدثون سويا وبصوت مرتفع وتعلو بينهن أصوات النساء فقد كثر عددهن بيننا فى هذه السيارة .
عن يمينى شاب يتحدث مع صديقه الذى يجلس خلفه ، وعن يسارى شيخ ربما قارب عمره الستون ، أسند رأسه الى نافذة السيارة واحتضن الصمت وعيناه الى الامام دوما نادرا ما التفت  ، مذياع السيارة تتبدل عليه الاغنيات الصاخبة وكثيرا من نغمات المحمول التى تبدو لى مزعجة شيئا ما .
الى جانب الطريق كشك صغير أوقف السائق السيارة ونزل منها لشراء بعض حاجياته واستغل بعض المرافقين فى الرحلة الامر فطلبوا شراء بعض مبتغياتهم  ( نحن شعب يعشق الاستهلاك بجنون ).
الطريق شديد الصعوبة ، انحدر السائق بعد فترة الى طريق اخر أشد اتساعا من سابقه شيئا ما ، الناس فى سمتها الاصالة وفى نظراتها الحب والشعب فى عمومه طيب .
بدأت السماء تتلبد بالغيوم والطقس ازداد برودة وها هى الامطار بدأت تتساقط ببطئ ثم ازدادت شيئا فشيئا  ( اللهم  إنا نسألك خيرها وخير ما أرسلت اليه ونعوذ بك من شرها وشر ما أرسلت اليه اللهم حولينا لا علينا ) .
تزايدت غزارة لامطار وأصبح الطريق مرهقا قليلا ، ماسح الزجاج لا يقوى على ادراك ما يتساقط قد أنهكه التنظيف ولكن لكل رسالة عليه احسان ادائها .
نور طفلة صغيرة بصحبة أمها تجلس خلفى عندما شاهدت الماشية ترعى فى الارض والامطار تغسل ثيابها صاحت قائلة ( الله ) من جمال ما رأت ؛
سبحانك ربى عندما يخرج الحق من فاه طفلة بريئة لم تتخطى سنوات عمرها الخمس لم يدنس لسانها الكذب ولم تطفئ جمال عينيها الخيانة ولم تفسد طهارة روحها الدينا .
السيارة على أعتاب المحطة التى سأستقل منها السيارة الاخيرة والأمطار مازالت تصحبنى نزلت من السيارة بصحبة الامطار ، مسافة قليلة حتى وصلت الى السيارة التى ستقلنى الى حيث أبغى  جلست فى السيارة منتظرا أن تتم حمولتها وأصوات القرأن تعلو من حولى فى المساجد والجمعه اوشك موعدها ، الركاب يتزايدون ببطئ الجمعه رفع أذانها الخطيب صعد المنبر السيارة تتحرك دون أن يكتمل عددها ويتحمل الموجودون فرق الأجرة ، السائق يحاول الاسراع لادراك الصلاة والامطار تسرع اكثر فتعيقه أكثر وأكثر امطار تتساقط وكأنها فى شوق الى معانقة الارض ، النباتات تحنى أغصانها وتخفى أوراقها تختبئ وتحتمى ببعضها فى بعضها من شدة الامطار وتستدفئ بالاحتضان ببعض من شدة البرد كعاشقان يدثران بعضهما بجسديهما .
حماران واقفان على جانب الطريق يرتعشان من البرد القارص يبدو أن صاحبهما قد ذهب يحتمى ببعض من الخوص والحطب من شدة المطر ( سبحان مغير الاحوال أقدم من منطقة الشمس فيها ساطعة وأرسو فى مكان لا أستطيع فيه السير على قدمى من تكاثر الوحل ).
وصلت قبل أن يختتم لامام الصلاة فى تمام الواحدة تقريبا بعد معاناة مع طريق تظلله الامطار .
ما اجمل استقبال المكان بالصلاة ؛
التقيت صاحبى بعد أداء الصلاة وذهبنا الى منزله ، تناولنا وجبة الغداء سويا ثم توجهنا الى المكتب لبدء العمل الذى ذهبت من أجله ، بدأت الاعداد والتجهيز وكان مؤشر الساعة يشير للثالثة بعد الظهر وداومت العمل حتى قاربت الساعة الحادية عشرة مساءا ومازالت الامطار تواصل التساقط .
زوجته تتصل به تستعجله العودة الى البيت فقد تأخر الوقت واشتدت البرودة وأصبحت همسات الصقيع تداعب الأذان فيزداد لونها احمرارا كجمرات ملتهبة .
يطلب منى صاحبى تأجيل ما تبقى من العمل حتى الصباح فاوافق على مضض .
عدنا الى البيت بعد صراع مع الوحل المقتحم للطرقات ، تناولنا وجبة العشاء وظللنا نتسامر لبعض الوقت ، ذكريات ، مواقف ، مشكلات وأحوال .
الساعة تقترب من الواحدة بعد منتصف الليل ، ما أجمل أن تخلد الى الراحة لبعض الوقت بعد تعب طويل ومشقة سفر وجهد عمل . الحمد لله الذى أقر أعيننا بنعمة النوم الهادئ بعيدا عن المنغصات .
السادسة والربع صباحا أهجر الفراش اتوضأ وأصلى قبل أن تشرق الشمس فقد فاتتنى صلاة الصبح فى جماعة اسال الله المغفرة والصفح ، وبعد الصلاة تحلو الاذكار يتبعها تلاوة أيات من كتاب الله المجيد .
السابعة والنصف تقريبا يستيقظ صاحبى ويطرق باب غرفتى يجدنى مستيقظا ، يمر بعض الوقت تم تجهيز وجبة الافطار تناولنا افطارنا وانتقلنا الى العمل مجددا والساعة الأن تشير عقاربها نحو التاسعة تقريبا ، أنهكت نفسى فى العمل قدر ما وفقنى الله فى ذلك حتى انهيت كل المطلوب منى بفضل الله والساعة تخطت الثانية ظهرا .
سوء الاحوال الجوية وغزارة الامطار منعتنى من التجول فى المكان ومعرفة مكنوناته .
شبكة المحمول سيئة جدا هنا مما جعلنى أعانى صعوبة فى متابعة عملى فى مكتبى ومتابعة عملائى والاطمئنان على أسرتى .
الساعة تخطت الثالثة بعد الظهر عدنا الى البيت تناولنا وجبة الغداء وبدأت فى رحلة العودة بعد معاناة الاستئذأن من صديقى فى السفر اليوم حتى وافق على مضض ، وكما استقبلتنى المدينة بالأمطار ها هى تودعنى بالامطار من جديد .
بعض السائقين يستغلون سوء الاحوال الجوية ويطالبون يأجرة تزيد عن معدلها بمقدار الربع والاضطرار يرغم المسافرين على القبول ، المذياع يعلن قراءة أيات من كتاب الله يتلوها بعض الابتهالات ، السائق يخبرنى بمحاولة سرقة سيارة من احد اصدقائه عندما كان يقوم بغسلها أسفل الكوبرى لولا قدر الله الذى حال دون اتمام السرقة ، الليل طغى على الطريق فأسلمت نفسى للسكون مستمتعا بمشاهدة الليل ينثر ضيه الاسود على الارجاء والمصابيح فى الاعمدة واعلى الطرقات كالنجوم تتوهج بفرح وتشع بريق أمل .
الأن وصلت بيتى الحمد لله الآن اضع تعبى جانبى الساعة تقترب من العاشرة مساءا .

10 رأيك يهمنى:

مصطفى سيف الدين يقول...

يبدو انها حقيقية
كتبتها كأنك عشتها
تحياتي لك

زينة زيدان يقول...

تلخيص لرحلة يصحبها المطر في كل حرف
القاريء هنا يشعر كأن الكلمات سحب
تملؤها قطرات المطر
فتهطل بغزارة
فتغرق الحروف


يسعدني المرور تحت سماؤكم الممطرة

تحيتي

Unknown يقول...

السلام عليكم..
ما زلت أكتشف يوميا أن هذا البلوجر به الكثير من نقاط الضعف، فالمفترض أنني متابع لهذه المدونة، وأذكر أنني كنت هنا فعلا يوما ما، ولكنها لا تظهر عندي في قائمة المتابعة!
أحييك على جمال الصورة وروعتها وصدق الكلمات.
تقبل خالص تحياتي..

مدونة رحلة حياه يقول...

د مصطفى
ربما تكون كذلك اخى
سعدت بوجودك

مدونة رحلة حياه يقول...

زينة
حمدا لله على عودتك
سعدت بك مصر والأن اشرقت بك مدونتى
دومتى بخير

مدونة رحلة حياه يقول...

بهاء
وعليكم السلام
بالفعل كنت هنا يوما ما
والحمد لله انك عدت مجددا
دومت معنا

Unknown يقول...

رائع هنا السسسسرد

مدونة رحلة حياه يقول...

عبير
الاروع هو وجودك هنا
دومتى بخير

faroukfahmy يقول...

اقدم خالص اسفى لتأخرى فى التعليق العاجل لبوستك الرائع
عجبتى جدا تعليق الاخت الفلسطينية زينه زيدان فهى فعلا رحلة يصحبه المطر ويشعر فيها القارئ بكلمات السحب

مدونة رحلة حياه يقول...

استاذى فاروق فهمى
لست فى حاجة للأسف
يكينى تشريفك فى ذاك فخر لى
دومت بخير