السبت، 24 نوفمبر 2012

الإعلام بين التدليس والتهييس



صخب وفوضى عارمة تسببها الكلمات غير المسئولة ، عقبات وفتن ومصائب تتوالى ، أهداف تخريبية ، سموم تبث وسط أطباق العسل من أفواه تختبئ خلف رابطات العنق الأنيقة ، أناس فاكهتهم الوقيعة بين أبناء الشعب ، شائعات وأنباء كاذبة ، تشويه وتحريف ، دمج للحق بالباطل وإلباث الفساد أثواب العدالة وإبراز أفواه السفهاء على انها أصوات الحكمة والعقل ، تعميق للجراح وتوطين للنفاق والموالسة والتدليس والتهييس وترسيخ جذورها حتى صارت وباء منتشرا بين شتى القنوات والوسائل الاعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة .
طمس معالم كل ما هو صواب حتى صار الكثير يعانون من حالة تيه وتخبط وصار الناس سكارى يتمايلون يمنة ويسرة لا يكادون يعون شيئا حتى يخرج عليهم من لقنهم إياه بالأمس محاولا إقناعهم اليوم بمدى خطأ ما فهموه ووعوه ويحاول اقتلاع جذوره وكأن غيره غرسه فيهم وربما يأتى غدا مجددا ليغرسه فيهم من جديد .
لكل فرد الحق فى اختيار التوجه الذى يشاء وكذلك لكل قناة أو محطة اعلامية مادامت تحافظ على ميثاق الشرف الاعلامى ومبادئه فلا نريد اعلاما موافقا للسلطة ولكن نريد اعلاما صادحا بالحق للسلطة والشعب سواء ، حيثما كان الحق أكون معه فالمعارضة الرشيدة هى التى تقوم وتعترض وتصوب وتقدم الحلول المقترحة فى حالة رؤية الأخطاء وتوافق وتدعم وتعلم وتبنى وتعزز فى حالة الصواب ، أما أن تعارض فقط لمجرد الخلاف أو أن القرارات أتت على مصالحك فأنت نبت سوء لا يسعى سوى لمصلحته ومبتغاه والأجدر به الابتعاد عن العمل العام والجلوس فى مكان يكون بقدره .
أن يكون لك توجه معين ليس بالشئ السئ  مادمت تتحرى الصدق والحق فيما تتناوله وتعرضه فإن الكلمة أمانة تقيم أمما وتخرب دولا وتسبب حروبا وتعكر صفاء الحياة وتفرق صفوفا متوحدة .
والإعلام لغة هو التبليغ والإبلاغ أي الإيصال، يقال: بلغت القوم بلاغا أي أوصلتهم الشيء المطلوب، والبلاغ ما بلغك أي وصلك، وفي الحديث: "بلغوا عني ولو آية"، أي أوصلوها غيركم وأعلموا الآخرين، وأيضا: "فليبلغ الشاهد الغائب" أي فليعلم الشاهد الغائب، ويقال: أمر الله بلغ أي بالغ، وذلك من قوله تعالى: (إن الله بالغ أمره) أي نافذ يبلغ أين أريد به.
والتعريف العام للاعلام هو التعريف بقضايا العصر وبمشاكله، وكيفية معالجة هذه القضايا في ضوء النظريات والمبادئ التي اعتمدت لدى كل نظام أو دولة من خلال وسائل الإعلام المتاحة داخليا وخارجيا، وبالأساليب المشروعة أيضا لدى كل نظام وكل دولة.
أى أن الاعلام هو الاخبار بالشئ ذاته كما هو حاله دون زيادة او نقصان ، دون تشويه أو تحريف ، دون محاباة أو مجاملة ، دون أراء شخصية غير مسئولة ، تنقل الأخبار مجردة ثم نقدم لها التحليل من خلال أناس مؤهلون لذلك فإن بناء الأمم يأخذ أعمارا وهدم الأمم يكفيه أياما وربما ساعات .
القضايا الهامة فى تاريخ الأمة تحتاج الى قراءة متمهلة بعناية وفحص شديدين ووعى دقيق بمقصود كل حرف وأداة وصل ونقاط توقف واتصال ، تحتاج الى دارسين مخلصين يقدمون حب أوطانهم على أهدافهم وأمالهم الشخصية ، يقيمون الكلمة قبل أن تخرج من بين شفاههم ويدركون ما ينتج عنها من أثار ونتائج ، ليسوا أولئك الذين يقذفون بالكلمات هنا وهنا لا يلقون لها بالا ، لا يهمهم مقدار الضرر الذى تسببه كلماتهم وتلميحاتهم ، همهم فقط مقدار ما يعلى ويضاف على خزائنهم وحساباتهم المصرفية ، نعم نعلم ان جل القنوات يتسابقون لاستضافة مثل هؤلاء الأبواق وكأنهم لديهم شغف بإشاعة الكذب والفوضى بين الناس ونعم بعض أصحاب القنوات والقائمين عليها لا يهمهم أوطان ولا مجتمعات ولكن جل همهم مقدار ما يحصلونه من مكاسب وأرباح ونسب مشاهدة تتزايد واعلانات تنهمر ومبيعات اسهم يضارب عليها الكثير من أصحاب الياقات العالية والقبعات الماكرة .
لا ينبغى أبدا أهمال الجانب الاخلاقى والاجتماعى فى المادة الاعلامية ولا ينبغى اهدار القيم والمبادئ والعادات والتقاليد التى يبث فيها هذا الاعلام فالبيئة المحيطة عامل حاكم ، لذا ينبغى مراعاة كل كلمة ، كل أسلوب حوار، كل مادة تعرض ، كل موضوع يناقش ، فالكل مسئول .
يكفينا ما نلنا من جراء الاعلام الموجه سواء ذلك الاعلام الماحى للثقافة المفعم بالمادة الجنسية أحيانا إيحاء وأحيانا بعبارات صريحة وأحيانا بمناظر ومشاهد ساخنة حتى نشأ لدينا جيل منتهى علمهم شهواتهم وكثرت معدلات التحرش والاغتصاب وتزايدت معدلات الجريمة والفساد بأنواعه بمعدلات أبدا لم نسمع مثلها فى وطننا قط ، وكلكم تدركون ما حصلناه من جراء اعلام الفتن والشائعات والأكاذيب السياسية من خلال أفواه لو أردنا ذكر أمثلة من مواقفهم لجفت الأقلام وما أنتهت من ذكر تدليسهم وموالستهم وسوء أخلاقهم وألفاظهم على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم .
برامج تتواصل ليل نهار تتكرر على مختلف القنوات والاذاعات وكأنهم استخدموا الفضاء ليملأوا الدنيا بكلماتهم وصورهم التى تحمل فى ظاهرها الخير وفى باطنها تكمن منابع السوء ، هل أمن أصحاب تلك القنوات الذين يدفعون لهؤلاء الملايين من الجنيهات شهريا مما قد يلحق بهم من أذى أو عقاب ؟ ، هل امنوا أن تنقلب عليهم الطاولة كما انقلبت على غيرهم من قبلهم ؟، أم انهم يسعون فى الأرض فسادا وإفسادا محاولين اكتساب المزيد من الوقت فارين من العقاب ناسين أنهم مدركهم ذلك  لا محالة .
لهؤلاء أقول قدموا لأنفسكم فإن الأيام دول وسنة الله ثابتة ولتتدارسوا خبر من سبقكم تعلمون وأنا أعلم أنكم موقنون بصدق كلامى .
الإعلام رسالة سامية ليس بالتدليس وتلفيق التهم وإلقاء الافتراءات على من يخالفنا الرأى ولا تهييس بكلمات تحوى خزعبلات وطلاسم سحر وشعوذة وضرب من الجنون والخبل وكلمات لا يعيها قائلها فضلا عن كاتبها والمستمع إليها .
الحياة ليست مادة جنسية وغريزة نسعى لتسليط الأضواء عليها وإشباعها ليل نهار فتقام من أجلها الندوات والموضوعات والمناقشات التى لا تنتهى ، فى الحياة ما هو أسمى وأهم من ذلك بكثير دون تجاهل ذلك فلكل شئ قدره ولكل مقام مقال .
بناء الأمة يحتاج الى كل جهد ، الى كل حرف ، الى كل قلم ، الى كل عقل ، الى كل سعى بغية  تقديم الخير للبلاد والعباد .

1 رأيك يهمنى:

مازن الرنتيسي يقول...

بسم الله وبعد
مقال جميل وهادف
وكما قلت فالاعلام رسالة سامية والقلم والكلمة أمانة يجب أن نستثمرها في صناعة رسالة سامية خالية من التلفيق والتزوير من أجل إعلام نزيه يخدم البلد والمجتمع والفرد

تحياتي واحترامي وتقديري لك