الاثنين، 3 فبراير 2020

الواحة


وكأنى أسير وسط منطقة غريبة عنى ، مزارع ، مجرى مائى ، حقول زراعية ، الطريق منحدر ، أسير على غير هدى ، أسأل أول شخص ألقاه فيخبرنى أن أمامى طريقان ، اسلك الطريق المقابل ولكنك لابد أن تمضى وقتا طويلا حتى تصل للطريق الرئيسى ، وتستطيع أن تختصر المسافة مرورا ببعض الحقول والحظائر التى تواجهك ، اخترت الطريق الثانى وبدأت السير ، كلاب ضاله تجرى متجهة نحوى ، يقشعر بدنى وأرتعد قليلا ، يدركنى صاحبها قبل أن تعتدى على ، يخبرنى أنى لابد أن أستقل معدية أصل إليها بعد قطع مسافة من السير على هذا البر ، المعدية تنقلنى الى البر الغربى ، بالمجرى المائى ما يشبه السدود مصنعة من براميل رصت متجاورة وربطت بحبل يصلها كلها مجتمعة ويحافظ على وجودها كى لا تسحبها المياه أثناء جريانها ، الحبل مجدول من التيل ، الأشجار متناثرة ، كافور وصفصاف ، مجموعات من البامبو ، نخيل على مسافات ، جميزة عتيقة ، قطع أخشاب ، أعواد جافة ، تراكمات وكتل من الطمى ، بعضها مكور يشبه ثدى مكتنز وبعضها مترهل وبعضها صلد كصخر ، ومنها القاسى قلبه رغم لين ملامحه ،  فى البر الغربى الطريق ممهد لكن طوال سيرى لم ألمح سيارة واحدة تمر ، ولازلت أجهل السبب ، لا أعلم ماذا أتى بى إلى هنا ، كنت نائما أو كنت غائبا أو كنت تائها أو أن عينى غفت وفجأة وجدتنى هنا ، لا أعلم متى وأين البداية ، لم أرانى مستلقى تحت ظل شجرة ، وجدتنى وسط زروع ، ألتفت يمنة ويسرة فلا أستطيع معرفة مكانى  ، أواصل السير ، يدعونى شيخ عجوز لتناول لقيمات معه ابتسم له واشكره ، يقسم أن أتناول ولو كوبا من الشاى فألبى دعوته وأبر بقسمه ، يفرش الأرض ببعض أعواد القش ، يسوى ما بينها ، أقترب وأجلس بجانبه ، يقدم إلى الطعام ، خبز وجبن وخضروات ، أشكره مجددا ، تناول قدر استطاعتك حتى يغلى الشاى ، ألتهم الطعام وفجأة أشعر وكأنى ما تناولت طعاما منذ أيام ، لا أعرفك يا بنى ، لم أرك هنا من قبل ، نعم لست من هنا ولا أعرف أين أنا ولا كيف جئت هنا ، حكاية لا أعرف معالمها ، يتأملنى الشيخ العجوز ويحافظ على صمته وبسمة تعلو وجهه ...
أشرد ثانية سابحا فيما حولى ، عشة قوائمها أعمدة صنعت من جذوع الأشجار ، أربعة قوائم تتخلها عيدان الغاب ، جدلت فيما بينها بالخوص ، السقف من ذات المكونات ، أعد فى شكل طبقات كل طبقة تعلو الأخرى ودعمت بحزم من القش ، يقطع شرودى صوت الشيخ يقدم إلى الشاى ، أنتهى من شرب الشاى ، أشكره وأستئذن للرحيل ، يبتسم إلى وتتبدل ملامح وجهه فتسير سماته حائرة ويوصينى " انتبه لطريقك فليس كل ما فى الصحراء سراب وفى الصمت خير وفى الغيب رحمة " .
أبتسم وأقبل رأسه شاكرا ممتنا وأواصل السير ، مواشى بالزرائب وأغنام وماعز ، حمار مستلقى ممدا أقدامه ، بقرة غطى على عينيها وعلقت بساقية مصنعة من صاج قديم تدور على ترس حول قطرها  ومثبتة ، جذعى شجر أحدها وضع على رقبة البقرة والأخرمن خلفها ، موصولة بحبل ، تدور البقرة فينهمر الماء من فتحات الساقية فيجرى إلى قناة صغيرة شقت وسط الحقول ، طفل صغير يمسك بحبل بقرة أخذها ليسقيها الماء من القناة الضيقة والبقرة قد حنت رأسها لتروى عطشها ، الأشجار هنا تبدو قديمة قدم الزمان ، جفت جذوعها وأرهقتها الأيام والسنوات التى مرت عليها ،على الجسر سويت قطعة صغيرة وبنى من حولها سور بارتفاع صغير وتركت فى السورمساحة فارغة أعدت كـباب للدخول ، فرشت بحصيرة قديمة تحيطها أعواد القش ، ووسطها كهل يصلى ، بجانبها طلمبة لاستخراج المياه الجوفيه وأمام الطلمبة بنى حوض جدرانه خضبت بالأسمنت ، بنى على مرحلتين  ، الأولى مرتفعة بحيز ضيق والثانية أكبر وقاعها أشد عمقا أعدت لسقيا البهائم والماشية ، ألمح المعدية على مرمى البصر فأبتسم !

0 رأيك يهمنى: