الخميس، 3 فبراير 2022

حكايا صغيرة

 

يا صغيرتى .. ابتسمى ، اليوم سأحكى لك حكاية جديدة من تلك الحكايات التى أنسج خيوطها أثناء حديثنا ، أخبرك سرا عنى ، أنا رغم قولك أننى أجيد الكتابة لكنى حكاء سيئا جدا ، لا اجيد سرد الحكايات ، أترك القلم فقط يمارس شغفه ، لذا تجديننى دوما أفضل الكتابة ، أبحث عنها وأسعى إليها ، أتهرب من حديث أو اتصال هاتفى وأستعيض عنه برسائل قد تملأ جنبات الكتب فلا تترك فيها فراغا ولا حواشى ، أحاول أن أصيغ لك الحكايات ، أقفز من فوق الأسوار المرتفعة والمبانى الشاهقة ، أعبر المحيط فى لمح البصر وأقطع الصحراء كأننى الضوء ، أقذف الألم بسهام تنغمس فى قلبه ، افتش عما يزعجك وأحيك حول عنقه خيوطى حتى إذا قويت واشتد عضدها وأصبحت وثاقا غليظا مغلظا قيدتها فى جناح طائرة وتركت لقبطانها العنان كى يلهو ، يتساقطون كذباب حاصرته المبيدات وقضت على ما تبقى من أنفاسه طائرات الرش .

أعلم أنك لا تعرفين شيئا عن طائرات الرش كما لم تكون تعرفين شيئا عن أشجار الجميز ، ماذا لو أخبرتك عن الصمغ الذى كنت أستخرجه من أشجار السنط ، أخدش جذوعها حتى ينفرج لى داخلها فأجمع منها الصمغ فى كيس بلاستيكى ، أشعل عليه النار قليلا ثم أستخدمه فى لصق مقتنياتى وأوراقى ، أو أصنع طائرات ورقية أو مراكب صغيرة وأجعل فى جوانبها أشرعة كبيرة وأنثر على جانبيها المجاديف ، كنت عندما لا أجد الصمغ أستعين بعجين من نشا أستخدمه لأداء نفس الغرض .

الجميز حلو المذاق ، ثمرة تنمو بتجمعات على شجرة ضخمة الجذوع سهلة الطلوع ، كنا صبيانا نصعدها ونجلس فوق جذوعها ونلتهم من ثمارها ، نفتح الثمار ونتأكد من خلو داخلها من الحشرات والديدان ونسمى الله ونأكل ...

كذلك أيضا أشجار التوت إلا أننى كنت إذا تناولت التوت ذو اللون الأحمر الغامق او الأسود تورمت عيناى ، شجرة الكولونيا أيضا كنت أحبها جدا ، طعم ثمارها رائع ، كان من حسن الطالع أن هذه الشجرة هى شجرة واحدة فى كل القرية وهى عند أخوالى وبالتالى كنت أحظى بإلتهام البعض منها ، ربما يكون لها اسم أخر لكنا كنا نسميها كذلك ، هكذا سمعت منهم .

كان عندى أخوالى أشجار نخيل يتساقط من تمرها الشهد ، شجرة المانجو العتيقة قبل أن تقطع ووتخلع جذورها وتزال معها الصفة القديمة ويحل محلهم بيت خالتى .

أشجار التين الشوكى الذى كان مستقرا خلف حائط جدتى ، كنت أخشى الاقتراب منه كى لا يصيبنى شوكها أو يكون هناك ثعبانا متخفيا خلف أغصانها الكثيفة ، كان خالى يقطع لى حبات ألتهمها بحب .

كانت أغصان العنب وفروعه تتمدد حول أركان الحظيرة وفوق سقفها ، لازالت أثار تكعيبة العنب هذه محفورة فى رأسى ، أتشبث بالقائم الخشبى وأصعد عليه أحمل فى يدى فأسا صغيرة وفجأة تفلت من يدى وتنغرس فى رأسى فينزل الدم خطا غليظا فوق عينى فيغرق وجهى ، تكتم الخالة الدماء بمسحوق البن والتراب الأحمر ، يربطون رأسى برباط من القماش الأبيض فتبزغ الدماء منه ، كان كل ما يشغلنى ماذا سيفعل بى عندما يرانى وقد شقت رأسى ... لكن الله سلم .

نسيت أن أحدثك عن طائرة الرش .... ربما مرة أخرى ..... أرى ابتسامتك تتلألأ أمامى الأن فاحفظيها .

1 رأيك يهمنى:

Asmaa Latif يقول...

يعجز القلب عن وصف صرخات الفرح بداخله ....دائما وأبدا والى ما شاء الله ستظل كتاباتك من أوائل الأسباب التى ترسم على وجهى كل انواع الابتسامات ... ما أجمل ذكريات الشجر معك الجميز والمانجو والتوت والكولونيا اول مره اعرف الاسم دا 😀والعنب ....ما أروع حكايا الشجر على طريقتك وما أميز أسلوبك الشيق الذى يستطيع بأدنى مجهود أن يفعل بى ما لم تقدر عليه جميع المسكنات لا حرمنا الله قلمك ...دمت لى الكاتب والمبدع والاستاذ والمعلم