الجمعة، 28 يناير 2022

جدد شغفك

 

تهجرك الكتابة فى أشد أوقات احتياجك لها ، تمسك بالقلم تحايله ، تحاول معه ، تلاطفه ، تبكى أمامه ، تشتكى له حالك ، تخبره مشاعرك كل شئ نيابة عنك ، الهموم قد اعتلت الصدر وثقلت عليه واصبح لا يقوى على حملها ، ترغب أن تفرغها على سطح ورقة ، أن تطمسها بالحبر حتى تتلاشى فى أمواج زرقته أو تغرق فى عمقه أو تتعثر بين شعبه ومرجانه ، ان تبحر مع تلك السفينة أوقات وأوقات ، تغرق أيامها فى لياليها وتتلاشى لياليها فى أيامها حتى تستقر بك على شط رحب ، جزيرة خالية سوى من اشجار وحيوانات أليفة ، ألقى بجسدى على الأرض ، يغلبنى النوم ، حتى تملأ الراحة أطرافى وتروى ضلوعى وتتخلل مسامى وتجرى رفقة الدم فى شرايينى .

رحلة أبتعد فيها عن كل شئ ، عن المطامع والأنانية ، عن الحقد والجشع والنفوس الخبيثة ، عن العيون الكاذبة والوعود الزائفة ، أنام حتى يغيب كل ما حدث ، أشتهى خلوة كخلوة أصحاب الكهف ، ثلاثمائة سنين وفوقهم تسعا ، ربما أطمع فى المزيد حتى يتغير الزمان ويتبدل ساكنوه ، حتى يكتسى الوقت فرحا وتضاء بالسعادة أيامه .

السماء صافية ، خالية من السحب ، المياه هادئة ، تقضى يومها تداعب حبات الرمل وتتحرش بجذوع الأشجار ، الشمس تنزع ثيابها وتقفز فى الماء حتى تغيب ثم تطل برأسها فينسدل شعرها على كتفها ثم تقفز ، تتراقص فى حركات دائرية ، تتجه نحو مجراها ، أغصان الأشجار تحتضن عشش الطيور ، تلمع الأوراق ، تحجب رسائل الشمس من أن تقع على الأرض .

تندفع نسمات الهواء ، تحمل رذاذ الماء تغسل به أوراق الشجر ، تتقافز الدلافين على سطح الماء ، تلهو وتلعب ، تلقى التحية ، تغازلنى بعينها ، يقطر من عينيها العسل ، خجولة كأنها القمر .

المياه نقية تماما ، تظهر ما تحتها حتى القاع ، تجلس بالقرب تشاهد مخلوقات لم ترى مثلها قط ، أسماك كبيرة وأسماك صغيرة تتوارى خلف الشعب ، كائنات لا تعرف اسمها ، نباتات وطحالب ، أزهار وعروق أخشاب ، جذور ممتدة مغطاة باللون الأخضر الغامق .

تجلس تتأمل تلك الطبيعة النقية التى إن لم تدنسها تدخلات البشر لصارت جنانا تبهج الناظرين ، زرقة السماء وزرقة المياه وخضرة الأغصان وبهاء الزهور ، تغريد الطيور وضجيج الحيوانات وخرير المياه  ورائحة الياسمين .

العالم مرهق بفطرته ، تحتاج بين وقت وأخر إلى خلوة بعيدا عن كل شئ ، أعمالك ومسئولياتك واهتماماتك ، خلوة من المحيطين بك قريبين كانوا أو ضد ذلك ، الحياة لن تتوقف إن ابتعدت عنها قليلا لكنك ستعود كأنك ولدت من جديد ، بروح طفل وقلب طاهر نقى شغوف ، خلوتك لتجديد شغفك فإن تكرار الأشياء يفقدها لذتها ويضعف همتك فى إنجازها .

يا عزيزى اخلو بنفسك جدد شغفك .

أن يهجرك قلمك حتى تبحث عما يبحث فيه الروح مجددا ، تبحث عن شئ يستفزه حتى يخرجه من صمته ، يتلوى ويتراقص أمامه ويكأنه أفعى أو أمرأة لعوب تجيد فعل الغواية ، الترياق الذى يثير شهوته ويحفز انتصابه حتى يخرج ما فى جوفه ويهد جدران صمته .

الأفعال تستفزه ، الكلمات تستفزه ، الخذلان يستفزه ، المواقف تستفزه ، كل شئ هو ذاته ما يجعله صامتا يجعله أيضا صارخا بصوت جهورى وكلمات رنانة تطرق فى الأذان وكأنها طنين نحل .

يا عزيزى ... اخلو بنفسك جدد شغفك !


1 رأيك يهمنى:

Asmaa Latif يقول...

السماء صافيه المياه نقية والطبيعة مبهجة ....ما أعذب كلماتك ما أرقها وانداها كم هى مريحة للنفس ولكن العالم مرهق بفطرته.... أتقنت فأبدعت حقيقى ما شاء الله