الأحد، 2 يناير 2022

لم نعد صغارا " 40 "

 

أراجع سريعا ما تم الفترة الماضية وأرتب معهم عمل اليوم ، أنظم المستندات التى أحضرتها وأضع كل مستند فى مكانه ، أصف الجداول وأحدد بيانا بالأوراق التى نحتاج إليها ، أجرى عدة مقابلات وأقوم بالعديد من الزيارات ، أجيب على الاتصالات التى تغافلت عن الرد عليها أثناء سفرى وكعادة أخر الأسبوع ينصرف الجميع باكرا وأظل بمفردى برفقة أوراقى وحاسوبى وملفات العملاء والكتب التى تؤنسنى دوما .

تستمر الأيام فى تواليها المعتاد مقسمة بين عمل وقراءة وتعلم و ترحال من هنا لهناك ، تقترب من أناس وتبتعد عن أخرين ، تبرم تعاقدات وتلغى غيرها ، يلقى على كاهلنا العمل بمشاق كثيرة تشغلنا عن الكثير والكثير ونلقى أصعب منها فى شرح ذلك للعملاء .

تنقضى الأوقات ويأتى رمضان ويرحل متعجلا ، تبتلى أختى بالمرض وندخل فى دوامة من الأدوية ولا مفر من إجراء عملية جراحية كأنها ورثتها من أبيها وأمها ونقارن بين المستشفيات ثم نختار وكالعادة أقابلهم على باب المستشفى ، تبكى أختى ويغرق وجهها الدمع ، احتضنها واطمئنها وأخبرها بأننا سنغادر من هنا سويا ولن يحدث لها مكروه ، أنهى الأوراق والتوقيعات ونصعد إلى الغرفة المخصصة لها ، يجهزها الطاقم الطبى ، تقبض على يدى وتبكى ، لا تتركنى ، أستئذنهم وأنزل معها وينتهى دورى عند غرفة العمليات فيطلب منى الأطباء الصعود .

أقف عاجزا أمام مرض ينهش فى جسد ضعيف ، الجمال يخبو ، حمرة وجهها تبدلت إلى صفرة شاحبة ، الضحكة انطفأت ، غيبها الألم وأخفتها الدموع .

الوقت ثقيل كسهم غرس فى صدرك وأصفاد مكبلة بها يداك ومحقن دس فى عنقك ونزيف يأبى أن يكف وقلب ينبض ألما ، كخلايا خاملة وعقل كسل عن عمله ، كضحكة مفقودة وبسمة غائبة ، كليل شتاء أسود وأرض كساها الوحل ، كعين حاقدة ترفض أن ترى نعمة عند غيرها ، كضعيف سجن ظلما وفقير يبكى شدة ومحتاج غلبته حاجته !

المرض كالليل ، كبرد يناير ، كظلام صحراء ، كضفدع ماء ، كعواء ذئب ، كقلب نازف ، كحلم مستحيل !

أوقات الانتظار شاقة والدقيقة فيها تعادل ألاف الضربات على رأسك من مطرقة ضخمة ، أخرج إلى الشارع أقضى الوقت أتجول فى المدينة القديمة ، أقتنى مجموعة من الكتب من كشك قديم حاصرته الفواكه والخضروات والأدوات المنزلية ، أعود الى المستشفى وأنتظر مجددا ، أسأل مرات ومرات حتى أعادوها إلى الغرفة ومازالت لم تعد إلى وعيها بعد .

اطمئن من الطبيب على نجاح العملية وأعرف منه الخطوات التالية والوقت الذى ستقضيه فى المستشفى ثم ينادون على أن أذهب إلى الادارة المالية لانهاء المتعلقات المالية .

استئذن من ادارة المستشفى بالبقاء برفقة أختى تصحبنى أختى الكبرى فيأذنون لى ، أرتب سيارة تعيد أهلى إلى قريتنا وأطلب من زميلى العودة إلى المدينة بسيارتى ويتركها عند مسكنى ، أتابعهم حتى أطمئن على وصول الجميع ، أشترى لها ما تحتاجه وأفتح كتبى وأقرأ فيها .

أقضى الليل أحدثها وأضاحكها حتى تنام ، جرعات متتالية من الحقن والأدوية كل عدة ساعات ، تدثرت أختى الكبرى بغطاء وغاصت فى نوم عميق ، ظللت أقرأ بجوارهم حتى نامت أعينهم ، أذن الفجر فتوضأت وصليت وأطفأت مصابيح الغرفة واستندت بظهرى على المقعد ، طرقت الباب الممرضة وحقنتها مجددا ، الشمس علت والنهار ملأ ضوءه الفضى السماء ، عمال النظافة يبدأون عملهم تشرف عليهم سيدة بدينة .

كخلية نحل تدور كل واحدة منهن فى مكان ، تنجز العمل المطلوب منها ، تنظف وتبدل الملاءات والأغطية والفرش وتفرغ سلال القاذورات .

يأتى الطبيب فيطلب منها القيام بعدة حركات ثم يأذن لها فى الخروج على أن تعاوده مجددا بعد خمسة عشر يوما بعيادته ، أجرى اتصالا وأطلب من أخى أن يحضر سيارة ويأتى ، نجمع أشياءنا وأحضر الأدوية اللازمة ونعود إلى قريتنا .

فى الليل علمت أن جدتى قد لاقت ربها ، وجدت الناس فى انتظار الجنازة بجوار البيت ، نزلنا من السيارة ، حملنا أختى إلى الداخل وأرحناها على السرير وجلست بجوارها أمى وأخواتى ، توضأت وذهبت الى صلاة الجمعة تلتها صلاة الجنازة ومراسمها والعزاء عصرا فى المساحة الفضاء خلف بيتنا .

انتهيت من ترتيب بعض الأشياء فى البيت وكنت قد طلبت منهم قبل اجراء العملية بإعداد فراش جديد لأختى ولما عدت ولم يعجبنى ما تم فاستبدلته بغيره واستئذنت أبوى فى السفر ، مشيت إلى الطريق ومن هناك ركبت توكتوك حتى البلدة المجاورة ومن هناك سيارة الى عاصمة المحافظة ثم سرفيس داخلى ثم سيارة الى مدينتى حيث وصلت ليلا .

1 رأيك يهمنى:

Asmaa Latif يقول...

كالعاده ربنا يبارك ويكتب لك السعادة ولأهلك ....وجع أسأل الله العظيم أن لا يريكم مكروه فى عزيز لديكم