السبت، 19 فبراير 2022

قسوة

 

البيت بارد ، أشعر بالبرودة تتسلل إلى أطرافى وكأنها تسرى فى عروقى ، الجدران باردة ، الصمت جعلها أشد بردا ، الصور على الجدران باردة أيضا ، صمتت فترة طويلة حتى علاها الغبار ، حتى الغبار الذى يعلوها بارد ايضا .

المدفأة رغم أنها تشتاط غضبا إلا أنها باردة أيضا ، أضع يدى على جدرانها فتكاد تتجمد ، الأبواب تصطك يعلو صوتها كأنها أسنان تصطدم فى بعضها، النوافذ تهتز يكاد زجاجها أن يسقط ، السلم الخشبى ، السقف الخشبى ، الستائر البالية ، عروق أخشاب سوداء مدعمة بأعواد البوص مثبتتة بعجين من طين وتبن ، كل شئ اهتز فجأة ، تحرك من موضعه ، تراقص يمينا وشمالا ، صوت الرعد يعلو ويعلو ، الأمطار تتساقط ، تنهمر بقسوة ، صوت المزاليج يفتح ، المياه تزاداد ، قطرات ، كرات ثلج ، حبات ملح ، دفقات دفقات .

أرتجف فى موضعى ، حتى كوب الشاى الذى اجتهدت حتى أعددته لا أستطيع أن أمد يدى لألتقطه ، كل أطرافى ترتعش ، ضلوعى كأنها تادخلت فى بعضها وكلما علا صوت الرعد تجمدت فى مقعدى أكثر ، أخاف الظلمة ، وتساقط الأشجار ، البرق تكاد من هوله أن تشتعل الحرائق ، المزرعة كانت آمنة جدا ، كنت أحب البقاء هنا لأطول وقت ، أقضى جل وقتى فيها ، أرعى أشجارى وأسقى ورودى وأزهارى ، ألاعب جيادى وأضع للماشية والابل والأغنام والماعز طعامهم وسقياهم ، كل شئ الآن غاضب ، حتى كلابى تنبح بصوت خائف ، أظنها ترتجف مثلى الآن .

أنتظر حتى تهدأ الزوبعة ، أتمالك أعصابى ، تهدأ دقات قلبى ، أتحرك بخطوات بطيئة نحو النوافذ والأبواب لأغلقها جيدا ، أرى الكلاب ترتعد فى الخارج فأفتح لها الباب لتدخل وأطلب منها أن تسامحنى أن أبقيتها تعانى وحدها هذه الأجواء فلم أكون أقوى على الحركة ، تنظر إلى معاتبة يكاد الدمع يسقط منها ، أقربهم من المدفأة فيضجعون أمامها ويفردون رؤوسهم على الأرض وعيونهم غرقى فى الحزن ، ألقى على ظهورهم بعض خرق بالية فلا أملك غيرها  .

عاد المطر يتدفق بلا انقطاع ، تلاقت عينى مع أعين الكلاب ، جميعنا ذاهل ، لا يعرف ما يحدث ، الخوف يسيطر علينا ، نسمع أزيزا وارتطام ، اتمسك بجانبى مقعدى ، أخشى الانزلاق أو الوقوع ، لا أعلم كيف سأنزلق ولا أين سأقع ولكنه الخوف يبسط رهبته فى الصدور فتزوغ العيون ويضطرب القلب وترتعش الأطراف ويصير الصمت موتا ! .

هدأت الريح لكن الأمطار مازالت محافظة على هطولها ، تدلت أغصان الأشجار حول سيقانها فكأنها أشبه بأذرع متراخية لأجساد ماتت واقفة ، المياه تنهمر وكأنها شلال متدفق ينزل من جبل عال ، المياه تجمعت بركا فى المساحات الخالية أمام البيت ، تسقط فيها الأضواء فتلمع ، وتبحر فيها النجوم فتلهو ويبدو القمر حزينا ! .

الليل يتسلل رويدا رويدا ، أهو الليل أم هى ظلم السحب المتكدسة فوق رأسى أم هو الخوف يجثو ويجثو ، البرد يشتد قسوة والأمطار تشتد غلظة وكرات الثلج تشتد تماسكا وكأن السماء تقذفنا بكرات بيضاء .

الكلاب غلبها النوم فنامت ، أكاد أحسدها على حالها ، أحاول أن ألحق بهم لكن النوم يعاندنى وأصوات الرعد ولهيب البرق يزعجنى ، تدور فى رأسى الدوائروالأفكار ، كأنى أسير أتخبط فى طريق وعر ، أقع من هنا وتصطدم قدمى من هنا وتغرس هنا ، أسير متكفئ ، أحبو ، تنزلق قدمى من قمة عالية  ،  يهزمنى النوم فتقع رأسى بجوارى .

1 رأيك يهمنى:

Asmaa Latif يقول...

رائع يا استاذ محمد بجد رائع رائع رائع ....كلماتك كعادتها ساحرة حقيقى متالق ومتفوق ما شاء الله عليك ....كعادتك رسام للمشهد والموقف فعلا أبدعت